رغم خوف العائلات المتزايد من التصاق أولادهم بشاشات عالم الديجتال الرقمي، إلا أن ذلك أصبح وربما للأسف من واقع الحياة الحديثة، التي لا يمكن الانفصال عنها والعيش بمعزل عن كل تلك الأجهزة. فمنذ استيقاظ الطفل مع ساعات الصباح الأولى يظل محاطا بشاشات الديجتال، التي يتعامل معها حتى ساعة نومه، فهو يتنقل من جهاز التلفزيون إلى الحاسوب إلى "بلاي ستايشن"، ويضع على الدوام لعبة "غايم بوي" في جيبه أو في حقيبته، إضافة إلى كل ما هناك من ألعاب متنوعة ومختلفة الشاشات والأحجام، بل حتى في أماكن الترفيه خارج المنزل لا تخلو المحال ولا المتاجر الكبرى، من شاشات "بلاي ستايشن" لألعاب الصغار، وفي حجرات الاستقبال في عيادات بعض أطباء الأسنان في ألمانيا يمكن رؤية بعض هذه الألعاب. إذن كيف يمكن إعداد الأطفال لتلك الحالة غير المسبوقة من عالم تكنولوجيا الصغار؟، حتى إن الكثيرين ينظرون إلى أن اندماجهم في ذلك العالم قد أبعدهم عن الطبيعة وعن التفاعل معها، خاصة أنها تحتوي على الكثير من المؤثرات، التي تلعب دورا في تشكل شخصية الطفل، فالحيوانات والغابات والنباتات هي من الأشياء التي تثري خيال الطفولة، واستبدالها بحيوانات وغابات الديجتال، يترك آثارا سلبية على شخصية الطفل تقول دراسة حديثة لجامعة "لوبيك" الألمانية بالاشتراك مع باحثين من جامعة "جرايفس فالد" إن صورة مثالية الأب في عيون أطفاله تعطي عامل تشجيع لاقتفاء أثره في ما يفعل، فكما أن الآباء يصبحون ملتصقين في المنزل بجهاز الحاسوب المحمول من أجل إنهاء أعمالهم، التي أصبحت كلها تدخل في نطاق التقنية الحديثة، فكذلك الأطفال أصبحوا ملتصقين بشاشات العرض في المنزل مثل الآباء. من ناحية أخرى، تشير الدراسة إلى أن المراهقين والشباب الذين تنحصر أعمارهم بين 14 إلى 24 سنة منهم نسبة تصل إلى 2.4 في المائة هم بالفعل من المدمنين على الإنترنت، ونسبة 13.6 في المائة من هؤلاء الشباب هم في طريقهم إلى الإدمان. ويقول ميشتلد ديكمانز، المفوض المسؤول من الحكومة الألمانية عن مراقبة الإدمان لدى الشباب إن هذه المشكلة تتأصل لديهم عندما يشعرون بأن هذه العوالم الخيالية منحتهم راحة لا يجدونها في العالم الحقيقي. أما هانز يورجن رومبوف، أحد المشاركين في الدراسة السابقة، فيقول إن نسبة الفتيات تتفوق على نسبة الأولاد الذكور في الانتماء إلى الشبكات الاجتماعية على الإنترنت. المثير في الأمر أن الشاشات الديجتال لم تترك ركناً في منزل العائلة إلا واحتلت مكاناً فيه، فغرفة المعيشة على سبيل المثال أصبحت مسرحًا للألعاب يتجمع فيها أفراد الأسرة الألمانية في المساء حول الشاشة، ليمارسوا لعبة " wii"الشهيرة. في هذا الصدد، تذكر الدراسة السابقة أن 42 في المائة من العائلات الألمانية لديهم ألعاب في غرفة المعيشة تمارسها العائلة مجتمعة، وأن كل ثاني طفل لديه لعبة "بلاي ستايشن". وطبقًا لجمعية أبحاث التربية في ألمانيا، فإن العائلات الألمانية منزعجة بالفعل من دخول عالم الديجتال بقوة حياة المراهقين، فعلى سبيل المثال نجد أن متوسط نسبة ما يمتلكه الأفراد من الأجهزة الإلكترونية في العائلة الألمانية الواحدة بيانها كالآتي عدد 3.8 آلة محمولة، و2.5 تلفزيون، و2.1 حاسوب، و2.3 إ بي 3، و1.6 ديجتال كاميرا. أما "بلاي ستايشن" فنسبته 1.1، والهاتف المحمول تصل نسبته إلى 100 في المائة، عند الأطفال من سن 12 إلى 1 سنة.