بحكم انتشارها الواسع عبر جميع مناطق العالم، باختلاف مناخها وتضاريسها ومميزاتها الطبيعية، وبالنظر لتأثير هذه المعطيات على قدرتها البدنية وبنيتها الفيزيولوجية، تعد الخيول من أكثر الأصناف الثديية انسجاما مع البيئة التي تحتضنها ومن ثمة فإن حجمها وقوامها وشكلها الخارجي هي أهم محددات منشئها ونطاق وجودها الجغرافي. ولعل الحصان قصير القامة "البوني"، أحد أنواع الخيول المميزة التي تعد نتاجا مباشرا للعوامل المناخية والطبيعية السائدة في المناطق الواقعة في أقصى شمال القارتين الأوروبية والآسيوية، مهد هذا الحصان "الوديع والودود بطبعه"، الذي يسهل التعرف عليه من خلال قامته وطول شعر ناصيته وقوائمه القصيرة، مقارنة مع "أبناء عمومته"، العربي والبربري والإنجليزي. وبالنظر إلى بنيته القوية وقدرته الكبيرة على التحمل في ظروف مناخية صعبة، فقد استعمل "البوني" منذ القدم وسيلة للنقل وحمل البضائع وإنجاز الأعمال الزراعية في المناطق ذات التضاريس الوعرة، بل إنه استخدم في كل من بريطانيا وفرنسا، إبان الثورة الصناعية في استخراج الفحم الحجري لما يملكه من بنية تمكنه من ولوج دهاليز المناجم الضيقة. لكن، وبعد ابتكار الإنسان الآليات ووسائل النقل الحديثة، لم يعد هذا الحصان "الصغير" يؤدي المهام نفسها التي كانت توكل إليه في السابق، ومن ثمة أضحت استعمالاته تكتسي طابعا ترفيهيا في الغالب، وهو ما يتجسد من خلال توظيفه في العروض البهلوانية والتجوال وتدريب الأطفال الصغار على ركوب الخيل. قصر القامة.. عامل إيجابي بالنسبة ل"البوني" إذا كان قصر القامة خاصية غير محمودة لدى العديد من أصناف الخيول، فإنها لدى "البوني" تشكل معطى إيجابيا أتاح له ولوج صالات العروض وحلقات السيرك من بابها الواسع، من خلال توظيفه في العديد من العروض الفنية والبهلوانية التي يستحسنها المتفرجون. ويؤكد عدد من مربيي ومروضي "البوني"، في تصريحات مختلفة لوكالة المغرب العربي للأنباء، على هامش فعاليات معرض الفرس بالجديدة في دورته الرابعة، الذكاء والقدرة الفائقة التي يمتلكها هذا الحصان الصغير على التعلم والاستيعاب في ظرف وجيز، فضلا عن مزاجه الهادئ الذي يجعل التعامل معه أمرا سهلا، لاسيما بالنسبة للأطفال. كما يتميز هذا الحصان، حسب المربين، بقدرته الكبيرة على التحمل، بما في ذلك حمل الأثقال وجر العربات والمشي لمسافات طويلة، وهو ما يعزى إلى تماسكه الجسماني وبنيته العضلية القوية، التي تعد نتاجا مباشرا للوسط الطبيعي الذي نشأ فيه وعمليات التهجين الكثيرة التي مكنت من إفراز أنواع مختلفة تندرج جميعها ضمن صنف "البوني". ويشكل هذا الفرس جسر عبور لابد من اجتيازه بالنسبة للأطفال الذين يتعلمون على صهوته الفروسية ومبادئ ركوب الخيل، قبل امتطاء الخيول المعدة للمسابقات، الأمر الذي حذا بالعديد من أندية الفروسية في المغرب إلى الإقبال بكثرة على تربية هذا النوع من الخيول وإيلائه مكانة متميزة. الجدير بالذكر أن العديد من البلدان أضحت تتوفر على أندية ومدارس خاصة بتعليم ركوب الخيل من صنف الأحصنة قصيرة القامة، التي أصبحت تتبارى في مسابقات الفروسية والقفز على الحواجز الخاصة بفئة الصغار، إلى جانب المسابقات الخاصة بجر العربات. والأكيد أن "البوني" حصان صغير بقدرات كبيرة وصفات مميزة جعلته يحظى بمكانة في مجال الفروسية خاصة في أندية تعليم ركوب الخيل، وأخرى أهم في قلوب الأطفال الصغار.(و م ع)