شكلت المشاركة الإيجابية والمكثفة للمواطنين المغاربة القاطنين في الأقاليم الصحراوية، في الاستشارة الاستفتائية، الذي شهدها المغرب يوم الجمعة الماضي، وتصويتهم لفائدة مشروع الدستور، رسالة قوية، ذات مضامين وأبعاد متعددة، أراد المواطنون الصحراويون تبليغها في هذا الظرف بالذات، سواء على المستوى الداخلي أو الخارجي. 'نعم' للجهوية والحكم الذاتي المقترح لإنهاء ما يعرف بقضية الصحراء ويتمثل البعد الأول البارز في التأييد الثابت للمواطنين القاطنين في الأقاليم الجنوبية للإصلاحات الدستورية، التي اقترحها جلالة الملك، ممثلة، على الخصوص، في طرح مشروع دستور جديد، يستجيب لطموحات المغاربة جميعهم، ويتماشى مع تطلعاتهم إلى وثيقة دستورية متوازنة، وديناميكية، تخدم التطلعات المشروعة للأجيال الحاضرة والمقبلة. البعد الثاني، الذي تنطوي عليه المشاركة بكثافة للمواطنين الصحراويين في استفتاء يوم الجمعة الماضي، يتمثل في أن هذه الاستشارة دليل قوي على تشبث مواطني الأقاليم الجنوبية بمغربيتهم، التي ما فتئوا يؤكدون عليها في كل الاستشارات الانتخابية والاستشارية، التي شاركوا فيها، منذ استرجاع هذه الربوع بالوطن الأم قبل 36 سنة. وهي إشارة قوية، أيضا، على الترحيب الشديد الذي أبداه مواطنو الجهات الصحراوية الثلاث، بالدستور الجديد، الذي تضمن، لأول مرة في تاريخ المغرب، الجهوية المتقدمة، كخيار جديد في الممارسة الديمقراطية بالمغرب، وسنكون الجهات الجنوبية الأولى في تطبيق هذا الخيار، الذي ينتظر أن يرفع المسلسل التنموي المغربي إلى مستوى أكثر تطورا وتوازنا، وهي، في الوقت ذاته، تأييد مطلق لخيار الحكم الذاتي، الذي ما فتئ يحظى بترحيب دولي أربط حسابات أعداء الوحدة الترابية للمغرب. والبعد الثالث، الذي أراد المواطنون الصحراوين إيصاله، بقوة ووضوح، يهم الانفصاليين، والمتآمرين معهم، في السر والعلن، كما يهم كل أعداء الوحدة الترابية، إذ أن هذا التصويت الإيجابي المكثف يعني "نعم" للدستور الجديد، وللديمقراطية، والوحدة الوطنية، والوحدة الترابية، و"نعم" للجهوية والحكم الذاتي، المقترح لإنهاء ما يعرف بقضية الصحراء، التي هي ببساطة قضية مفتعلة، ويراد أن تستمر للرهان على إضعاف المغرب. وتدل هذه الرسائل، التي وصلت بالفعل، على أن المسلسل الديمقراطي، وبناء دولة الحق والقانون والمؤسسات، والجهوية المتقدمة، خيارات لا رجعة فيها، وهي كفيلة بجعل المملكة في موقع رائد، على المستويات الإقليمية، والجهوية، والقارية. يذكر أنه، مقارنة مع جهات أخرى، احتلت نسبة مشاركة المواطنين الصحراويين في عملية التصويت، في الجهات الصحراوية الثلاث (العيون الساقية الحمراء بوجدور، وواد الذهب لكويرة، وكلميمالسمارة)، الصدارة، وتكاد تشكل إجماعا على الدستور، إذ في حين كانت نسبة المشاركة على المستوى الوطني بلغت 73.46 في المائة، كما أعلن عن ذلك وزير الداخلية، الطيب الشرقاوي، بمناسبة الإعلان عن النتائج المؤقتة للاستشارة الاستفتائية، فإنها وصلت إلى نسبة 84.05 في جهة العيون بوجدور الساقية الحمراء، وأكثر من ذلك في جهة وادي الذهب - الكويرة (92.19 في المائة)، و86.76 في المائة في جهة كلميمالسمارة.