ازداد العازف إدريس المالومي بأكادير سنة 1970، بها درس الموسيقى، وبعد حصوله على الإجازة في الأدب العربي، توجه إلى العاصمة لاستكمال دراسته، حيث انخرط في البحث الموسيقي، ومزج بين الموسيقى الأمازيغية، والألحان الشرقية والغربية. محسن كرتوش انطلقت تجربته الفنية ب "قافلة القمر" مع الموسيقي الهندي، جيرار كوردجان في 1999، وبعدها مع الموسيقي الإسباني جوردي سافال في سفر فني عبر العالم، ضمن فرقته "هيسبيريون". حصل على العديد من الجوائز والتوشيحات في أوروبا، وأصبحت معزوفاته تدرس في العديد من المعاهد الموسيقية العالمية. توج، أخيرا، بجائزة زرياب للمهارات، من طرف المحلس الوطني للموسيقى، وهي أول جائزة مهمة يحصل عليها في بلده، حول هذه الجائزة ومساره الموسيقي، كان ل "المغربية" حوار مع العازف إدريس المالومي، الذي لا يرتاح للقب ساحر العود. حصلت على مجموعة من الجوائز خارج المغرب، في العديد من المناسبات، لكن هذه أول مرة، ربما، تتوج في المغرب، فماذا تمثل لك جائزة زرياب للمهارات، التي منحها لك المجلس الوطني للموسيقى؟ أعتقد أن توشيحي بجائزة زرياب لا يمكن إلا أن يكون شيئا جميلا بنضاف إلى هذا السفر والتجربة، التي لم تكن قصيرة، بل كانت مليئة بالتحديات، والكثير من الأشياء، وأعتقد أن توشيحا من هذا القبيل هو أحد المسببات لننتبه إلى ما هو راق وجميل، وما هو ربما مختلف. وأعتقد أنني في تجربتي البسيطة، اشتغلت على عمل إبداعي مختلف عما هو سائد، يبحث عن طريقة أخرى لممارسة ما يسمى بالطرب، يمكن أن نتفق حوله أو نختلف، لكن نطالب، فقط، بالحق في إمكانية التعبير عن هذا الاختلاف، وفي النهاية الجمهور هو الذي يحكم على العمل. الحمد لله تجربتي مهمة، إذ عزفت في القارات الخمس، ولحد الساعة كان تجاوب الجمهور مع ما أقدم راقيا جدا، وهو ما يحملني عبء مسؤولية أخرى، ويخلق في نفسي حالة تناقض وتساؤل، حول الاعتراف الذي أحصل عليه بالخارح، وحول عدم الحضور بالشكل المناسب، حتى لا أقول النكران، داخل بلدي. واليوم جاءت جائزة زرياب، بعدما حصلت في أكادير السنة الماضية على وسام المدينة، كأفضل موسيقي، وبهذه الأشياء البسيطة يمكن لنا أن ننتصر على تخلفنا. ألا تعتقد أن توشيحك بالمغرب متأخر نسبيا مقارنة مع العطاءات التي قدمت والاعترافات بالخارج؟ لا بأس ف "وقت ما تايجي الخير تاينفع". هذا ليس إشكالا، فربما أنا من المحظوظين، لأنني توجت بجائزة مهمة في عز العطاء، وبهذه المناسبة أشكر المجلس الوطني للموسيقى، وصديقي الفنان حسن مكري، وإصراره الجميل والطيب على الانفلات عما هو سائد، فالالتفات إلى اسم إدريس المالومي عملية غير مربحة إعلاميا، واقتصاديا، لكنها تؤكد أن هناك من يلتفت إلى هؤلاء الآخرين. هل يمكن أن تحدثنا عن علاقتك بآلة العود، خاصة أن الذين حضروا حفلاتك انبهروا بالحوار العجيب الذي تقيمه مع العود؟ لم أتذكر أنه كانت هناك فترة في حياتي قلت فيها إنني سأمارس الموسيقى، أو أشتغل على آلة العود، لكن كانت هناك نداءات داخلية خاصة هي التي قادتني إلى التعامل مع آلة العود. أنا مثل جميع أطفال بلدنا المغرب، مارست الشغب الطفولي داخل الأحياء الشعبية، وكان أول درس تعلمته هو الإيقاع، لكن كان دائما بداخلي نداء خاص للموسيقى، أو ارتعاشة من نوع خاص داخل القسم في الابتدائي، وبعدها في الجمعيات الثقافية. أكن احتراما خاصا للعمل الجمعوي، على اعتبار أنني أعد نفسي "منتوجا" للأجواء الثقافية، التي كانت سائدة داخل دار الشباب في تلك الفترة، فداخل الجمعية الثقافية اكتشفت أشياء كثيرة، الدهشة الأولى في علاقتي بآلة العود، التي كانت تمارس نداء خاصا علي، فتطورت الأشياء من العزف في دار الشباب لجمهور من الأطفال، إلى العزف بدار الأوبرا بالبندقية، أو معهد الموسيقى بباريس، وافتتاح مهرجان بشارع معروف بنيويورك، هذه الأشياء كلها تفرح، لكنها تزيد من تعميق مسؤوليتي. وآلة العود بالنسبة إلي هي ذلك الصديق، وبلا مبالغة، ففي فترات معينة يمكن أن أصل إلى مستوى استشارة عودي، لأنه يفتح لي إمكانية الدخول معه في حميمية، يواسيني، يعطف علي، يحن علي، وبه أواجه غطرسة وجبروت الآخرين، وبه أواجه تخلفنا القبيح في الثقافة وفنون الإبداع، به استطعت أن أقول إنني كمغربي بإمكاننا الآن نحن المغاربة أن نعزف في مناطق مختلفة من العالم، ونخلق حوارا من نوع آخر، وندعو لمراجعة ذواتنا. آلة العود بالنسبة إلي تتعدى فقط أن تكون آلة موسيقية لإنجاز أصوات معينة. كأمازيغي ذي تكوين أدبي، انتقل إلى الرباط لاستكمال دراسته الموسيقية، ما هي الرسالة، التي أردت أن توجهها للجمهور، خاصة أن الروح الأمازيغية حاضرة في موسيقاك؟ طبعا لدي عفويتي، ولا يمكن لي أن أنفلت من أصولي، فجذوري أمازيغية، فأبي من قبائل آيت باعمران، وأمي من منطقة حاحة، عشت بمدينة أكادير، وتربيت داخل الأوساط الجمعوية الثقافية، ولسبب أو لآخر، وقعت في غرام العود، ولا أعرف لماذا، لأنه كان يمكن أن أشتغل على الرباب أو الأوتار، أو آلات أمازيغية أخرى، لكن ما كان يحركني هو آلة العود بطابعها العربي، والذي يتجاوز الآن ما هو عربي، لأنني ما أقدم اليوم هو نتاج كل التلاوين الموسيقية، الأمازيغية، والصحراوية، والإفريقية، والشرقية، والأندلسية، فهذه الأشياء كلها ملكي، مثل الثقافات الإنسانية، يمكن أن آخذ منها، وأن أعطي رأيي الموسيقي فيها، ورأيي هو الأعمال الموسيقية، التي أقدم. أين يضع المالومي نفسه وسط الأسماء العربية الماهرة في العزف على آلة العود؟ هناك مدارس متعددة في العزف على آلة العود، وداخلها هناك اتجاهات مختلفة، فالاسم الكبير منير بشير، في المدرسة العراقية، ليس هو جميل بشير، وليس هو نصير شمة، ولا هو الخماش، ولا أسماء عراقية أخرى، الشيء نفسه عن المغرب، فأنا أعتز بوجودي في فترة يوجد بها سعيد الشرايبي، والحاج يونس، والطنطاوي، والبيضاوي، يبقى هل من الضروري أن أقوم بما قاموا به، بطبيعة الحال لا، فأنا لي هوسي وحماقاتي الخاصة، وأسئلتي الخاصة، خاصة أنني إلى جانب الموسيقى، أتممت دراستي في الأدب، وحصلت على الإجازة في، وهذا شيء مهم فتح لي آفاقا جديدة، وتحديات من نوع خاص، كيفية الحديث عن نصوص أدبية قديمة، وتحقيق المزج بين التراكم المعرفي، الذي لدي في علاقتي بآلة العود، ولهذا فأنا أحاول أن أكبر أسئلتي وأن أبحث، وهذه الأسئلة هي التي تدفعني لأصنع وجها خاصا وسط هؤلاء العمالقة، وأعتز بأنه بدأ يأخذ طريقه، وأعتز، وهذا من باب الافتخار الموضوغي، أنني في فترة من الفترات قدمت حفلات في أوروبا، وتفاجأت في دول معينة، أن هناك بعض الطلبة يشتغلون على موسيقى إدريس المالومي، فأنا مسرور لأن عملي يجد صدى عند رغبات إنسانية بسيطة، عند الناس. الجمع بين البحث الأكاديمي وبين العزف في تجربتك، هل هو اختيار منطقي؟ باختصار أنا أحاول دائما أن أحترم ذكاء الروح فينا، وأن أحترم نفسي والمتلقي، وهذا ليس اختيارا منطقيا وعقلانيا، بل هو استجابة لرغبة داخلية. أنا مثلا مدمن على شعر محمود درويش، ولا يمكن لي أن أتصور صورا شعرية بمثل الرقي الذي لدى درويش، ولا أعطيها قيمتها وألجأ إلى أشياء بسيطة، لأنها أكثر سهولة من حيث التلقي. أنا لا أبحث عن الجمهور الواسع، بل عن حالة نشوة داخلية لا يحققها لي إلا شعر درويش، وعزف من هذا القبيل يفترض هدوء معينا، وأدوات معينة. بمن تأثرت من الموسيقيين؟ كثير هم الموسيقيون، الذين تأثرت بهم، وليس تحديدا في آلة العود. في العود أستمع وبتأثر كبير لمنير بشير، وكان لي الشرف في أحد الأيام أن أتقاسم معه الخشبة نفسها، وهناك موسيقيان تركيان، ومجموعة من العازفين الأوروبيين في القيثارة، وفي السلاي قيثار، وفي الطرومبيت. ما هي التجارب التي كانت لديك مع فنانين عرب ومغاربة؟ سبق لي أن اشتغلت مع مارسيل خليفة وابنه رامي خليفة، ومنير بشير ابن عمر بشير، وشربل روحانة من لبنان، وأيضا مع علي من الجزائر، ومن المغرب سبق واشتغلت مع سميرة القادري، ورشيد زروال، ومجيد بقاس، وأسماء كثيرة. وعلى المستوى العالمي كانت تجربتي أغنى، إذ اشتغلت كثيرا مع جوردي سافال في فرقة "هيسبيريون" المتعددة الجنسيات، على الموسيقى الروحية في منطقة البحر الأبيض المتوسط، وعلى موسيقات القرنين الرابع عشر والسادس عشر، ومع أرمون عمار، في فيلم "عين النساء"، الذي مثل المغرب في مهرجان كان السينمائي، واشتعلت، أيضا، معه في افتتاح مهرجان الموسيقى الروحية بفاس بعمل "مجنون ليلى". تتميز أعمالك بالحوار بين الشرق والغرب، فلماذا هذا الاختيار؟ لا أدري، ربما لأنني في عفويتي وذاكرتي كمغربي محمل ببصمات شرقية، فلا يمكن أن أنفلت من آلة العود، وربما لأن ذهابي إلى أوروبا واشتغالي مع فنانين يسعون لتحقيق التواصل، أو لأنني بكل بساطة أجيد هذا التواصل بشكل أو بآخر. ليس من السهل المزج بين الثقافات المختلفة، فهو تحد كبير، يتطلب ممن يرغب في الذهاب نحو الآخر أن يكون مسلحا بفكرة الانفتاح، وبحب التحدي، والبحث عن أشكال أخرى، للانفلات عما هو سائد، لأن ما يقتل التراث والموسيقى بشكل عام هو الاستكانة لما هو سائد. ما هي المشاريع التي تشتغل عليها حاليا؟ الآن انتهيت من تسجيل أسطوانة مع الشاعر عبد اللطيف اللعبي، والفنانة نزيهة مفتاح، وهي بعنوان "عين القلب"، ستصدر قريبا، وهناك عمل "سفر"، الذي سأسجله قريبا في أسطوانة، وهو سفر في الجغرافيا والذات، وهناك عمل رباعي مع أحد العازفين العالميين على السلاي قيثار، الهندي ديباجيشتايا، مع أخيه في الإيقاع، وأيضا مع أخي في الإيقاع. وقريبا سأقوم بتسجيل عمل متكامل بآلة العود والأوركسترا السيمفونية الإسبانية، وأفكر في عمل من نوع خاص بين آلة العود، وآلة تقليدية مغربية، هي آلة الكمبري، مع أحد الفنانين المغاربة. هل أنت "ساحر العود" كما يصفك العديدون؟ أحب أن أوصف بشاعر العود، وليس ساحر العود، لأنه الأقرب إلى نفسي، ولأنه اللقب، الذي أطلق علي في أوروبا.