نساء تخلين عن زينتهن وأنوثتهن وتوشحن بالبياض، ليس لإظهار قوامهن الممشوق ومحاسن أجسادهن، بل للإعلان عن كتابات توسطت صدورهن، تقول "لا للتقتيل، لا للتطرف". محامون ارتدوا بذلاتهم السوداء وربطات العنق، ليس للوقوف أمام هيئة المحكمة للدفاع عن أظناء، بل للإدلاء بمرافعة قوامها كلمتان: "لا للإرهاب". معاقون تحدوا الإعاقة ومشوا على أيديهم وأرجلهم، ليبلغوا رسالة للعالم أن هناك أصحاب إعاقة فكرية، يريدون وقف مسيرة إصلاحية، ينتظرها الشعب. أطفال بقبعات بيضاء، أعلنوا، بدورهم، عبر شعارات بالبنط العريض "ماتقيش بلادي". سياح أجانب، شاركوا في ذيل المسيرة، ليقولوا بلغتهم "الإرهاب ليس ديانة". إنها مشاهد، من بين أخرى، تنقلها "المغربية"، لتسلط الضوء على مسيرة في مدينة مراكش، أمس الأحد، وحدت جميع الأطياف، لتقول بصوت واحد "هذا مغرب التغيير، ماشي مغرب التفجير". ساحة باب دكالة قبل أن تشير عقارب الساعة إلى الحادية عشرة، استطاعت ساحة باب دكالة أن توحد كل الأطياف السياسية وجمعيات المجتمع المدني. عشرات الحافلات لنقل المسافرين لفظت مواطنين جاؤوا لمراكش من أجل مهمة خاصة، عليهم إتمامها على أحسن وجه، قبل العودة لمدنهم النائية، القطار، بدوره، كان له موعد مع مسافرين من نوع خاص، رددوا شعارات التنديد بالإرهاب قبل نزولهم بمحطة مراكش. ساحة باب دكالة امتلأت عن آخرها قبل انطلاق المسيرة، وحشود المواطنين ظلت تتقاطر من كل الجهات، أزيد من 10 مكبرات صوت، وثلاث "هوندات" تقود المسيرة، التي كانت لها ثلاثة "رؤوس". قبل انطلاق مسيرة "أركانة"، ردد أزيد من 5 آلاف مواطن "الشعب يريد إسقاط الإرهاب"، وكأنهم يعنونون مسيرة وطنية خاصة، احتضنتها مدينة البهجة، التي أرادت خفافيش الظلام أن تسرق الفرحة منها، من جديد. مسيرة "أركانة"، أهم ما ميزها، الحضور النسائي اللافت للنظر، فعاليات نسائية من مختلف الأطياف حضرت لإيصال رسالة قوية لأعداء التغيير والإصلاحات السياسية، التي ينتظرها أبناء المغرب، حملن مكبرات الصوت، وصرخن بأصوات مبحوحة "لا إرهاب لا ظلام، هذا مغرب الأحرار". زحف نحو أركانة الرأس الأول للمسيرة تحرك حين كانت عقارب الساعة تزحف نحو الحادية عشرة صباحا، أفواج من النساء المسنات، بجلابيبهن وعباءاتهن السوداء، يتهادين على طول شارع محمد الخامس، الذي يشق قلب المدينة الحمراء، مجموعات كبيرة من الشباب النحيلين، المتقدة أعينهم، خطوا خطوات نحو "سيارة لنقل البضائع" يعتليها، أحمد مدياني، عضو تنسيقية 20 فبراير بالدارالبيضاء. رجال كهول يرتدون جلابيب بيضاء، يترنحون حفاة على الإسفلت الحار، يستجمعون قواهم من وقت لآخر بالاتكاء على عصيهم الخشبية، وفي أيديهم لافتات تندد بتفجيرات "أركانة"، وأخرى كتب عليها "لا للتطرف". وبعد أن حركت الشعارات المنددة بالإرهاب والمطالبة في الاستمرار في مسيرة الإصلاحات أحاسيس الجميع، انطلقت المسيرة، التي قدرت عددها اللجنة المنظمة ب 12 ألف مواطن، في حين، قدرتها مصالح الأمن بمراكش ب 4 آلاف مواطنة ومواطن. بدت المسيرة بعد انطلاقتها أنها عفوية، ليس فيها وصاة على المواطنين، ولا تضم دروعا بشرية لحماية واجهات المحلات التجارية، التي ارتأى أصحابها أن يغلقوا أبوابها. مئات الشباب كانوا يسيرون بلا توقف، وكأنهم يسعون للوصول إلى نهاية المسيرة، والرجوع عكسا إلى بدايتها، منهم من ينتمي إلى حركة 20 فبراير، ومنهم من ينتمي إلى جمعيات حقوقية، وحركات أمازيغية، ومنهم، أيضا، من يقوده الفضول وحب الاكتشاف لمسح المسيرة بنظرات فاحصة. هنا جامع الفنا عقارب الساعة تجاوزت الثانية والنصف بعد الظهيرة، المكان، هذه المرة، كانت له دلالة خاصة، واستطاع أن يوحد المسيرة، لتصبح برأس واحد وشعارات واحدة، ورسالة موجهة للجميع مفادها "لا للإرهاب"، قالها الجميع أمام مقهى أركانة، التي تربص بها الجبناء، الذين أرادوا قتل كل ما هو جميل في ساحة عالمية، تضيء سماء مراكش فرحا كل يوم. وفي الوقت الذي وحدت"أركانة" جميع الألوان، التي شكلت لوحة فنية جديدة، قوامها مغاربة قالوا "لا للإرهاب"، التحق شباب تنسيقية حركة 9 مارس بساحة جامع الفنا، للتعبير عن شجبهم لكل أشكال العنف والتطرف، وتضامنهم مع عائلات ضحايا الاعتداء الجبان، الذي استهدف المدينة الحمراء الأسبوع المنصرم. المسيرة الشعبية للتنديد بالاعتداء الإرهابي، الذي استهدف مدينة "البهجة"، أجمع فيها الكل أمام "أركانة"، على أن الإرهاب لا ديانة له، وأن الكل متشبث بالمغرب وبملكه، وأن جميع الأطياف السياسية والجمعوية ضد كل من يهدد أمن الوطن وسلامته، ومن يقتل الحياة ويريق دماء الأبرياء. فاضت ساحة جامع الفنا بمواطنين جاؤوا إليها من كل جهات المملكة، شكلوا سيلا لا ينقطع من البشر، سائرين مشيا على الأقدام، الكل ينظر بأعين فاحصة إلى مقهى أركانة، وفي نفسه غصة انهيار مكان يفتح صدره للجميع، في حين، شوهدت نساء يذرفن دموعا، وكأنهن يقلن لمن لطخت أيديهم بالدماء "اتركوا لنا وطننا وأبناءنا ومستقبلنا، وارحلوا عنا".