يبدو أن مقولة "الفايسبوك لا يغلبوك" لم تعد حكرا على الحركات الشبابية والفئات "المتحررة"، بل أخذت تجد له موطئ قدم لدى شرائح تُعتبر محافظة، وطالما ارتبطت صورتها لدى المتلقي بأنها لا تجيد التواصل بالوسائل الحديثة. آخر معتنقي شعار "الفايسبوك لايغلبوك" على صفحات موقع التواصل الاجتماعي "فايسبوك"، هم بعض أئمة المساجد والفقهاء، الذين ظلوا لسنوات محتفظين بشعار "العباية والدواية والقلُم"، أي الجلباب ومحبرة الصمغ المستعمل في الكتابة، والقلم المصنوع من القصب. ويظهر هذه العدة العتيقة لم تعد قادرة على الصمود أمام ثورة التكنولوجيا ووسائل التواصل الحديثة، لتصل عدوى الإنترنت إلى آخر إمام، في مدشر بعيد عن أرض المغرب الواسعة. أطل أئمة المساجد والفقهاء، من خلال نافذة سموها "من أجل إنصاف أئمة المساجد"، على صفحات الفايسبوك، أو "محرر الشعوب"، كما يحلو للبعض تسميته، ليطالبوا بإنصافهم وتحسين أوضاعهم المادية والاجتماعية. وضمَّن عدد من الفقهاء والأئمة صفحتهم كلمة تأسيسية، خرجت عما هو مألوف ضمن فهرس صفحات "الحركات الفايسبوكية" الأخرى، فأخذت من الأيام والشهور موعدا، للخروج من عالم افتراضي إلى الواقع المعاش لإبلاغ صوتها. وجاء في هذه الكلمة "إخواني أئمة المساجد والفقهاء، لا شك أنتم تعرفون أكثر من غيركم الأوضاع، التي نعيشها في مغرب اليوم، تحت وزارة أحمد توفيق، من قلة مال وفقر مدقع. ولا شك، إخواني، أنكم على علم بما يقع في البلدان العربية من صحوة شعبية شاملة، تدعو إلى مطالب إصلاحية تنادي بها كل فئات الشعب. ولما لمؤسسة الفقهاء من دور كبير في إنجاح هذه المطالب والثورات لابد من المشاركة فيها والحضور القوي، ولابد من ضم مطالبنا لمطالب باقي فئات الشعب، لتحسيس الرأي العام بظروفنا وأحوالنا، فراتب إمام المسجد هو 1120 درهما، وراتب المؤذن هو 400 درهم، في حين، يبلغ راتب وزير الأوقاف 7 ملايين. لذلك ،إخواني، أدعوكم للانضمام معي إلى صفحة الفايسبوك". لم يغفل أصحاب العباءات توضيح أسباب عدم مشاركتهم في مظاهرات 20 فبراير، وتساءلوا قائلين "إذا كان مجموع الفعاليات، التي شاركت في مظاهرات 20 فبراير، خرجت لتنادي بالإصلاح، ولتظهر ما لحقها من ظلم وضيم، وتركت مشاريعها وبرامجها السياسية وأعمالها الاقتصادية من أجل النداء بصوت واحد، هو: الشعب يريد إسقاط الاستبداد والفساد، فلما لم يخرج أئمة المساجد للمشاركة في هذه المظاهرات؟ فهل أئمة المساجد هم أعلى فئة مترفة تعيش في المغرب، فلا يشعرون بما يشعر به المغاربة، من قلة المال وانعدام المواصلات وضيق البراريك؟ ألا يعيش هؤلاء الأئمة وسط المغاربة، وبين ظهرانيهم؟". بلى، إن أئمة المساجد و"الفقهاء" يعيشون وسط المغاربة، في "عصر الفايسبوك"، فهل يحق للمغاربة أن يستعيضوا عن البلغة وعن الجامع في المثل السائر، ليقولوا "الفقيه اللي كنا نترجاو براكتو، ادخل لعالم التكنولوجيا بتعقيداتو"؟