مراقبة الأطفال من طرف الآباء وهم يختارون المواقع عبر الإنترنيت، مسألة ضرورية، فالإنترنت يعتبر، حسب المتخصصين في المجال التكنولوجي، لغة العصر، التي لا يمكن الاستغناء عنها إذ أصبح الكل مجبرا على تعلم أبجدياتها، فالإنترنيت قرب المسافات وسهل الاتصال مع الأهل والأصدقاء، سيما المغتربين عن أرض الوطن، ومكن الأقارب من الاتصال بأقاربهم، ورأيتهم والتحدث معهم مباشرة، كما ساهم بشكل جيد في تطوير الخدمات التجارية والصناعية وعلاقات الشركات، ومتابعة المستجدات والابتكارات في أرجاء العالم. يقول إبراهيم حمداوي أستاذ علم الاجتماع بكلية الآداب بتطوان، "يمكن أن نلاحظ مفارقة غريبة بين الطفل وأسرته، لدرجة أننا نتحدث عن شرخ وهوة كبيرين، أي بين الطفل وطموحاته وإمكاناته وبين أسرته، إذ نجد الأسر لا تتقن استعمال هذه التقنيات، عكس الأطفال الذين يحسنون هذه التقنية، إذ يمكن أن نطلق عليهم الجيل الرقمي بامتياز، هذا التفوق، وهذا التجاوز، الذي يكون للأطفال على آبائهم وأسرهم في مجال التواصل عبر الشبكات العنكبوتية، ما يجعل من المتعذر تتبع الأطفال من طرف الآباء، خصوصا أنه لا يمكن أن نراقب الطفل في مجال لا نملك آليات التحكم فيه أو السيطرة عليه". لكن إلى أي مدى ساهمت هذه التكنولوجيا الحديثة في تحفيز الشباب على توسيع قدراتهم العملية والمعرفية، عبر السباحة في مواقعها الغنية بالمعلومات، واستغلالها لتحسين مستوياتهم، إلى جانب المعلومات التي يكتسبونها في المعاهد والجامعات، أم أنها تعتبر وسيلة من وسائل التسلية ومضيعة للوقت عبر "الشات"، والتحدث مع الآخرين في مواضيع فارغة، أو عبر الإبحار في مواقع خطيرة، سيما بالنسبة للأطفال، الذين تعج بهم مقاهي الإنترنيت بعيدا عن أعين آبائهم". "المغربية" حاولت أن تتقرب من مستعملي الإنترنت، لكي تستشف آراءهم حول مزايا ومساوئ الشبكة العنكبوتية. حسب إبراهيم حمداوي، أستاذ علم الاجتماع بكلية الآداب بتطوان، حول استعمال الشبكة العنكبوتية من طرف الأطفال، في تصريح ل"المغربية"، فإن "الحديث عن تربية الطفل في الوسط المغربي، حديث ذو شجون، تحدث فيه علماء النفس، والاجتماع ، والتربية، والسياسة والاقتصاد، ويمكن القول إنه في السنوات الأخيرة، عرف المجتمع المغربي، تطورا كبيرا، وقفزة نوعية، خصوصا في تطور خرائط التنشئة الاجتماعية، فالأسرة عرفت تغيرا من الأسرة الممتدة للأسرة النووية، والمدرسة كذلك تحولت من مدرسة عمومية لمدرسة خاصة، بألوانها ومناهجها المختلفة، وكذلك الإعلام تطورا كبيرا. بعدما كنا أمام قناة تلفزية واحدة، هي التلفزة الوطنية، أصبحنا أمام عالم مفتوح من القنوات، على اختلاف توجهاتها الفنية، والسياسية، هذا بالإضافة إلى انفتاح الطفل المغربي، بشكل خاص،على التقنيات الجديدة للإعلام والتواصل، خصوصا الشبكة العنكبوتية. وفي هذا الصدد، يمكن أن نلاحظ مفارقة غريبة بين الطفل وأسرته، لدرجة أننا نتحدث عن شرخ وهوة كبيرين، أي بين الطفل وطموحاته وإمكاناته وبين أسرته، إذ نجد الأسر لا تتقن استعمال هذه التقنيات، عكس الأطفال الذين يحسنون هذه التقنية، إذ يمكن أن نطلق عليهم الجيل الرقمي بامتياز، هذا التفوق، وهذا التجاوز، الذي يكون للأطفال على آبائهم وأسرهم في مجال التواصل عبر الشبكات العنكبوتية، ما يجعل من المتعذر تتبع الأطفال من طرف الآباء، خصوصا أنه لا يمكن أن نراقب الطفل في مجال لا نملك آليات التحكم فيه أو السيطرة عليه،مضيفا، أن تمدرس الطفل اليوم أصبح مرتبطا بهذه التقنيات، التي في الغالب تعتبر إيجابياتها كثيرة على هذه الشريحة الصغيرة، إذ تتيح لهم إمكانية الانفتاح على عوالم أخرى، وثقافات متنوعة، واستفادة تكون كبيرة، إذا ما جرى توجه الطفل للإبحار في المواقع التي يمكن أن يستفيد منها،علميا، وتربويا وأكاديميا. في حالة إذا ما استغل الطفل هذه الشبكات العنكبوتية في مواقع غير صالحة، أو إذا ما تواصل مع جهات أخرى لا نعلم ثقافتها، واتجاهاتها،أو دينها، فإن ذلك قد تكون مقدمة لانحرافه، ونوعا من الاختراقات لأطفالنا داخل الأسرة"، يؤكد الأستاذ الجامعي إن "لم نحسن استعمال الشبكات العنكبوتية من طرف أطفالنا، فسنكون أمام كارثة حقيقية، وبالتالي يجب أن نوجه الأطفال توجيها صحيحا، ومن حق الآباء أن يعرفوا مع من يتواصل أطفالهم، وأن تكون الجهة التي يتواصل معها أمنية وصادقة، مشددا "على عدم ترك أو إهمال الطفل، وهو يتحدث ساعات طويلة أثناء النهار والليل، مع جهات لا يعرفها الآباء، لأن هذا يتنافى مع التوجهات التربوية، ويمكن أن يصل الطفل إلى أشياء غير محمودة، وتكون النتائج وخيمة على الطفل وأسرته وعلى المجتمع ككل". عن إيجابيات وسلبيات الإنترنيت، قال "رشيد، م"، أستاذ المعلوميات في إحدى فضاءات الشباب، بمنطقة "اسباتة"، ل"المغربية"، إن "الحديث عن الإنترنت موضوع شاسع، ولا يمكن إيجازه في سطور، فهو يعتبر تقنية جديدة لكسب المعلومات، فبرامجه مختلفة، ومعلوماته شاسعة ومتنوعة، حسب تنوع المدمنين عليه، الذين تتباين أعمارهم، فمن الأطفال الصغار إلى الكهول، الكل يمكنه أن يجد فيه ضالته" وأضاف أنه " إلى جانب هذه المزايا، فإن الإنترنت لا يخلو من مساوئ، سيما بالنسبة للقاصرين والأطفال الصغار، الذين لابد من مراقبتهم من طرف آبائهم وأولياء أمورهم، عند استعمالهم للإنترنت، إلى جانب مساعدتهم في إنجاز بحوثهم وتمارينهم، التي يعتمدون فيها على هذه التقنية الحديثة، والإشراف عليهم في اختيار المواقع الإلكترونية التي تناسب مستواهم وسنهم، وتعليمهم كيفية الاستفادة منها، وكيفية جمع المعلومات، التي يمكن أن تساعدهم في كتابة البحوث والواجبات المدرسية، بدل أن يطلبوا من أصحاب محلات الإنترنيت إنجازها، دون أن يكلفوا أنفسهم عناء قراءة هذه البحوث، وبدل ان يشرفوا بأنفسهم على إنجازها، يقضون أغلب الوقت في البحث في مواقع "الرسوم الكارطونية" والألعاب، حتى في أيام العطل الأسبوعية أو العطل المدرسية، التي تعتبر مناسبة كي يتعلم الأطفال تقنيات البحث في الإنترنت حتى لا يجدوا مشاكل في استعمال هذه التقنية في الأيام الدراسية العادية". وشدد على أنه " لا يمكن للطلاب والتلاميذ الاعتماد على الإنترنيت كليا كوسيلة من وسائل التثقيف والتكوين، لأن ذلك سيثنيهم عن البحث عن المعلومات في الكتب، التي تعج بها رفوف المكتبات، لأن الكتاب يبقى وسيظل أنيس الوحدة، والمزود بأكبر كمية من المعلومات"، مشددا على ضرورة مراقبة الآباء الذين يتوفرون على أجهزة كومبيوتر لأبنائهم، خاصة المدمنين على استعمال الإنترنت في الساعات المتأخرة من الليل، حتى لا يسهروا، وحتى لا يجدوا راحتهم في الإبحار عبر المواقع المختلفة، أو التنصل من إنجاز تمارينهم المدرسية، منبها الآباء، أيضا، لعدم الإسراف في استخدام الإنترنت، كي لا يقلدهم أطفالهم، بل يجب أن يكونوا بالقرب من أطفالهم ويحثونهم على استعمال المواقع التثقيفية، التي تواكب دروسهم ومستواهم الدراسي". وصرح موسى موح (36 سنة )، مشرف على محل للإنترنت، يقصده المدمنون على استعمال الإنترنيت طيلة النهار، ل"المغربية"، أن "الكل أصبح يعتمد على الإنترنت في استعمالات شتى، ومن خلال تجربته، فإن لكل شخص غايته من استعمال الإنترنت، فهناك العاطلون، الذين يعتمدونه كوسيلة للبحث عن عمل يناسب مستوياتهم وشهاداتهم، إذ يختار هؤلاء المواقع، التي تحدد حيزا للإعلان عن وظائف شاغرة، وكم من شخص حصل على شغل من خلال البحث في التقنية الجديدة، وهناك من يستعين بالإنترنيت، للبحث عن بعض المعلومات، التي يمكن أن تساعده في دراسته، بالإضافة إلى الشباب، الذين يدمنون على مواقع "الشات"، التي تسهل إمكانية التحدث مع أشخاص في جميع أنحاء العالم، قصد الزواج من أجانب وبالتالي تسهيل إمكانية انتقالهم للضفة الأخرى، ومنهم من يفلح في ذلك ومنهم من يخيب أمله، فيعاود المحاولة مع شخص آخر، وهكذا يقضي العديد من الأشخاص يومهم في التحدث والدردشة". بالنسبة للأطفال، الذين يزورون محله، يقول المشرف على "السيبير"، القريب من إعدادية وثانوية وادي الذهب بمنطقة جميلة الخامسة بالدار البيضاء، " يزور محله يوميا العديد من التلاميذ، في الغالب يأتون من أجل الدردشة مع أصدقائهم، والقليل جدا منهم من يأتي من أجل انجاز بعض البحوث، التي يطلبها منهم أساتذتهم، بينما آخرون يطلبون منه أن يقوم بمهمة البحث، وينشغلون هم في التحدث في ما بينهم، ولا يكلفون أنفسهم القيام بالبحث والاستفادة من الإبحار في مختلف المواقع الغنية بالمعلومات، التي يمكن أن توظف في بحوثهم". يؤكد موسى على "مدى خطورة بعض المواقع على الأطفال الصغار والقاصرين، كمواقع "الشات" التي يزورها هؤلاء الصغار، فهم لا يعرفون مع من يتكلمون فيدلون بجميع معلوماتهم دون تردد، مما يتسبب لهم في بعض المشاكل، إلى جانب إدمانهم على زيارة مواقع الألعاب الإلكترونية، التي تزرع فيهم نزعة العنف والتطرف والعدوانية، والمواقع التي لا تتناسب مع قيمنا وثقافتنا العربية الإسلامية. لابد من توجيه الأطفال ومساعدتهم على اختيار المواقع، التي يمكنهم الاستفادة منها، كمواقع تعلم اللغات، أو مواقع ألعاب الشطرنج التي تنمي الذكاء، مشيرا إلى أن " بعض الآباء يأتون بأطفالهم لمحله ويتركونهم لمدة ساعة أو ساعتين، ويذهبون لقضاء بعض الأغراض، غير مهتمين بهم، ولا بالمواقع التي يمكن أن يزورونها غير مواقع ألعاب الفيديو على الإنترنت، وكأنهم يتركونهم في روض للأطفال، ويتولى هو مسألة مراقبة المواقع التي يبحر فيها أطفالهم". الإنترنت جعل من العالم قرية صغيرة، وقرب المسافات، وفسح إمكانية الانفتاح على عوالم مختلفة، بل حتى الاتصال بها والتعرف عليها دون قيود أو تأشيرات، ويشير موسى إلى أن محله "يقصده حتى النساء والرجال، الذين لا يتوفرون على جهاز الانترنيت ببيوتهم، قصد التحدث ورؤية أبنائهم، الذين يقطنون في دول نائية، مباشرة، والذين لم تسعفهم الظروف لقضاء بعض الأوقات معهم، لبعد المسافة، ولانشغالاتهم، إلا أن الإنترنت أتاح لهم هذه الإمكانية، حيث كانوا في السابق يعتمدون في الاتصال معهم على الرسائل التي كان يتطلب وصولها لأيدي أصحابها وقتا طويلا، أو الاتصال بهم عبر الهاتف، الذي كان ثمنه مرتفعا جدا، لكن الإنترنت أصبح يوفر لهم إمكانية التحدث ورؤية أفراد عائلاتهم مباشرة، بأقل تكلفة وكأنهم قريبين منهم، أو معهم في المكان نفسه".