بعد ديوانه الأول "أعلنت عليكم هذا الندير"، الذي أصدره سنة 2009، يعود الشاعر المغربي حسن مزهار، ليطالع محبي القريض بديوان ثان يحمل اسم "حين ينبت الأطفال" وصدر هذا الديوان للشاعر حسن مزهار، أخيرا، عن دار الإصدارات العربية الحديثة، وزين غلافه بلوحة تشكيلية، هي هدية خاصة بالديوان من الفنانة نجاة خطيب. دشن الشاعر ديوانه، الذي يضم 25 قصيدة، بمقولة "إن أعذب الشعر أصدقه وأصدق الشعر ما جعل السمع بصرا"، وكأنه يشهر التزامه لقرائه بأن قصائده صادقة، وأنها من هذا الصدق تستمد عذوبتها، وتجعل المتلقي وكأنه أمام لوحة ناطقة بعبارات شاعرية عذبة. عنوان الديوان "حين ينبت الأطفال" تحمله إحدى القصائد، التي تتحدث عن الأطفال ضحايا الحروب، وهي القصيدة، التي تذكرنا بأغنية مارسيل خليفة "الطيارة"، التي تصور طفلا صغيرا كان يبحث عن "خيطان"، يساعد به طيارته الورقية على التحليق، ففاجأته طيارة ضخمة أجنحتها أكبر من بيت الجيران، كما تردد الأغنية. في قصيدة "حين ينبت الأطفال"، يستبدل الشاعر الطيارة الورقية في أغنية مارسيل خليفة، بكرات مطاطية ملونة، وأخرى صنعها الأطفال، الذين يخوضون في اللعب الطفولي الجميل، من الجوارب، التي ملأوها بالقش والقماش. في أغنية مارسيل "طارت الحدود"، وفي قصيدة مزهار "عبست السماء..كتمت ضحكتها طائرات سوداء.. وتهاطلت القنابل .. في جنون وسعار .. فوق باحة الدار". في قصائد مزهار، التي تضمنها هذا الديوان، يحضر الوطن بقوة، ففي قصيدة عنونها ب"أنشودة القمر"، ينشد مزهار "يغيب القمر.. يجيء القمر.. تباعدني الأرصفة.. أرنو إلى أعلى.. أسراب تستعجل الرحيل كالأسهم.. نحو الجنوب.. كلها بلادي.. من البحر تمتد إلى الصحراء.. ومن الصحراء إلى قلبي.. كلها بلادي"، ويعود في قصيدة أخرى أسماها الشاعر "عشرية العشق" ليقول "قطرة حبر.. تلبس الأحمر دما.. تشكل رقعة بلا حدود.. أسميها الوطن". وكما في ديوانه الأول "أعلنت عليكم هذا الندير"، تحضر مدينة مراكش في ديوانه الثاني "حين ينبت الأطفال"، وكأن مزهار يحرص على تذكيرنا بأصوله المراكشية، ففي قصيدته "سفريات في الزمن الآتي"، يقول الشاعر "أسافر في ظل هواك مستجيرا.. جاحدا كل هوى.. كان قبل الولادة..أعانق فيك ريحا.. تحملني إلى حيث أعراس.."، ويواصل مخاطبا معشوقته مراكش "داعرة كالبيضاء أنت.. فدعيني أغتسل منك.. في حضن المنارة.. ودعيني أتلمس لهذا الجاحد/ المعاند.. طريقا من القصور إلى المواسين.. ومن رياض الزيتون إلى.. باب أغمات" ويواصل تغنيه مستحضرا بعض المعالم المراكشية "املئي قلبي بردا وسلاما.. وماء.. وأعلني ملء جامع الفنا.. أن حبك لي .. اشتهاء ونبوة.. وخلود وكبرياء". تاء التأنيث الساكنة، تؤثث قصائد مزهار، ليوحي للقارئ أنه يخاطب المحبوبة، لكن معشوقته تتلون من قصيدة إلى أخرى، ناسجة خيوطا تلهب الخيال، وتجعله يهيم في صور شعرية تجعل السمع بصرا.