يخلد الشعب المغربي، وفي طليعته أسرة المقاومة وأعضاء جيش التحرير، اليوم السبت، الذكرى 64 لرحلة الوحدة التاريخية، التي قام بها بطل التحرير جلالة المغفور له محمد الخامس إلى مدينة طنجة سنة 1947، والذكرى 55 للزيارة، التي قام بها إلى مدينة تطوان سنة 1956، معلنا استقلال منطقة الشمال وتحقيق الوحدة. وجاءت الزيارة الملكية إلى طنجة في الوقت المناسب، وشكلت منعطفا في مسيرة النضال الوطني من أجل الاستقلال، وفصلا متميزا بين عهد الصراع بين القصر، والإقامة العامة، والنضال السياسي لرجال الحركة الوطنية، وعهد الجهر بالمطالبة بحق المغرب في الاستقلال أمام المحافل الدولية، وإسماع صوت المغرب في الخارج، والعالم، آنذاك، بصدد طي مرحلة التوسع الاستعماري، والدخول في طور تحرير وتقرير مصيرها. ما إن علمت سلطات الحماية برغبة جلالته حتى عمدت إلى محاولة إفشال مخطط الرحلة الملكية وزرع العراقيل، لكنها لم تنجح في ذلك، إذ جاء رد جلالته على مبعوث هذه السلطات قائلا "لا مجال مطلقا للرجوع عن مبدأ هذه الرحلة". وارتكبت سلطات الاستعمار مجزرة شنيعة بمدينة الدارالبيضاء، يوم 7 أبريل1947، ذهب ضحيتها مئات المواطنين الأبرياء. وسارع جلالة المغفور له إلى زيارة عائلات الضحايا ومواساتها، وعبر لها عن تضامنه إثر هذه الجريمة النكراء. فطن جلالة المغفور له محمد الخامس طيب الله ثراه إلى مؤامرات ودسائس الاستعمار، التي حاولت الحيلولة دون تواصل جلالته مع رعاياه بطنجة، وتوجه جلالته يوم 9 أبريل من مدينة الرباط إلى طنجة، عبر القطار مرورا بمدينتي سوق الأربعاء والقصر الكبير فأصيلا، التي خصص بها سمو الأمير مولاي الحسن بن المهدي استقبالا حماسيا لجلالته، ثم طنجة، التي خصص سكانها استقبالا حارا لجلالته جددوا من خلاله تمسكهم وتفانيهم في الإخلاص لثوابت الأمة، ومقدساتها، واستعدادهم للدفاع عن كرامة البلاد وعزتها. الخطاب التاريخي الذي ألقاه العاهل الكريم في فناء حدائق المندوبية، بحضور ممثلين عن الدول الأجنبية، وهيئة إدارة المنطقة، وشخصيات أخرى مغربية وأجنبية، جاء ليعلن للعالم عن إرادة الأمة وحقها المشروع في الاستقلال ووحدة التراب، إذ قال جلالته في هذا الصدد "إذا كان ضياع الحق في سكوت أهله عليه فما ضاع حق من ورائه طالب، وإن حق الأمة المغربية لا يضيع ولن يضيع..". كما أكد جلالته، من خلال خطابه نظرته الصائبة وطموحاته النبيلة نحو مستقبل المغرب، إذ قال جلالته في هذا الخصوص "نحن بعون الله وفضله على حفظ كيان البلاد ساهرون، ولضمان مستقبلها المجيد عاملون، ولتحقيق تلك الأمنية، التي تنعش قلب كل مغربي سائرون..". خطاب جلالة الملك محمد الخامس كان رسالة واضحة المعالم والمضامين لأصحاب المطامع الاستعمارية، إذ أوضح رحمه الله أن عرش المغرب يقوم على وحدة البلاد، من شمال المغرب إلى أقصى جنوبه، وأن مرحلة الحماية ما هي إلا مرحلة عابرة في تاريخ المغرب، والتي شكلت في حد ذاتها حافزا رئيسيا لوعي المغاربة بأهمية الموقع الجغرافي الذي يحتله المغرب. ولاختيار مدينة طنجة دلالات كبيرة، خصها جلالة المغفور له بقوله "نزور عاصمة طنجة، التي نعدها في المغرب بمنزلة التاج من المفرق، فهي باب تجارته ومحور سياسته.."، وإضافة إلى ذلك كان لهذه الزيارة جانب روحي، إذ ألقى أمير المؤمنين جلالة المغفور له محمد الخامس، يوم 11 أبريل، خطبة الجمعة وأم المؤمنين بالصلاة في المسجد الأعظم بطنجة، وحث الأمة المغربية على التمسك برابطة الدين، فهي الحصن الحصين لأمتنا ضد مطامع الغزاة، لذلك نجد أن الرحلة الملكية إلى طنجة كان لها وقع بمثابة الصدمة بالنسبة إلى سلطات الحماية، وأربكت حساباتها، فأقدمت على الفور على عزل المقيم العام الفرنسي ايريك لابون، ليحل محله الجنرال جوان، الذي بدا حملته المسعورة على المغرب، وتضييق الخناق على القصر الملكي، وتنفيذ مؤامرة النفي. وجاءت زيارة جلالته لمدينة تطوان في التاسع من أبريل سنة 1956، ليزف منها بشرى استقلال الأقاليم الشمالية، وتوحيد شمال المملكة بجنوبها، وكان جلالته قادما من إسبانيا، بعد أن أجرى مع القادة الإسبان مفاوضات تهم استكمال الوحدة الترابية للمملكة، والتي توجت بالتوقيع على معاهدة 7 أبريل 1956، المعاهدة التي تعترف بموجبها دولة إسبانيا باستقلال المغرب، وسيادتها الكاملة على كافة أجزائه. ألقى جلالة المغفور له خطابا تاريخيا وسط ما يفوق 200 ألف مواطن من سكان مدينة تطوان، استهله بقوله "بالأمس عدنا من ديار فرنسا، ووجهتنا عاصمة مملكتنا رباط الفتح، لنزف منها إلى رعايانا بشائر الاستقلال، واليوم نعود من رحلتنا من الديار الإسبانية ووجهتنا تطوان قاعدة نواحي مملكتنا في الشمال وتحت سماء هذه المدينة قصدنا أن يرن صوت الإعلان بوحدة التراب إلى رعايانا في جميع أنحاء المملكة، رمزا إلى تتميم هذه الوحدة وتثبيتها في الحال".