كلما حلت ذكرى عيد الأم، يوم 21 مارس من كل سنة، تسابقت المحطات الإذاعية العربية إلى بث أغان بالمناسبة، لعل أشهرها أغنية "ست الحبايب" التي كتب كلماتها الشاعر المصري حسين السيد، ولحنها الموسيقار محمد عبد الوهاب، وغنتها الراحلة فايزة أحمد. وفي آخر استطلاع، أجراه موقع "الفن أونلاين" حول أغاني عيد الأم تربعت "ست الحبايب" على عرش كل الأغاني التي تغنت بالأم، منذ 21 مارس سنة 1956، السنة التي احتفل بها العرب بأول عيد للأم. وشمل الاستطلاع 1405 أفرادا اختار منهم 1160 "ست الحبايب"، واختار 114 منهم أغنية "ماما يا حلوة" للمطربة شادية، في حين اختار 69 فرد فقط أغنية "انتي يا أمي" للمطرب محمد فوزي. ولتسليط الضوء على هذه الأغنية، التي أجمع النقاد على أنها من الأغاني، التي لم ولن تتكرر، وستظل تتربع على قائمة الأغاني التي قدمت في عيد الأم، رغم مرور 50 سنة على إذاعتها، لأنها تحمل كلمات وألحانا تمس قلوب ومشاعر المستمعين، ونادرا ما نجد مثل هذه النوعية من الأغاني، نورد القصة الكاملة التي كانت وراء كتابة وألحان وغناء "ست الحبايب" التي أداها سنة 1965، أيضا، المطرب المغربي عبد الهادي بلخياط، في حضرة الملك الراحل الحسن الثاني، بوجود فايزة وعبد الوهاب الذي لم يتمالك نفسه وهو يردد "هو ده الغنا اللي على أصوله يا فايزة". في بداية الستينيات من القرن الماضي، ذهب الشاعر الغنائي الراحل حسين السيد (1921 - 1983) في زيارة إلى أمه التركية الأصل، في ليلة عيد الأم، وكانت تسكن في الطابق السادس من إحدى عمارات القاهرة، وبعدما صعد السلم ووصل شقة والدته، اكتشف أنه نسي شراء هدية لأمه، وكان من الصعب عليه نزول السلم مرة أخرى، خصوصا أن المصعد كان معطلا، فوقف على باب الشقة وأخرج من جيبه قلما وورقة، وبدأ يكتب، "ست الحبايب يا حبيبة يا أغلى من روحي ودمي"، فكانت لحظة ميلاد الأغنية التي استغرقت كتابتها خمس دقائق فقط. بعد انتهائه من الكتابة، طرق شاعرنا باب الشقة وفتحت له والدته وبدأ يسمعها كلمات الأغنية، ووعدها بشكل عفوي بأنها سوف تسمعها في اليوم التالي على أمواج الإذاعة المصرية، بصوت غنائي جميل دون أن يعرف كيف سيفي بوعده. أمام هذا المأزق اتصل السيد على الفور بالموسيقار محمد عبد الوهاب، وشرح له الأمر، وتلا عليه كلمات الأغنية على الهاتف، فأعجب بها عبد الوهاب، وقرر تلحينها لإهدائها إلى أمه وكل الأمهات في مصر والعالم العربي، فلم يستغرق اللحن منه عشر دقائق، ثم اتصل بالمطربة فايزة أحمد، التي اشتهرت بأغان عن الأب "حمال الأسية"، والأخ "يا غالي عليا ياحبيبي ياخويا"، وأسمعها الأغنية وتدربت عليها وحفظتها في اليوم نفسه، وفي صباح اليوم التالي 21 مارس ذكرى عيد الأم غناها محمد عبد الوهاب على العود فقط، ومع نهاية اليوم كانت فايزة أحمد غنتها في الإذاعة، وبذلك وفى السيد بوعده لأمه، ووصلت فايزة أحمد إلى القمة، وحقق محمد عبد الوهاب أمنيته وأمنية العرب، الذين ظلوا يطلبون الأغنية هدية لأمهاتهم على مدى أزيد من 50 سنة، على مختلف المحطات الإذاعية العربية.