أعلنت الأمانة العامة لجائزة الشيخ زايد للكتاب، أخيرا، عن فوز الناقد المغربي محمد مفتاح، بجائزة الشيخ زايد للكتاب في فرع الآداب في دورتها الخامسة للجائزة لعام 2010-2011 ، عن كتابه "مفاهيم موسعة لنظرية شعرية (اللغة، الموسيقى، الحركة)". وقررت لجنة التحكيم منح الجائزة، التي تبلغ قيمتها 750 ألف درهم إماراتي، لمفتاح، حسب بلاغ للأمانة العامة لجائزة الشيخ زايد للكتاب، لأن كتاب مفتاح "دراسة موسوعية جمع فيها المؤلف بين الوصف والتحليل والاستنباط، بمنهج علمي دقيق، استند فيه المؤلف إلى مقومات العلوم الصحيحة والعلوم اللسانية وعلم النفس وعلم الموسيقى، وهو جهد يسعى به صاحبه إلى صياغة نواة مركزية لنظرية مستقلة في الشعر يربطها بتفسير الظواهر في الكون". وفي تقديمه للكتاب، أكد محمد مفتاح، أنه حدد في هذا الإصدار الجديد "الإطار" المتمثل في "العلوم المعرفية وبعده الفلسفي الفيتاغوري"، مشيرا إلى أن عالما كبيرا مثل ابن الخطيب صنف علم الموسيقى مباشرة بعد علم الوجود. وقال مفتاح إن "العلوم العصبية"، التي استند إليها في البحث، هي أهم فرع في العلوم المعرفية، التي تهيمن عليها الموسيقى والآداب، فالموسيقى تؤطر الدماغ البشري، وتعد جزءا من العالم، والإنسان جزء من هذا العالم، موضحا أنه اعتمد في كتابه، الذي يضم ثلاثة أجزاء، هي "مبادئ ومسارات"، و"نظريات وأنساق" و"أنغام ورموز"، "على تصورات ونظريات ومناهج مستقاة من العلوم المعرفية، بما تحتوي عليه من علم الأعصاب، وعلم تحصيل المعرفة، وتدبيرها، وعلم النفس، واللسانيات، وفلسفة الذهن. وحول القيمة العلمية للكتاب، أجمع عدد من المثقفين المغاربة على أن الإصدار الجديد للباحث محمد مفتاح، فضلا عن كونه استكمالا لمنجزه النقدي، الذي استهله بمؤلف "سيمياء الشعر القديم"، فتح يؤسس لنظرية شعرية تقوم على الموسيقى والحركة. ولم يختلفوا، في لقاء نظمه المكتب التنفيذي لاتحاد كتاب المغرب، أخيرا، بتنسيق مع المكتبة الوطنية للمملكة المغربية بالرباط، في أن محمد مفتاح وظف "من جديد وكعادته الأدوات المعرفية والمنهجية التي تضمنتها مؤلفاته السابقة، فجاء مؤلفه الأخير على شكل مشتل كبير للأفكار الجديدة والمقاربات المتقدمة في مقاربة الشعر والثقافة الكونية بصفة عامة". وسجل الناقد أحمد بوحسن أن المؤلف ينحت مفهوم "البويسيقا"، فكان هذا من مقصديات الكتاب، أي صناعة "نظرية شعرية" موسعة تمتد لتشمل الحركة والموسيقى، اعتمد فيها على"عدة نظريات وقواعد اختبرها في مواقف نصية حتى أصبحت قابلة للاشتغال". وأضاف بوحسن أن مفتاح انفتح على أهم علم في العصر الحديث، وهو علم الأعصاب والدماغ، لولوج باحات شعرية لم تكن مدركة من قبل، فدرس الشعر في "بعده الحركي وأرجعه إلى أصوله الفطرية". ونحى الباحث محمد المصباحي منحى آخر، فبعد مدخل موجز تطرق فيه إلى أن هذا العصر "عصر النهايات ..نهاية التاريخ...نهاية الشعر"، وبعدما أشار إلى أن العصر الحديث هو "عصر الموسيقى - اللاموسيقى، والشعر اللاشعر .."، قال إن منجز محمد مفتاح يذكره بالفيلم الشهير "تيتانيك"، الذي تعزف فيه أرقى المعزوفات الموسيقية غير عابئة بغرق السفينة. وأوضح المصباحي أن "مفاهيم موسعة لنظرية شعرية..."أعلن غرق بحور الفراهيدي بعد أن اصطدمت بجبل الحداثة الجليدي، وتفتيتها إلى عدد لا متناهي من الأنهار والسواقي، حتى إن هذا البحث، في نظره، "يعمم الموسيقى على كل شيء في الوجود ..وهي المفارقة الكبرى فيه". فكان القصد من "مفاهيم موسعة لنظرية شعرية" هو صنع "آلة جديدة لشعر جديد له موسيقى جديدة"، يقول المصباحي، من خلال طرح العلاقة بين الموسيقى والحركة، وعلاقة العروض بالموسيقى، وعلم الموسيقى بالشعر، مستخلصا، أن المنجز النقدي لمفتاح يحمل رسائل مهمة، منها أن "العروض وبحوره ليس صنما"، وأن الموسيقى حق كالحرية. وعن المنطلقات الفلسفية لمحمد مفتاح، يقول الباحث بناصر البعزاتي إن أصحاب المذهب الفيتاغوري، الذي اعتمد عليه مفتاح، يذهبون إلى أن "الكون نظام يتحكم فيه العدد والنغم"، لذلك ألح مفتاح على دور الموسيقى وأثرها على الإنسان، ليخلص إلى أن "أثر الموسيقى، على الإنسان أقدم من أثر الخطاب (اللغة)". أما الناقد محمد الداهي، فتحدث عن آفاق فتحها هذا المؤلف الذي وسع من نطاق السيميائيات، لتصبح نظرية متجددة، ولتكون في خدمة الخطاب الشعري، هذا الكتاب، يقول الداهي، فتح نطاقا بيداغوجيا عند إشارته إلى محدودية بحور الخليل بتفريعاتها العقيمة، ومن خلال دعوته لإدراج حصص الموسيقى ومعلومات عن علم الأعصاب والتشريح وعلاقتها بالموسيقى ضمن المقررات الدراسية. بدوره، ذهب الناقد أنور المرتجي بعيدا في البحث عن "النص الغائب" في هذا الإصدار، الذي يفاجئ القارئ الجاد، قائلا إن مفتاح "لا يخلف الموعد مع الاجتهاد النظري"، إذ ولج منطقة جديدة في الشعر هي "الحركة التي تحاكي بالموسيقى وباللغة، أو بهما معا"، وهكذا يكون الشعر مرتبطا ارتباطا وثيقا بالحركة. وفي سياقي "الحركة والجسد"، قال الباحث، علي أيت أوشن، إن مقاربة مفتاح للشعر تتأسس على الجسد البشري، بقصد استدراك "التقصير" الحاصل في دراساته السابقة، باقتراحه في "مفاهيم موسعة لنظرية شعرية..." لإطار نظري ومنهجي وفلسفي للشعر (علم وظائف الأعضاء).