كثيرا ما نجد الزوجة تشكو غياب زوجها طيلة النهار، سواء للعمل لساعات طويلة، أو تفضيله الجلوس في المقهى مع الأصدقاء، أو متحججا بحجة أو بأخرى، على تحمل مسؤولية البيت وبقائه معها، أو مع الأولاد. لكن، ماذا لو حصل العكس، وأصبح هذا الزوج، متقاعدا وبلا عمل، وفضل البقاء لأكبر وقت ممكن في البيت، هل سوف تقبل الزوجة بهذا الوضع؟ وهل سترضى بوضعيته الجديدة، ومكوثه في البيت مراقبا تحركاتها وتصرفاتها؟ وهل وجوده والرغبة التي كانت تجتاحها من قبل في بقائه ستزيل عقدة غيابه عن البيت وتحل المشكلة؟ الأمر يبدو بعيدا عن التصديق، لأن الزوج المتقاعد، وبعد مدة طويلة في العمل، يجد نفسه دخل إلى عالم مليء بالفراغ. فراغ سيعوضه بتدخلاته في الأمور المنزلية، وهذا ما تؤكده بعض الشهادات، التي جاءت على لسان أغلبية الزوجات وقلن أنهن لا يقبلن بهذا الوضع، مع إبراز بعض الهموم التي سوف تعانيها الزوجة إذا تقاعد الزوج، لأن الرجل المتقاعد، من وجهة نظرها، هو مشكلة في حد ذاتها، لأن جلوسه في البيت طيلة النهار، سينتج عنه مشاكل وخلافات زوجية، بسبب الفراغ الذي يعيشه المتقاعد، ويشغل وقته في مراقبة الزوجة، وتدخله في أمور البيت بعدما كانت الزوجة، في وقت مضى، تعتبر خروج الزوج إلى العمل متنفسا لها، تجد نفسها بين عشية وضحاها، سجينة مع وقف التنفيذ، مقيدة بنظام جديد، أو حبيسة أوامر جديدة، ناهيك عن زيادة الخلافات، التي تكاد تكون يومية، بسبب تدخلاته، في كل صغيرة وكبيرة، مع إعطاء الأوامر، ومراقبة الأولاد في جميع تحركاتهم، لأنه، بعد سنين طويلة من العمل، يكتشف في آخر المطاف، أنه يعيش فراغا كبيرا يحاول ملأه بفرض سلطته على أصحاب البيت. وهذا ما يجعل بعض الزوجات تمتعضن حين يقبع زوجها في البيت عند تقاعده، لأن تصرفاته لا تحتمل، وطلباته لا تنقضي، وتكثر ملاحظاته وانتقاداته لكل شيء. وتصرح أمينة أنها تعاني كثيرا من هذه الوضعية التي أصبحت تخلق لها متاعب كثيرة، "فعندما تقاعد زوجي، تغير نظام البيت، فأصبح يطرح قواعد جديدة تلاءم وضعيته الجديدة، ويضايقني بملاحظاته التي لا تنتهي، ما جعلني أضيق ذرعا، وأتمنى لو يخرج إلى المقهى، كما كان من قبل، بدلا من أن يظل يراقبني، ويحصي أنفاسي وكلماتي، التي لم تعد تروق له". من جانبها، قالت فاطمة في تصريح ل"المغربية" : "لما أحيل زوجي على التقاعد، أصبحت الحياة مملة عكس السابق، إذ بدأت الخلافات تستمر بيننا لأتفه الأسباب، وأصبح كثير الملاحظات، حتى كلامي مع الأولاد لا يخلو من ملاحظات، وطريقة لباسي، أيضا، يتدخل فيها"، وتضيف ساخرة " أكثر من ذلك، بدأ يهتم بالمؤونة التي نجلبها إلى البيت، ويحصيها، لا لشيء سوى رغبة في إثارة غضبي واستفزازي، حتى يركب على رد فعلي، ويتهمني أني لم اعد أطيقه لأنه بدون عمل. لقد أصبح عصبيا جدا، يغضب لأتفه الأسباب، حتى طبخي لم يعد يعجبه، لهذا وددت لو بقي يشتغل وإن كنت أتفهم وضعه الجديد". أما فتيحة، فهي تروي معاناتها مع زوجها المتقاعد، وتقول إن: "حالة زوجي بعد التقاعد أصبحت كئيبة، وأصبح عصبيا لدرجة أنا وأبناؤه نواجه خلافات مستمرة معه بسبب عصبيته، وشغله الشاغل هو التدخل في حياتنا، ويغضب أولاده دون سبب، ولا يخرج من البيت إلا نادرا، وأغلب أوقاته يقضيها أمام التلفاز، دون أن يتوقف على "النكير". فعلا، لقد تحولت حياتنا إلى جحيم، وأصبحنا نعيش في توتر دائم. أنا أفضله أن يعمل على أن يكون متقاعدا". وتشاطرها الرأي زهرة، وهي أيضا متقاعدة، وأكدت، في حديث إلى "المغربية"، أن "بعد إحالة زوجي على التقاعد تغير طبعه، بشكل مفاجئ، وأصبح يتدخل في أمور كثيرة، ولم أكن أتصور يوما، أن حياتي الزوجية ستصبح نكدا في نكد، زيادة على الانتقادات والملاحظات، حتى معاملتي مع الأولاد يتدخل فيها، ومراقبتهم الشيء الذي يجعلهم في تشاجر دائم معه، ويفرض علي أن أظل بجانبه لخدمته ويحرمني من قيام بعض الزيارات للأهل أو للتسوق، وهذا، طبعا، راجع إلى الفراغ، الذي أصبح يعيشه، وعمله الجديد هو مراقبة كل كبيرة وصغيرة في البيت، والتعليقات المملة". من خلال هذه الاستنتاجات، نلاحظ أن الزوج المتقاعد عن العمل يشعر بضيق داخلي، واضطرابات نفسية يصبح على إثرها عصبيا وحساسا أكثر من اللازم، الشيء الذي يجعله في دوامة، تجعله يفرض سيطرته على البيت، ما يغضب الزوجة منه، التي تضيق من تصرفاته، وبالتالي، ينعكس هذا على حياتهم واستقرارهم. غير أن هذا يحتم على الزوجة أن تتعامل بكثير من الحكمة والتبصر، وان تترك أنانيتها جانبا لتتقبل الوضع الجديد، وأن تجعل من وجود زوجها في البيت مكسبا إيجابيا، يتيح لها فرصة للحوار والتواصل أكثر من ذي قبل. وبكثير من الصبر، قد تتغلب على عصبيته وأنانيته، لتجعل منه زوجا متفهما.