قد تمر من جانبه دون أن تدرك أنه أنجب أسماء رياضية كثيرة على الصعيد الوطني، وكان له الفضل في نبوغ البطلة الأولمبية نوال المتوكل، اسمه غير خاف على سكان الدارالبيضاء، إنه فضاء "كازا بلانكيز"، الذي مازال يقاوم من أجل البقاء في مدينة تراجعت فيها المساحات الخضراء والفضاءات الرياضية بشكل كبير. "لقد اعتدت إلى المجيء إلى هذا المكان كلما سنحت لي الفرصة لذلك، لأنه يعد المتنفس الوحيد الموجود بعمالة مقاطعات أنفا بالدارالبيضاء، ويعد إحدى المعالم الرياضية في المدينة، التي طالها النسيان. إن قدومي إليه يعتبر فرصة للتخلص من الضجيج، الذي تعرفه العديد من الشوارع". هذه الشهادة لتلميذة كانت جالسة في مدرجات الفضاء الرياضي "كازا بلانكيز". فمنذ سنوات وهي تأتي إلى هذا المكان لقضاء لحظات بعيدا عن هموم الدراسة وضجيج شوارع البيضاء، كانت نادية تتحدث مع صديقاتها حينما اقتربت منهن "المغربية" لتسألهن عن رأيهن في هذا الفضاء الرياضي، لترد إحدى زميلاتها "في الحقيقة هذه أول مرة أزور هذا الفضاء، وأعجبني كثيرا، وسأكرر زيارته كلما سمحت لي الفرصة لذلك، لأنه بالفعل فضاء يستحق ذلك"، لكنها تستطرد قائلة "رغم جمالية هذا الفضاء، إلا أنه يحتاج إلى اهتمام كبير من قبل السلطات المحلية والمنتخبة، لأنه يفتقد للعديد من التجهيزات الرياضية، كالمستودعات والأمن، فرغم وجود بعض الحراس، الذين يبدلون مجهودا كبيرا إلا أن عددهم غير كاف، ولابد من التفكير في خطة لإعادة إصلاح هذا الفضاء". المستودعات شهادة هذه التلميذة زكاها أحد المواطنين، الذي كان يقوم ببعض الحركات الرياضية عندما سألته "المغربية" عن موقفه من الخصاص، الذي يعرفه هذا الفضاء "شوف أخويا، راه كلشي كتشوفو بعينيك، ما كاين والو، لا مستودعات ولا أمن، راه خاصهم يديرو شي حاجة لهاذ الفضاء، ويكفي أنه المجال الوحيد المفتوح أمام أبناء المدينة من أجل الترويج على أنفسهم"، وأضاف أنه منذ أكثر من 16 سنة وهو يمارس الرياضة في "كازا بلانكيز"، وقال بحسرة كبيرة "سمعنا أن هناك إرادة من أجل إعادة هيكلة هذا الفضاء، لكنه لحد الساعة لم نر أي إثر لهذا المشروع". بنت الدار وحينما تكلفت نوال المتوكل بحقيبة الشباب والرياضة، اعتقد الغيورون على هذا الفضاء أن ساعة الحسم اقتربت وأن إعادة الهيكلة ستخرج إلى الوجود، على اعتبار أنها واحدة من بنات الدار، فقبل أن تصعد نوال إلى منصات التتويج في الأولمبياد لوس أنجلوس عام 1984، كانت تحرص على التداريب في "كازا بلانكيز"، وتعرف كل خبايا هذا الفضاء، إلا أن اعتقادهم خاب، حسب شهادة، بعض المواطنين "فقدنا الأمل، فالشخص الوحيد الذي كان مؤهلا من أجل إصلاح الفضاء هو نوال المتوكل، لأنها واحدة من مجموعة من الرياضيين الذين كانوا يتدربون في هذا الفضاء سنوات الثمانينات، عندما كان هذا الأخير يضرب به المثل على صعيد جهة الدارالبيضاء، بل إنه كان الوحيد الذي يوجد في المدينة، لكن منذ بداية الألفية الثالثة عرف تراجعا كبيرا على عدة أصعدة، ومن العيب والعار أن يقع ذلك في أقدم فضاء رياضي بالمدينة". الأبواب الموصدة لولا الأرضية المغطاة بالعشب، لما تبادر إلى ذهن الزائر أن الأمر يتعلق بفضاء رياضي، لأن أبواب مجموعة من مقرات الأندية الرياضية مغلقة، وعلمت "المغربية" أن هذا القرار اتخذ في عهد الوالي السابق إدريس بن هيمة، حسب ما أفادت به بعض المصادر، التي قالت "إن قرار غلق أبواب مقرات الأندية الرياضية التي كانت تنشط بشكل كبير في كازا بلانكيز" هو الذي أدى بشكل كبير إلى الأزمة التي يتخبط فيها حاليا، وحان الوقت من أجل التفكير الجدي في عملية إصلاحه، لأنه لا يعقل أن يستمر النزيف، فلابد من الدفاع عنه، خاصة أن عدد المساحات الخضراء والفضاءات الرياضية تراجعت بالمدينة، ففي الوقت الذي كان من المفروض تبني مشروع جدي لإعادة الروح له، نجد أن هناك من يريد أن يبقى الوضع كما هو عليه حاليا". الشعور بالغبن إذا كانت إحدى السيدات، التي تزور هذا الفضاء بشكل دائم، تحفظ أسماء الرياضيين الذين مروا من هنا، فإن نادية وزميلاتها ليس لهن علم بهذه الحقيقة، وقالت إحداهن "في الحقيقة لا أعرف أي اسم رياضي كان يتدرب هنا، ولكن كل ما أعرفه هو ضرورة الاهتمام به، لكي تبقى أبوابه مفتوحة في وجه من يعشقون الرياضة"، عدم معرفة هذه التلميذة بأسماء الرياضيين الذين كان "لكازا بلانكيز" الفضل الكبير عليهم، يرجع إلى عدم وجود أي شيء بداخله يوحي أنه كان في زمن مضى أسماء رياضية استطاعت أن تفرض وجودها في الساحة العالمية و اتخذت منه المحطة الأولى في سلسلة الملاعب والفضاءات الرياضية التي تدربت فيها لتحقيق إنجازاتها، فمن يزوره حاليا يشعر بغبن كبير، ويعتقد أنه يوجد في مدينة نائية وليس في أكبر مدينة بالمغرب. أوطيل الشمكارة من الأشياء التي تثير غضب الزائرين إليه القضية المتعلقة بالكلاب الضالة، كما جاء في شهادة يوسف نايم، وهو اسم مستعار لأحد سكان المعاريف، "لقد كنت دائما أحرص على ممارسة الرياضة في هذا المكان في وقت مبكر من الصباح، لكنني في كل مرة كنت أعاني كثرة وجود الكلاب الضالة التي تزعجني بشكل كبير، وهذا أمر إلى جانب العديد من الأشياء الأخرى جعلتني أعيد النظر في المجيء إليه". وقد اعترف أحد الموظفين التابعين لمجلس المدينة بهذا الكلام، لكنه استطرد قائلا "لقد خضنا حربا ضروسا مع المتشردين الذين كانوا يقطنون في هذا الفضاء، فقد كاد أن يتحول اسمه من "كازا بلانكيز" إلى "أوطيل الشمكارة"، وتمكنا بعد معاناة طويلة طردهم منه، والأدهى من ذلك، لقد تمكنت إحدى السيدات من الولادة، ويمكن القول إن الأمور تحسنت بشكل كبير، لكن لابد من التجند من أجل إعادة الاعتبار له، وأن المسؤولية في هذا الإطار يتحملها المجلس البلدي للدارالبيضاء، لأنه هو الجهة التي يتبع لها هذا الفضاء، سيما أن وزارة الشبيبة والرياضة لا دخل لها في هذا الموضوع، وفي الحقيقة لو كانت هناك فعلا إرادة لتغيير وجهه، لتضافرت جهود الجميع، لأنه معلمة من المعالم الرياضية التي يفتخر بها ليس في فقط البيضاويين، ولكن جميع المغاربة". النقص في التجهيزات لم يمنع العديد من عشاق الرياضة من ممارسة هواياتهم المفضلة في هذا الفضاء، مؤكدين أنه "حسن من والو"، ويطالبون في الوقت ذاته بضرورة الإسراع في إنجاز مشروع إعادة الهيكلة، الذي سيخرج "كازا بلانكيز" من النفق المسدود.