من منا لا تنتابه الغيرة، فحين نحب يجن جنوننا، ونصبح عديمي البصيرة، فتتملكنا أوهام لا أساس لها من الصحة إذ تعتبر الغيرة غريزة فطرية داخل كل شخص، لكن هناك من تكون لديه موضوعية ومنطقية، حين تعبر عن الحب والاهتمام، بينما حين تتعدى المعقول، تصبح لا معنى لها، وتشوش على الطرف الآخر. الغيرة شعور بقدر ما يرتبط بالحب والاهتمام، بقدر ما يكون مدمرا وعدوانيا حين يخرج عن نسقه الحقيقي، ويتحول إلى حالة مرضية. فالله خلق الغيرة داخل كل شخص منا، فهي شعور طبيعي يتملك كل إنسان، مثل أي صفة توجد بدواخلنا، ولكن هناك من يتحكم في استخدام الجرعة المثالية، وهناك من يفيض كأسها بين يديه، لتشتعل نار، وصفها البعض بأنها شعور بالتملك، والسيطرة على شخص نحبه، نرغب، بالغيرة، امتلاكه واحتكار مشاعره. سعد، 26 سنة، مستخدم، يصف هذه الغيرة بالمرضية، ويعتقد أنها قد تربك العلاقة ككل، أو تفتك، في آخر المطاف، بالحبيبين، ويقول، في هذا الصدد، "أحب خطيبتي بجنون، وأريد أن نتزوج في القريب العاجل، لأنني أغار عليها، وهي بعيدة، ليست الغيرة شك، لكنها تبدي لي مقابل هذا غيرة هستيرية، تجعلني أفكر في كل خطوة أقدم عليها، وأخيرا، قام صراع بيننا بسبب الغيرة، حين رأتني برفقة إحدى زميلات العمل". غيرة خطيبة سعد لم تكن عشوائية، فهي تمزج بين الحب، ونوع لا إرادي من الشك، حيث تتداخل تعاريف النموذجين كثيرا، فالغيرة يرجعها البعض إلى الحب الكبير، أما البعض الآخر، فيراها خارج نطاق الهيام، فهي جزء لا يتجزأ من الشك، ليس إلا. يرى طارق، 29 سنة، يقطن في الديار البلجيكية، أن "وسائل التعبير عن محبتنا لشخص ما، ليست بالغيرة والشك، فأحيانا يتطلب الأمر منا غيرة بسيطة، لا أن نتحكم في عادات وطباع الآخرين، أنا لا أجد مشكلا مع صديقتي الحميمة، فلها الحرية المعتقد، كما لها أن تلبس ما تحب"، وإن كان يعترف أن الأمور قد تتغير في ما بعد الزواج، وقد تصبح له نظرة جديدة للعلاقة بينه وبين من يحب. والغيرة مثلها مثل باقي المشاعر والأحاسيس الأخرى، لكنها تصبح شعورا مؤلما إذا تجاوزت حدا مبالغا فيه، كما قد تحول الواقع إلى جحيم بسبب المشاكل التي تنجم عنها. وتقول البتول، 23 سنة، طالبة جامعية، "شيء جميل أن نشعر بشيء من الغيرة، التي تؤجج نار الحب، لكن هذه النار قد تحرقنا، أحيانا، وتدمر كل شيء من حولنا، إذا لم نتصرف بحكمة وعقلانية تجاهها. وتضيف البتول أنها لا تجد في الشعور بالغيرة مشكلا، حين تكون نابعة عن الاهتمام والحب، أما حين تكون موضوع شك، فهي مرضية، ولا أساس لها، وهنا يصعب تحملها، لأنها تؤذي حتما أحد الطرفين في العلاقة. رأي غالبية الفتيات يصب في هذا الاتجاه، بحيث أن الغيرة العادية، في نظرهن، التي تنحصر في الاهتمام المبالغ فيه أو التحكم في الطباع، هي فطرية عند الرجال جميعا، أما الغيرة المرضية، فهي التي تكون خاضعة لوسواس الشك والتملك، وبالتالي، لا صلة لها بالحب، لأن هذا الأخير يعتمد، في الدرجة الأولى، على الثقة بين الطرفين. مفهوم الغيرة يتضارب بين الرجل والمرأة، كحال غالبية المواضيع، فتصنيفها في زاوية الشك، وانعدام الثقة، يؤرق بال النساء. تقول بسمة، 31 سنة، إنها لا تطيق الغيرة، لأنها تراها انعداما للثقة والحب كذلك، "كيف لي أن أتحمل الغيرة، فأنا امرأة ناضجة، وأعرف ما لي وما علي، وغيرة الرجل قد تخنقني ما قد يزيد المشاكل بيننا أكثر". وعكس رأي بسمة، نجد من النساء من تعشق غيرة الرجل عليها، ولو كانت غير معقولة أو خارجة عن المألوف، كما صرحت بذلك شيماء، 34 سنة، التي ترى في غيرة الرجل دليلا قويا على حبه لها واهتمامه بها، وبأن لا شيء آخر يشغل باله غيرها. غيرة مثل هذه، قد تروق البعض، وقد تضع علاقة بعض آخر تحت المجهر، فكم من ثنائي، فرقتهم الغيرة، ليس فقط في إطار الحب، بل حتى في إطار الصداقة، أو الأخوة، أو شتى أنواع العلاقات الإنسانية، وأكثرها ظاهرية تلك التي تكون بين الجنس اللطيف، إلى درجة تدمر كل الروابط بينهما، وهذا موضوع آخر، قد نفتح النقاش بشأنه. قالوا في الغيرة في الحب تنسى كرامتها ... وفي الغيرة تنسى حبها النار أن تحبك غيورة والجحيم أن تحبها أنت هي لا تولد شريرة وإنما تصبح كذلك عندما تغار