يركز الباحث المغربي، عزيز الحدادي، في كتابه الجديد "ابن رشد وإشكالية الفلسفة السياسية في الإسلام"، الصادر حديثا عن دار الطليعة ببيروت، على تناول علاقة الفلسفة بالسياسة في الغرب الإسلامي خاصة الفلسفة السياسية عند ابن رشد، الأمر الذي اقتضى منه فحص مقاصد آراء هذا الفيلسوف ومقاربتها بآراء أفلاطون وبآراء الفارابي في السياسة، وأيضا، بآراء ابن باجة، الذي كان يسعى إلى تأسيس سياسة للمتوحد، لأن الفلاسفة في الأندلس مارسوا تجربة سياسية منبثقة عن الواقع، حيث كان ابن باجة وزيرا في الدولة المرابطية، وكان ابن طفيل وزيرا في الدولة الموحدية، أما ابن رشد فكان قاضيا للقضاة، أي وزيرا للعدل. والأهم هو أن النظر في كتب أفلاطون وأرسطو كانت تكمن خلفه إرادة سياسية واضحة، لأن الخليفة هو الذي طلب من الفيلسوف القيام بتفسير كتب المعلم الأول، كما هي الحال مع ابن رشد. ويمكن القول بأن ابن رشد تجاوز تلك النظرة الميتافيزيقية إلى علم السياسة كما كان عليه الأمر عند الفارابي، بفصله عن فلسفة واجب الوجود، لأنه كان يتقاسم مرتبة أشرف العلوم مع علم ما بعد الطبيعة، هذا العلم، الذي اعتبره على رأس هرم نظرية العلم، بوصفه العلم المسؤول عن تدبير شؤون المدينة ومصلحة الإنسان وسعادته في هذا العالم. ويرى الحدادي، في كتابه الجديد، الذي يقع في 219 صفحة من الحجم الكبير، أن ابن رشد استند إلى نظرية العلم، أي إلى الصنائع، التي تتعاون في ما بينها لتفسير نظريته في توحيد السياسة بالأخلاق والفلسفة، من أجل أن يوضح أهمية التعاون في إطار وحدة الغاية. لكن رؤية ابن رشد لعلم السياسة كانت رؤية معقدة وغامضة في الوقت نفسه، خاصة أنها تمتد على مساحة شاسعة من متنه، وسعت إلى توحيد السياسة بالفلسفة، وبما يجعل العلم خادماً للنظر وللأخلاق. وعليه، يحضر التساؤل في ما إذا كانت رؤيته سببا مباشرا في إبعاد الدراسات الرشدية من الاهتمام بالسياسة المدنية عند هذا الفيلسوف، وعما إذا كانت هناك أسباب أخرى، لكن الحدادي يدافع عن الإشكالية، التي تعتبر أنه في قلب كل فلسفة توجد السياسة، إما من خلال الخاصية السجالية والنقدية لمظاهر الاستبداد والآخر الحضاري والفكري، أو من خلال دعم هيمنة إيديولوجيا الطبقة الحاكمة. وعليه، يعرف السياسة باعتبارها صراعا للنخب داخل المقاولة السياسية، أي المجتمع، مع تأكيده اعتبار ميكيافلي في أن هدف السياسيين يظل واحدا، ألا وهو الحصول على الثروة والشرف وقتل الفكر المتنور، لأنهم يسمحون لأنفسهم بممارسة الشر العام من أجل تحقيق الخير العام. وهذا يقتضي العودة إلى إشكالية العلاقة التقليدية، أو الوسطوية، التي كانت قائمة بين الفلسفة والسياسة، والتي كان ابن رشد متأثرا بعمق مفاهيمها وأسئلتها. وإن كانت الفلسفة منحت ابن رشد مكانة رفيعة في عصره، فإن السياسة كانت السبب الحقيقي وراء محنته. وقد حاول ابن رشد أن يؤسس خطابا سياسيا يستوعب الأزمة السياسية في الأندلس في عصره، لكنه وجد نفسه في الأخير محاصرا بآراء أهل المدينة الجاهلة. ومع ذلك، استطاع أن يبدع نظرية سياسية خاصة من خلال اختصاره ل "جمهورية أفلاطون"، التي أخرجها في صورة جديدة، حيث نقلها من الجدل إلى البرهان، وفسر السياسة بخطاب البرهانية، وحاول، أيضا، أن يخلق علاقة اتصال بين السياسة والأخلاق، لأن السياسة علم يتسلم مقدماته، في نظره، من علم الأخلاق.