أثار التحقيق الميداني، الذي أجرته "المغربية" حول معاناة النساء الحوامل بتونفيت وأنفكو بسبب الضجة التي أحدثتها وفاة 22 رضيعا تباعا في دواوير متفرقة (ترغيست 7حالات، وأنفكو 7 حالات، وأيت مرزوك 5 حالات، وتمالوت 3 حالات) بإقليم ميدلتمنذ أواخر شهر رمضان الماضي إلى حدود الشهر الجاري، حالة استنفار في المراكز الصحية التابعة لقيادة تونفيت، حيث تجند ممرضو المراكز الصحية مدة 24 /24 ساعة، خدمة للحوامل والرضع، إذ طالبوا بتزويد مندوبية الصحة بميدلت بأي حالة وفاة. رغم الضجة التي أحدثها توالي الوفيات في صفوف الرضع، لم تتدخل وزارة الصحة لتهييء مراكز صحية، بل اكتفت ببعث لجنة تتكون من طبيبة رئيسة بمركز تونفيت وممرض، دون أن ترسل لجنة بالموازة من وزارة الصحة، للوقوف على الأسباب الحقيقية وراء تلك الوفيات وتوفير أطباء للكشف عن الحوامل ومعرفة أسباب توالي الوفيات، وهل الأمر يتعلق بوباء أو بجهل النساء بالكشف المبكر خلال مرحلة الحمل. "زارت" المغربية عدة دواوير والتقت آباء وأمهات فقدن فلذات أكبادهن وهم حديثي الولادة، لكن اختلفت أسباب الوفاة من شخص إلى آخر، بينما أرجعت طبيبة المركز التي أشرفت على بعض الوفيات، إلى ماء الوادي على اعتبار أنه ملوث، حيث أخذت اللجنة الطبية عينة من مياه الوادي لإجراء الكشوفات اللازمة عليها، والتأكد إذا ما كانت هي السبب الفعلي في تنامي الوفيات بين الرضع، إذ عملت على توعية السكان ونصحهم بتجنب شرب مياه الوادي، أو ترك أطفالهم يلعبون بالقرب منه. تضاربت الآراء بين المسؤولين، إذ هناك من أرجع سبب الوفيات، أيضا، إلى إرضاع الرضع بحليب البقر، مؤكدين أن هذا الأخير مليء بالباكتيريا المضرة، علما أن الرضع، خلال تلك المرحلة لا يتوفرون على مناعة. "أنا مازال محروكة على موت ولدي، ودبا كنتمنى يعيش ليا التوأم ديالو"، بصوت حزين نطقت رقية بن يحيا (30 سنة)، من سكان دوار ترغيست، وضعت في آخر شهر الصيام توأمين، فتوفي أحدهما، الذي أسمته سليمان وبقي الثاني، تقول رقية أن رضيعها كان في صحة جيدة لكنها تفاجأت بوفاته وهو لم يتمم 5 أشهر. وعن سؤال "المغربية" لها حول حالتها الصحية، خلال مرحلة الحمل، فأجابت رقية أنها لم تزور الطبيب يوما، نظرا لبعد المركز الصحي بتونفيت ولعدم قدرتها المادية على التنقل، أما في ما يتعلق بالرضيع فأكدت أنها كانت ترضعه رضاعة طبيعية وبعد أن اكتشفت أن الحليب جف من ثدييها أرضعته حليب البقر، الشيء ذاته أكده أوتهرا حدو، الذي فقد ابنه وهو لم يتمم شهرين من عمره. حليب البقر أفاد أوتهرا أن زوجته لم تكن حلوبا، فاضطرا إلى إرضاع الرضيع بحليب البقر، لكنه ربط سبب الوفاة بانتفاخ في البطن واحمرار في العينين، بحيث لم يعرضه على الطبيب لبعد المسافة وقصر ذات اليد. بعد حديث "المغربية" مع أوتهرا ورقية، انتقلنا إلى منازل كل من بن يحيا رابحة وزدو إيطو وحادة وربات وأعروس بناصر، لكن تعذر علينا ملاقاتهم بسبب وجودهم في الحقول البعيدة من أجل العمل، انتظرنا عدة ساعات، لكن ضيق الوقت والرغبة في زيارة الدواوير الأخرى حال دون الاستماع إلى أسباب الوفاة. بدوار تمالوت، التقت "المغربية" كلا من عزيز أوالدبوز وعلي أودوني اللذين فقدا فلذات أكبادهم في أواخر شهر الصيام، أوالدبوز الذي فقد ابنه بثلاثة أيام، ولحد الآن لم يعرف سبب الوفاة، مؤكدا أن زوجته تعيش حالة نفسية صعبة بسبب فقدانها أول مولودة، بينما أكد أودوني أن ابنه توفي بعد أن بلغ ستة أشهر من عمره. وتبين أن كل من أودني وأوعزو كان يرضعان ابنيهما بحليب البقر، ما تسبب لهما في أوجاع في البطن. انتقلت"المغربية" إلى تلك الدواوير، فصادفنا وفاة حالة جديدة منذ أسبوع بدوار أيت مرزوك، إذ أكد موحا أعزو، الذي التقته الجريدة بمركز تونفيت، أنه فقد ابنه في مدة تزيد عن أسبوع وعمره لا يتجاوز ثلاثة أشهر، مؤكدا أنه ازداد في حالة جيدة وتفاجأ لوفاته. أما موحا أقورشي، وهو من دوار أيت مرزوك، فأكد أنه فقد ابنه عماد في نهاية شهر الصيام وهو لم يتمم شهره الثالث، موضحا أن النساء الحوامل لا يستطعن قطع مسافة 45 كيلومترا من أجل الكشف لدى المركز الصحي بتونفيت. وقال أقورشي إنه بسبب التساقطات المطرية الأخيرة، انقطعت الطريق بين دوار أيت مرزوك وتونفيت، وأصبح السكان يعيشون في عزلة وينتظرون من الجهات المعنية فك الحصار. كان الوصول إلى دواوير أيت مرزوك وتمالوت وأكديم وترغيست وأنفكو أمرا صعبا، إذ في الطريق إلى دوار تمالوت وجدنا الأوحال في الطريق وفيضانات الوادي، إذ كنا نضطر كل نصف ساعة إلى التوقف حتى تتمكن الجرافة "التراكس" من طمر المياه بواسطة الأحجار، حيث يتكرر هذا الأمر عدة مرات. مررنا من طرق ومنعرجات صعبة جدا، وكلما اجتزنا منعرجا إلا وردد سائق السيارة ومرافقونا عبارة "الحمد لله " و "على سلامتنا"، إذ تطلب الذهاب إلى تلك الدواوير قطع مسافات متفرقة تراوحت ما بين 60 و70 و30 و50 كيلومترا. لم نستطع الوصول إلى دواوير أيت مرزوك وأغدو بسبب انقطاع الطريق نتيجة الفيضانات، فكانت الوجهة إلى دوار ترغيست وتمالوت وأكديم وأنفكو. وبعد دوار تمالوت، كانت الوجهة إلى أنفكو حيث تعذر على "المغربية" الصعود إلى المنازل العالية المشيدة فوق الجبل، فصادفنا كلا من سعيد أزاك وحساين أو القايد اللذين فقد طفليهما في رمضان، يقول أزناك إنه فقد ابنه بعد مرور أربعة أيام على ولادته، لكنه تفاجأ لموته، علما أنه ازداد في صحة جيدة. وأكد أزناك أن زوجته كانت في حالة صحية جيدة، وأرضعت مولودها بحليبها الطبيعي، لكن، يضيف شاءت الأقدار أن نفقد أول مولودة، بينما فقد حساين أولقايد ابنته وعمرها ستة أشهر، موضحا أن زوجته كانت ترضعها بحليب البقر. أما موحا أبوح ففقد المولود بعد مرور ثلاثة أيام على ازدياده، ويقول أنه لاحظ ظهور تقرحات في لسانه وفمه. مياه الوادي التقت "المغربية" عددا من النساء والرجال، الذين فقدوا أطفالهم دون أن يعرفوا السبب الحقيقي وراء الوفاة، حيث وجدنا الحالات، التي سبق ذكرها، وصرح أولياء الأمور بفقدانهم لأطفالهم لأسباب مختلفة. اكتفت وزارة الصحة ببعث لجنة طبية من تونفيت تضم طبيبة رئيسة وممرضا ورئيس جماعة، من أجل كشف الحالة الصحية للرضع والأمهات الحوامل، وظل المركز الصحي بتونفيت فارغا، بدل أن تبعث الوزارة لجنة أو لجنتين من وزارة الصحة ومندوبية وزارة الصحة بميدلت أو خنيفرة. أكدت حنان شوقي، طبيبة رئيسة بمركز تونفيت، ل "المغربية"، أن سبب وفاة ثلاثة رضع بأنفكو يعود إلى تعفن في الأمعاء نتيجة استعمال الأمهات لمياه الوادي، أما الحالات الأخرى المتعقلة بوفاة 5 رضع بدوار أيت مرزوك، أن أغلب النساء فقدن أجنتهن قبل الولادة، بسبب الزواج بين الأقارب بينما وجدت "المغربية" حين التقت آباء بعض الرضع فوجدت أن حالتين توفيا بعد الولادة بمدة ثلاثة أشهر. أكدت مصادر "المغربية" أن المراكز الصحية بدواوير ترغيست وتمالوت وأكديم وأيت مرزوك وأنفكو، التابعين لقيادة تونفيت، بإقليم ميدلت تعيش حالة استنفار من طرف الممرضين المرابضين بها، إذ يتنقلون بين الدواوير للكشف على النساء الحوامل والرضع ومدهم بالأدوية، وذلك على خلفية زيارة "المغربية" لتلك الدواوير، للوقوف على الأسباب الحقيقة لوفاة رضع منذ رمضان الماضي إلى الشهر الجاري. حالة استنفار بعد التحقيق الميداني، الذي أنجزته "المغربية" في تلك الدواوير، تجند ممرضو المراكز الصحية مدة 24 ساعة 24على، خدمة للحوامل والرضع، إذ طلبوا بتزويد مندوبية الصحة بحالات لوفيات، ذلك أنهم كلما علموا بخبر ظهور علامات مرض في صفوف رضع وأطفال وحوامل إلا وانتقلوا إلى الدواوير البعيدة، خوفا من عدم قدوم هؤلاء النساء، نظرا لبعد المسافة ووعورة المسالك، لكن لحسن الحظ، تضيف المصادر، أن الممرضين لم يسجلوا أية حالة وفاة أو حالة مرضية مستعصية، بل وجدوا أن الأمر يتعلق بأمراض عادية، من قبيل دوار في الرأس وغثيان بسبب تغيير المناخ من فصل الصيف إلى الخريف. وأوضحت المصادر أن الممرضين طلبوا من طرف مندوبية الصحة بميدلت بإخبارهم بأية حالة وفاة في صفوف الرضع، خلال عملية التنقل بين الدواوير. وأكدت حنان شوقي ل "المغربية" أنه لم تسجل لحد الآن أية حالات وفيات جديدة في صفوف الرضع، مشيرة إلى أن جميع العاملين بالمراكز الصحية في الدواوير النائية أكدوا عدم وجود حالات تثير الشكوك حول وجود وباء معين. وكانت "المغربية" زارت دواوير تمالوت وترغيست وأمنزي وأنفكو، وأجرت تحقيقا في الموضوع والتقت أسر الرضع الذين فارقوا الحياة في ظروف غامضة، حيث وجدنا الحالات التي سبق ذكرها وصرح أولياء الأمور بفقدانهم لأطفالهم لأسباب مختلفة، ووقفت على المشاكل التي تعانيها الأمهات الحوامل في تلك المناطق. أخذت اللجنة الطبية، التي زارت تلك الدواوير، عينة من مياه الوادي لإجراء الكشوفات اللازمة عليها والتأكد إذا ما كانت هي السبب الفعلي في وفيات الرضع، إذ عملت على توعية السكان ونصحهم بتجنب شرب مياه الوادي، أو ترك أطفالهم يلعبون بالقرب منه. كل المعطيات التي جمعتها "المغربية" حول وفاة 22 رضيعا بدواوير متفرقة بإقليم ميدلت تشير إلى وجود سببين، لا ثالث لهما، تتضارب حولهما آراء المسؤولين والمواطنين على السواء، وهما حليب البقر ومياه الوادي، لتبقى الكرة في مرمى وزارة الصحة، المطالبة بإجراء تحقيق طبي وعلمي يثبت السبب الرئيسي في هذه الكارثة.