تعد علاقات التعاون المتينة والمتجذرة، التي تجمع المملكة المغربية ودولة الكويت، نموذجا يحتذى لتعاون بيني عربي، يتطلع بثبات إلى بلورة شراكة استراتيجية، تستجيب لتطلعات الشعبين الشقيقين، وتساير المتغيرات، التي يعرفها عالم اليوم، الموسوم بالتكتلات الإقليمية والجهوية. وتشكل الزيارة الرسمية، التي يقوم بها للمملكة، ابتداء، من أمس الأربعاء، صاحب السمو الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، أمير دولة الكويت، بدعوة كريمة من صاحب الجلالة الملك محمد السادس، مناسبة لتجديد التأكيد على عمق ومتانة وقوة هذه العلاقات . ووفاء لنهج أصيل، يستمد نفسه المتوثب من روابط الأخوة والمحبة، التي تربطهما، والرؤية الرشيدة والحكيمة لقائدي البلدين، حرص البلدان على تمتين مسار تعاونهما الثنائي المثمر، وتنسيق مواقفهما وتوجهاتهما في كافة المجالات (السياسية والاقتصادية والثقافية...). وتأتي هذا الزيارة، لتشكل حلقة جديدة في مسار علاقات عريقة كانت انطلاقتها الأكيدة الزيارة التي قام بها جلالة المغفور له محمد الخامس، للكويت، في مطلع سنة 1960، والتي أرخت للمسار المتميز في علاقات القطرين الشقيقين، وأرست دعائم تعاون يصل مشرق الأمة العربية بمغربها، على أساس جهود مشتركة وتنسيق كامل في القضايا الوطنية والدولية. وإذا كانت زيارة جلالة المغفور له محمد الخامس لدولة الكويت أسست لهذا التعاون الأصيل، الذي تواصلت حلقاته المتوهجة في عهد جلالة المغفور له الحسن الثاني، أكرم الله مثواه، فإن الزيارة، التي قام بها صاحب الجلالة الملك محمد السادس للكويت سنة 2002، شكلت بحق، منعطفا في علاقات البلدين، ورسمت آفاق تعاون متجدد وفي للأصول، ومتطلع بثقة إلى المستقبل. كما أن الزيارة المهمة، التي قام بها صاحب السمو الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح للمملكة في دجنبر 2006، كانت فرصة مواتية للارتقاء بمستوى هذه العلاقات التاريخية، وبالتالي الدفع بالتعاون الثنائي، خاصة في شقه الاقتصادي . وأثمرت هذه الزيارة توقيع عدة اتفاقيات، تساهم بموجبها الكويت في تمويل عدد من المشاريع التنموية الكبرى بالمغرب، من قبيل الطرق السيارة، والبنيات التحتية، فضلا عن تعزيزها للتعاون في مجالات حيوية، مثل الفلاحة، والثروة السمكية، والإسكان والتعمير. وكان البلدان، في سياق سعيهما الحثيث لإعطاء زخم أكبر لهذه العلاقات وتفعيلها على كافة المستويات، وقعا في 28 يونيو2001، اتفاقا لإحداث لجنة عليا مشتركة، وفرت إطارا قانونيا منظما لتعاونهما، وشكلت منعطفا إيجابيا أثمر العديد من الاتفاقيات والمشاريع الاستثمارية المشتركة . ولم يكن الإعلان عن إحداث اللجنة العليا المشتركة إلا تتويجا لتاريخ حافل، شهد التوقيع على العديد من اتفاقيات التعاون، من بينها على الخصوص، اتفاق للتعاون في المجالات الاقتصادية والتجارية والتقنية والثقافة والإعلامية والسياحية (1972) واتفاقية في مجال الاستثمار والتنمية (1980)، واتفاقية للتعاون الاقتصادي والتجاري والتقني (1989)، وبروتوكول اتفاق يتعلق بالتعاون في مجال الطاقة (1979)، واتفاقية للتعاون القضائي سنة (1996). وتجدر الإشارة ، في هذا الصدد كذلك، إلى المساهمة الوازنة والمهمة للمؤسسات التمويلية الكويتية، وعلى رأسها الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية ، في العديد من المشاريع الإنمائية في المغرب. وبالموازاة مع التعاون في المجال الاقتصادي، وطد البلدان عرى التشاور والتنسيق في المجال السياسي، استرشادا بالرؤى السديدة لقائدي البلدين، سواء في ما يتعلق بالقضايا الثنائية أو الإقليمية والدولية. وفي هذا المقام، أكدت دولة الكويت، على الدوام، موقفها المبدئي الداعم للوحدة الترابية للمملكة، كما أشادت بالجهود التي يبذلها المغرب في هذا الإطار، خاصة قرار جلالة الملك محمد السادس إنشاء المجلس الملكي الاستشاري للشؤون الصحراوية، ومبادرة الحكم الذاتي بالأقاليم الجنوبية للمملكة. وعلى الصعيد العربي، ما فتئت الكويت تثمن عاليا النهج المستنير، والدور الرائد لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، في دعم التضامن العربي، ونصرة القضية الفلسطينية، من خلال رئاسته للجنة القدس، وجهوده المباركة في الحفاظ على هويتها العربية والإسلامية، وهو ما يعكس انسجام مواقف البلدين في ما يخص القضايا العربية والإسلامية وتمسكهما بالشرعية الدولية من أجل استتباب السلم والأمن. والواقع أن مستقبل العلاقات المغربية الكويتية أضحى مستقبلا واعدا، بفضل وجود إرادة عليا قوية، تروم الدفع بها قدما بما يحقق تطلعات الشعبين الشقيقين ومصالح الأمة العربية الإسلامية، ويخدم السلم في العالم أجمع.