في غمرة الاحتفالات بالذكرى الحادية عشرة لعيد العرش.. يقف المواطن المغربي معتزا بالإنجازات الكبيرة، التي تحققت في عهد الملك محمد السادس.وإذا كانت متعذرة، في مثل هذا الحيز، الإحاطة بمعظم هذه الإنجازات، التي تغطي مجالات متعددة ومتشابكة، سياسية وحقوقية واقتصادية واجتماعية وثقافية، فإن ذلك لا يمنع أولا، من الإشارة إلى بعض عناوينها البارزة مثل قراءة صفحة الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان وطيها، والالتزام باتخاذ ما تتطلبه الحيلولة، دون العودة إلى تكرار تلك الانتهاكات، ومثل توسيع مجالات التعبير والتنظيم في وجه مختلف الأطياف الفكرية والسياسية، ومثل الانعتاق الهائل، الذي دشنته مدونة الأسرة، ومثل التطور الحثيث الجاري في مختلف جهات البلاد لمحاربة الفقر والزج بمن كانوا ضحايا للتهميش في دائرة العمل المنتج والمبدع والحافظ للكرامة في إطار مبادرة التنمية البشرية.. وبالإضافة إلى ذلك وغيره، ارتفعت وتيرة تنفيذ مشاريع الأوراش الكبرى.. بل تحول المغرب برمته إلى ورش هائل. وما يميز الإنجازات الكبيرة في عهد محمد السادس.. إضافة إلى ما تجسده من نهضة مغربية، تكاد تكون شاملة، أنها تكرس ثقة المغاربة في أنفسهم وفي قدرتهم على تجاوز جوانب القصور والتأخر، التي تعرفها مسيرتهم النهضوية متنامية الوتيرة. ولأن إنجازات الإحدى عشرة سنة الماضية تتعذر، كما أسلفنا، الإحاطة بها في مثل هذا الحيز.. سأقتصر على الإشارة إلى واجهتين أساسيتين مرتبطتين أشد الارتباط بالوحدة الوطنية بمفهومها الواسع بأبعاده السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية. تتعلق الواجهة الأولى بالصحراء المغربية بما عرفه توجيه وتدبير ملف هذه القضية على الصعيدين الوطني والدولي من تغييرات وتحولات، لعل في مقدمتها تجاوز النهج العتيق في تدبير هذا الملف محليا. وكان النهج المذكور يعتمد نظرة أمنية متطرفة، عزلت الأقاليم الصحراوية المسترجعة عن السياق الديمقراطي، الذي اندرجت فيه البلاد بتعثر حينا وبتقدم أحيانا. وإلى جانب ذلك اعتمد النهج العتيق خاصة على كسب "علية القوم" في تلك الأقاليم عن طريق الإغراق في الامتيازات المشروعة وغير المشروعة.. مقابل إهمال الجيل الصاعد المتعلم والمتكون والأكثر استعدادا للمساهمة في التنمية والبناء. ولم يكن سهلا تجاوز ذلك النهج، وتطبيع الحياة السياسية والجمعوية في الأقاليم الصحراوية المسترجعة، والانفتاح على ما تعج به من طاقات جديدة وإشراكها في تدبير الشؤون المحلية، وفي ملف القضية الوطنية ذاتها. وإلى جانب ذلك، جرى تعزيز الجهود التنموية، التي ظلت متواصلة بوكالة خاصة لتنمية تلك الأقاليم. ولم يكن غريبا، في هذا السياق أن تنتعش الحياة الديمقراطية، وأن يبرز الصوت الانفصالي نفسه، مؤكدا عزلته وهامشيته وسط الأمواج الوحدوية العاتية. ولم يكن غريبا كذلك، أن تتصدر وتائر التنمية في الأقاليم المسترجعة نظيراتها في بقية أقاليم البلاد. أما على المستوى الدولي، فقد تواصل تحسين صورة المغرب، وتوطيد دوره في حفظ الاستقرار، وتدعيم علاقاته بالقوى الدولية النافذة، وإلى جانب ذلك، قاد المغرب بكثير من الصبر والحكمة المنتظم الدولي إلى الإقرار باستحالة تنظيم الاستفتاء في الصحراء المغربية. ولم يقف المغرب عند الباب المسدود، الذي أدى إليه التضارب والتناقض في تصورات الاستفتاء.. بل قدم البديل الواقعي الحافظ لماء وجه الخصوم، وعرض مبادرة الحكم الذاتي الموسع، التي حظيت بتنويه المجتمع الدولي والقوى العظمى. وبالإضافة إلى تطبيع الحياة الديمقراطية في الأقاليم الصحراوية، والانفتاح على المزيد من طاقاتها البشرية، وإعطاء دفعة قوية لجهود التنمية في تلك الأقاليم، وتجاوز استفتاء تقرير المصير لصالح حكم ذاتي في إطار السيادة المغربية.. فتح المغرب بقيادة الملك محمد السادس صفحة رائعة تمثلت في إعادة الاعتبار للمناطق الشمالية، وإعادة الحياة إلى الواجهة المتوسطية المغربية. وفي إطار فتح هذه الصفحة الرائعة.. بدأ المغرب يسترجع توازنه، الذي فقد منذ قرون بفعل الغزو والاحتلال الأجنبيين، وأخذ يربط تاريخه المتألق، الذي شكلت فيه الواجهة المتوسطية بوابته الكبرى نحو العالم، بحاضره ومستقبله، والذي يرشح تلك الواجهة للعب أدوار قد تكون أهم وأرقى. وفي سياق إعادة الاعتبار لهذا الجزء العزيز من الوطن الممتد من السعيدية إلى طنجة، عن طريق عشرات المشاريع الضخمة المينائية والطرقية والسياحية والصناعية والعمرانية، تجري إعادة الاعتبار للسكان، الذين لحقهم الإهمال والتهميش لعدة عقود، ويجري من خلال ذلك تعزيز الوحدة الوطنية، بالإضافة إلى هذا وذاك، خلق الشروط الاقتصادية والاجتماعية لمحاصرة الاحتلال الإسباني الجاثم على سبتة ومليلية والجزر التابعة لهما، وللضغط على جيراننا الإسبان للانخراط في مسار للتسوية يعتمد التعاون بديلا للاحتلال. والمأمول أن يساهم مشروع الجهوية الموسعة قيد الإعداد في إرساء التوازن الإيجابي بين مناطق البلاد، وإنعاش الديمقراطية المحلية، وتسريع وتيرة التنمية، وتعزيز الوحدة الوطنية بتناغم مكوناتها المتعددة.