الكنبوري يستعرض توازنات مدونة الأسرة بين الشريعة ومتطلبات العصر    "وزارة التعليم" تعلن تسوية بعض الوضعيات الإدارية والمالية للموظفين    مسؤول فرنسي رفيع المستوى .. الجزائر صنيعة فرنسا ووجودها منذ قرون غير صحيح    سقوط عشرات القتلى والجرحى جراء حريق في فندق بتركيا    جريمة بيئية في الجديدة .. مجهولون يقطعون 36 شجرة من الصنوبر الحلبي    "حماس": منفذ الطعن "مغربي بطل"    الكاف : المغرب أثبت دائما قدرته على تنظيم بطولات من مستوى عالمي    دوري أبطال أوروبا.. برشلونة يقلب الطاولة على بنفيكا في مباراة مثيرة (5-4)    ماستر المهن القانونية والقضائية بطنجة ينظم دورة تكوينية لتعزيز منهجية البحث العلمي    "سبيس إكس" تطلق 21 قمرا صناعيا إلى الفضاء    الحاجب : تدابير استباقية للتخفيف من آثار موجة البرد (فيديو)    ارتفاع عدد ليالي المبيت السياحي بالصويرة    كأس أمم إفريقيا 2025 .. "الكاف" يؤكد قدرة المغرب على تنظيم بطولات من مستوى عالمي    "البام" يدافع عن حصيلة المنصوري ويدعو إلى تفعيل ميثاق الأغلبية    المغرب يواجه وضعية "غير عادية" لانتشار داء الحصبة "بوحمرون"    تركيا.. ارتفاع حصيلة ضحايا حريق منتجع للتزلج إلى 76 قتيلا وعشرات الجرحى    التحضير لعملية "الحريك" يُطيح ب3 أشخاص في يد أمن الحسيمة    لمواجهة آثار موجات البرد.. عامل الحسيمة يترأس اجتماعًا للجنة اليقظة    الحكومة: سعر السردين لا ينبغي أن يتجاوز 17 درهما ويجب التصدي لفوضى المضاربات    بورصة الدار البيضاء تنهي تداولاتها على وقع الانخفاض    تركيا.. يوم حداد وطني إثر حريق منتجع التزلج الذي أودى بحياة 66 شخصا    وزارة التربية الوطنية تعلن صرف الشطر الثاني من الزيادة في أجور الأساتذة    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الأربعاء    مطالب في مجلس المستشارين بتأجيل مناقشة مشروع قانون الإضراب    اتخاذ إجراءات صارمة لكشف ملابسات جنحة قطع غير قانوني ل 36 شجرة صنوبر حلبي بإقليم الجديدة    توقيع اتفاق لإنجاز ميناء أكادير الجاف    مجلس المنافسة يكشف ربح الشركات في المغرب عن كل لتر تبيعه من الوقود    الدفاع الجديدي ينفصل عن المدرب    اليوبي يؤكد انتقال داء "بوحمرون" إلى وباء    فضيل يصدر أغنيته الجديدة "فاتي" رفقة سكينة كلامور    افتتاح ملحقة للمعهد الوطني للفنون الجميلة بمدينة أكادير    هل بسبب تصريحاته حول الجيش الملكي؟.. تأجيل حفل فرقة "هوبا هوبا سبيريت" لأجل غير مسمى    أنشيلوتي ينفي خبر مغادرته ريال مدريد في نهاية الموسم    المجلس الحكومي يتدارس مشروع قانون يتعلق بالتنظيم القضائي للمملكة    ندوة بالدارالبيضاء حول الإرث العلمي والفكر الإصلاحي للعلامة المؤرخ محمد ابن الموقت المراكشي    المبادلات التجارية بين المغرب والبرازيل تبلغ 2,77 مليار دولار في 2024    الغازوال والبنزين.. انخفاض رقم المعاملات إلى 20,16 مليار درهم في الربع الثالث من 2024    مطالب برلمانية بتقييم حصيلة برنامج التخفيف من آثار الجفاف الذي كلف 20 مليار درهم    تشيكيا تستقبل رماد الكاتب الشهير الراحل "ميلان كونديرا"    انفجار في ميناء برشلونة يسفر عن وفاة وإصابة خطيرة    المؤتمر الوطني للنقابة المغربية لمهنيي الفنون الدرامية: "خصوصية المهن الفنية أساس لهيكلة قطاعية عادلة"    في حلقة جديدة من برنامج "مدارات" بالاذاعة الوطنية : نظرات في الإبداع الشعري للأديب الراحل الدكتور عباس الجراري    إيلون ماسك يثير جدلا واسعا بتأدية "تحية هتلر" في حفل تنصيب ترامب    ترامب يوقع أمرا ينص على انسحاب الولايات المتحدة من منظمة الصحة العالمية    ترامب: "لست واثقا" من إمكانية صمود اتفاق وقف إطلاق النار في غزة    المغرب يدعو إلى احترام اتفاق وقف إطلاق النار في غزة    الإفراط في اللحوم الحمراء يزيد احتمال الإصابة بالخرف    وفاة الرايس الحسن بلمودن مايسترو "الرباب" الأمازيغي    دوري أبطال أوروبا.. مواجهات نارية تقترب من الحسم    ياسين بونو يتوج بجائزة أفضل تصد في الدوري السعودي    علماء يكشفون الصلة بين أمراض اللثة وأعراض الزهايمر    القارة العجوز ديموغرافيا ، هل تنتقل إلى العجز الحضاري مع رئاسة ترامب لأمريكا … ؟    المجلس العلمي المحلي لإقليم الناظور يواصل برامجه التكوينية للحجاج والمعتمرين    دراسة: التمارين الهوائية قد تقلل من خطر الإصابة بالزهايمر    ثمود هوليود: أنطولوجيا النار والتطهير    الأمازيغية :اللغة الأم….«أسكاس امباركي»    ملفات ساخنة لعام 2025    أخذنا على حين ′′غزة′′!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



صورة حقوق الإنسان في المغرب على ضوء التقارير الحقوقية الدولية

إن التقارير الدولية التي تنجزها المنظمات الحقوقية الدولية المتخصصة في مجال حقوق الإنسان والتي تتعاطى مع الإشكالات المطروحة في المجال الحقوقي بغية إثارة الانتباه إليها وضرورة تفادي ما ينتج عنها من تبعات، وذلك من خلال متابعة هذه التقارير لتطور وضعية حقوق الإنسان بالمغرب وتسليط الأضواء على الإرث السيء للانتهاكات من قبيل الاختفاء القسري والتعذيب والتضييق على حرية التظاهر وعلى حرية تأسيس الجمعيات وغياب ضمانات المحاكمة العادلة ...
وهو الأمر الذي استوجب إحياء الرغبة في التقدم في مجال إقرار حقوق الإنسان، وإنعاش النقاش وتجديده حول دولة القانون.
ولعل كلمة المرحوم الحسن الثاني في خطاب 18 مايو 1990 عند إحداث المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان زكت هذا الطرح، حيث يقول فيها ” هذا هو عملكم وهذه هي مهمتكم، هي أن تغسلوا للمغرب وجهه لأنه لكل سبب تأتي منظمة العفو الدولية وتمارس علينا الرقابة وكأننا لا زلنا تحت الحماية” هذه الكلمات تعكس الإصرار الواضح على ضرورة ترجمة المتغيرات التي عرفها العالم، عند نهاية الثنائية القطبية، والدخول في حقبة جديدة شهدت فيها حقوق الإنسان نقلة توعية، فرضت اهتماما خاصا بهذه الحقوق التي تمت دسترنها ضمن تصدير الدستور بناء على التعديلات التي شملت هذا الأخير بتاريخ 4-09-1972، بإضافة فقرة تشير إلى تشبت المغرب بحقوق الإنسان كما هو متعارف عليها عالميا ” هذه الفقرة نفسها تم الحفاظ عليها في دستور 1996.
وبفضل هذا التصدير استطاع المشرع الدستوري بالمغرب أن يضيف إلى الدستور إمكانية :
- إدماج النصوص الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان ضمن القانون العام المغربي.
- إغناء مفهوم حقوق الإنسان داخل النظام القانوني المغربي .
هذه التطورات والإشارات القوية، ساهمت في تعميق الوعي بحقوق الإنسان، الشيء الذي يسهل التقاطها في بداية العهد الحقوقي للملك محمد السادس لأجل توطيد الأرضية لمسار جديد تود المملكة خوض غماره، حيث تم الإعلان عن العديد من الخطوات الإصلاحية الهامة من جملتها السعي الجاد إلى تعديل وملاءمة العديد من القوانين الداخلية مع المواثيق الدولية الخاصة بحقوق الإنسان والحريات العامة.
كما أعلن الملك في خطاب العرش بتاريخ 30 يوليو 1999، “إقامة دولة الحق والقانون وصيانة حقوق الإنسان والحريات الفردية والجماعية”، وعلى هذا الأساس عمل الملك بغية الطي النهائي لموضوع الانتهاكات والخروقات السابقة في مجال حقوق الإنسان على إنشاء “الهيئة المستقلة لتعويض ضحايا الاعتقال التعسفي والاختفاء القسري” للنظر في طلبات التعويض المقدمة لها من الضحايا، والتي ستشكل فيما بعد أرضية لتأسيس هيئة الإنصاف والمصالحة، الأمر الذي جعل العديد من المنظمات الحقوقية الدولية في تقاريرها تشيد بهذه الهيئة الشيء الذي جعل نبرة جل التقارير إيجابية في تغطيتها لبداية عهد الملك محمد السادس.
وإن كان الأمر فيما بعد عرف تطورات نسبيا تتسم بنوع من السلبية، حيث إن القطيعة التي كانت مأمولة مع ماضي النظام السياسي في انتهاكات حقوق الإنسان لم تحدث، فلا إرث الماضي تمت تصفيته بالشكل المتعارف عليه دوليا، ولا هيئة الإنصاف والمصالحة فتحت طريقا حقيقيا نحو المصالحة، كما أن خروقات وانتهاكات حقوق الإنسان ظلت قائمة.
ولتسليط الضوء على حقوق الإنسان في المغرب من خلال التقارير الدولية سوف نخصص الحديث عن بعض المنظمات الحقوقية الدولية غير الحكومية التي لها إسهاماتها ومكانتها في الدفع بتطوير المجتمعات على صعيد هذه الحقوق، نظرا لما لها من تأثير وصدى بالغ لدى الرأي العام داخل وخارج الدولة، وذلك عبر مجموع الانتقادات الموجهة إلى الأطراف المعنية أولا، والمطالبة المتكررة من أجل إقرار ديمقراطية حقيقية ثانيا، كل ذلك يتم بواسطة آلية الرصد والتتبع وكذا تنفيذ التزامات الدولة في مجال حقوق الإنسان وتأمين وجود حكومات ديمقراطية خاضعة للمحاسبة، ذلك أن الغاية من هذه التقارير تصب في هذا الإتجاه.
في نفس السياق ندرج نموذجا آخر لهذه التقارير ونخص بالذكر تلك التي تنجزها جهات حكومية رسمية من قبيل تقارير الخارجية الأمريكية، حيث أن من خصائصها أنها تتقاسم مع تقارير المنظمات غير الحكومية صفتي الانتظامية والدورية غير أنها تختلف معها في مسار توظيف خلاصات التقارير غير الموجهة أساسا إلى الرأي العام ولكن لصانعي القرار في ارتباط بأهداف؛ كربط تقديم المساعدات المالية بالتقدم الحاصل في مجال حقوق الإنسان.
هذه التقارير الصادرة عن جهات غير حكومية وجهات حكومية تمارس تأثيرها على بلادنا من خلال ما تصدره من تقارير ووثائق يتم نشرها لإثارة الانتباه للوضعية الحقوقية في المغرب، وسوف نتحدث عنها من خلال بعض التقارير التي تصدرها بعض التنظيمات الحقوقية الدولية غير الحكومية “أولا” على أن نتحدث عن بعض تقارير الخارجية باعتبارها تشكل نموذجا مهما للتقارير الحكومية المعنية بحقوق الإنسان”ثانيا”.
المحورالأول :
تجليات تراجع العمل بمبدأ حقوق الإنسان من منظور التقارير الدولية غير الحكومية
يمكن رصد أهم مؤشرات التراجع التي تسجلها التقارير الحقوقية الدولية للمنظمات غير الحكومية في مجالات سنجملها في استمرار أساليب التعذيب المتنوعة مع تزايد عدد الشكاوى من التعذيب والمعاملة المهينة حسب العديد من التقارير الحقوقية الدولية.
وكذا التضييق على حرية التجمع والتظاهر السلميين والعودة إلى المحاكمات غير العادلة خاصة بعد الحادي عشر من سبتمبر 2001، كما أشارت إلى ذلك منظمة هيومن رايتس ووتش في تقريرها حول أوضاع حقوق الإنسان في المغرب حيث سجلت تصاعد هذا النوع من المحاكمات لاسيما بعد تفجيرات الدار البيضاء في 16 مايو 2003، مما أدى إلى التأثر البالغ لحقوق الإنسان، وتراجع الحريات المدنية والسياسية بشكل كبير في سياق مكافحة الإرهاب خاصة بعدما أقرت السلطات قانون رقم 03-03 المتعلق بمكافحة الإرهاب.
كما أنه من أهم التراجعات أيضا التي تسجلها التقارير الحقوقية الدولية ما تتعرض له حرية التعبير وخاصة الصحافة المستقلة والتي تتعرض لعدة مضايقات من خلال تسخير آلية القضاء لمحاولة تصفيتها وتشديد الخناق عليها.
لذلك ودون الدخول في تعداد ورصد المجالات التي تعرف إشكالات حقوقية تؤرق الدولة وتشكك في الحصيلة الحقوقية التي تسعى الدولة المغربية لجعلها إيجابية، فإنه من اللازم التأكيد على أن هناك آراء تقول بأهمية المبادرات التي أقدمت عليها الدولة وتثمين شجاعتها بالنظر لما يقع في المنطقة العربية وبقية العالم من انتهاكات وذلك على الرغم مما استنفد من مجهودات مادية ضخمة دون التوصل لنتائج ملموسة، إضافة إلى عدم ترسيخ مناخ وثقافة حقوقية بين جل أطراف ومؤسسات المجتمع بالبلاد.
بحيث إنه رغم كل ما بذل في هذا الباب إلا أن ثقافة حقوق الإنسان ما زالت لم ترق كمحدد من المحددات الرئيسية في تعامل المواطنين فيما بينهم، وفي تعامل السلطات ورجال الأمن مع المواطن الذي يخضع في أحايين كثيرة لعقلية التسلط التي تعتبر هي المسيطرة في ظل غياب ثقافة حقوق الإنسان واحترام شروط المواطنة الكاملة بما تتطلبه من حقوق شمولية ومسئولية كاملة.
كما نسجل أيضا من خلال التقارير الصادرة عن هذه المنظمات الدولية غير الحكومية المعنية بحقوق الإنسان، مجموعة من الانتهاكات التي تهم حقوق الإنسان بالمغرب نتيجة الانخراط المباشر لهذا الأخير في الجهود الدولية الرامية إلى مكافحة الإرهاب، ومن جملتها الاعتقالات خارج القانون، ففي تقرير لمنظمة العفو لدولية لسنة 2004 وصفت فيه مفهوم الإرهاب الوارد في القانون بكونه يتضمن تعريفا واسعا وغير محدد
. كما لاحظت المنظمة أن القانون المعني قد زاد من المدة القانونية المسموح بها لاحتجاز الأشخاص قبل عرضهم على جهة قضائية للنظر في حبسهم والذي يمكن أن يتم – أي الاحتجاز- دون تهم وإشراف قضائي لمدة 12 يوما في قضايا الإرهاب وهي مدة تزيد أربعة أيام عن الحد الأقصى السابق.
فالتوقيف المؤقت مددت فترته إلى اثني عشر يوما “3أيام يمكن تجديدها أربع مرات” إلى غير ذلك من أنواع التشدد الواضح للدولة، وعدم التسامح مع أي فعل تعتبره تهديدا للأمن العام وبالتالي نصل إلى أن الحديث عن التضييق على الحريات والحرمان من الحقوق لا يكاد يفارق مجمل التقارير الدولية المعنية بحقوق الإنسان، وهنا لابد أن نشير إلى أن قضية الصحراء في بعدها الحقوقي لم تسلم بدورها من هذه التقارير ونذكر على سبيل المثال تقرير منظمة العفو الدولية لسنة 2006، حيث انصب التقرير على الاحتجاجات لبعض المتظاهرين في الصحراء وتصدي الشرطة بعنف وتعاملها الصارم مع مثل هذه الأحداث، إذ اعتبر ذلك من قبيل الانتهاكات التي يجب على السلطات المغربية الكف عنها.
وأخيرا أقول إن ما تضمنته هذه التقارير الدولية من قوائم طويلة للانتهاكات المسجلة في مجال الحقوق والحريات تقدم صورة مناقضة لخطابات طي ماضي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، و مطلب المصالحة وتقديم ضمانات لعدم تكرار ما سبق أن وقع، غير أنه ومع ذلك تبقى لهذا النوع من التقارير أهميته، إذ قد تكون له غاية مفيدة تتمثل في تقديم توصيات أو بدائل للسياسات المتبعة أو تحويل التقرير إلى قوة اقتراحية لحل المشاكل المطروحة.
المحور الثاني :
حقوق الإنسان في المغرب من خلال التقارير الحكومية للخارجية الأمريكية إن التقارير الحكومية التي نقصد هنا، ما تعده الخارجية الأمريكية وفقا للقانون الأمريكي، وتكون على هذا الأساس ملزمة بان تقدم سنويا إلى كل من رئيس مجلس النواب ولجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ تقريرا مفصلا عن حالة حقوق الإنسان في الدول المدرجة ضمن البند “أ” من قانون المساعدات الخارجية الصادر سنة 1961، والذي يعني الدول التي تتلقى معونات من الولايات المتحدة،إلا أن هذه الأخيرة قد تلجأ إلى إعداد تقارير مماثلة عن حالة حقوق الإنسان في دول لا تندرج ضمن الفقرة “أ”، ويكون ذلك مندرجا في إطار أهداف واعتبارات سياسية مختلفة .
وعلى ذلك ونظرا لكون المغرب مشمولا بهذا البند، فإنه ظل معنيا بهذه التقارير ذات الصلة بحقوق الإنسان، خاصة مع مطلع التسعينات، حيث إنه في تقرير مقدم أمام الكونغرس يوم 13 ماي 1993 تم لفت الانتباه إلى أنه فيما ” يتعلق بحقوق الإنسان فإن الحكومة المغربية حققت بعض التقدم ...لكن هناك مجالات يعتبر فيها تحقيق مزيد من التقدم أمرا ضروريا “كالتعذيب وحرية الصحافة والمحاكمات غير العادلة...” وهنا لابد من التأكيد على أن جل التقارير اللاحقة كانت بمثابة نقلة نوعية “تقرير1995′′، إذ سجلت اعترافا أمريكيا بحصول تقدم مهم في مجال حقوق الإنسان.
كما ركز جزء آخر من التقارير على التركيز على المكتسبات في هذا المجال، وإن تم التشديد على تسجيل بعض الخروقات كما جاء ذلك في تضمين كتابة الدولة الأمريكية في تقريرها لعام 2002 حيث أكدت على أن هناك تجاوزات تقترفها الدولة ضد بعض الحقوق رغم إقرارها دستوريا”.
كما أن تقرير الخارجية الأمريكية لسنة 2004، لم يخرج عن إطار التقرير السابق، إلا أنه سجل أن تطور حقوق الإنسان سار بشكل متفاوت بين المجالات؛ بمعنى آخر أن هناك ميادين يشملها تقدم بخصوص احترام حقوق الإنسان،وأخرى ما زالت بحاجة إلى مجهودات متواصلة خاصة أن المغرب سجل تراجعا في إنجازات حقوق الإنسان،وفي هذا الخضم وجه تقرير الخارجية الأمريكية الصادر في 11 مارس 2008 حول حقوق الإنسان في المغرب، انتقادات إلى القضاء المغربي واعتبره خاضعا للتأثيرات الخارجية، على الرغم من أن الدستور ينص صراحة على استقلالية القضاء المغربي ويؤكد على أن المحاكم لا تتمتع بالاستقلالية من الناحية المهنية.
ويضيف التقرير أيضا أنه إذا كان الدستور ينص على حرمة المسكن وعدم الحق في إخضاعه لتفتيش إلا بإذن من النيابة العامة، فإن الممارسة أظهرت “خاصة في قضايا الإرهاب أنه تم اللجوء إلى اقتحام البيوت من طرف عناصر الشرطة دون الإفصاح عن هوياتهم، وبدون الإدلاء بمذكرات النيابة العامة”.
غير أن هذا التراجع المسجل على مستوى هذه التقارير الحكومية الأمريكية، خاصة بعد الحادي عشر من شتنبر 2001، جعل إدارة بوش تسعى إلى مكافئة المغرب بدل معاقبته، حيث إن الإدارة الأمريكية دفعت سنة 2003 منحة قدرت بملايين الدولارات لمساعدته في الحرب التي تدعي ضد الإرهاب، الأمر الذي يدعو للاستغراب، ذلك أنه في الوقت الذي يمنح المغرب هذه الأموال فإنه في الوقت نفسه يسجل ارتدادا عن حمية الحقوق المدنية والحريات الفردية.
وهنا تكمن قيمة التقرير بالنسبة للإدارة الأمريكية،نظرا لكونه يعكس الموقف الذي تتبناه الخارجية الأمريكية إزاء دولة معينة، فإذا كانت هذه الأخيرة تسعى إلى دعم سياستها إزاء هذه الدولة أو تلك،فإنها تعد التقرير على نحو يختلف في نبرته، وإن لم يختلف بالضرورة في مضمونه، كما هو الحال بالنسبة للعديد من التقارير السنوية المتعاقبة حول وضعية حقوق الإنسان بالمغرب .
وإذا كان تقرير الخارجية الأمريكية ينتهي دائما بخصوص مختلف الحقوق المدنية،السياسية، الإجتماعية، الاقتصادية والثقافية، إلى خلاصة أساسية مفادها أن ممارسات السلطات التنفيذية والقضائية والأمنية تأتي في الغالب مناقضة لما تنص عليه المرجعيات “الدستور والتشريعات الوطنية”، فإن تقرير 2004 لم يعمد إلى النظر إلى هذه الممارسات من زاوية المواثيق والعهود الدولية التي صادق عليها المغرب.
ولعل ذلك يجد تفسيره في موقف الإدارة الأمريكية التي اختارت هي نفسها عدم التصديق على العديد من المرجعيات الدولية ذات الصلة بحقوق الإنسان، كما أن الإشكال السياسي الذي يطرح، يأتي في سياق خاص يتميز داخليا بغياب طرف رسمي فعال، ومعني مباشر بالحوار مع مختلف الجهات الأجنبية بعدما تم إلغاء وزارة حقوق الإنسان وتعطيل دور المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان في العديد من المواقف والمحطات.
كما يلاحظ أيضا أن هذه التقارير يعتريها الالتباس وتنقصها الدقة في المعطيات، غير أن ذلك لا يمنع من القول إنها تستند بنسبة كبيرة إلى الوقائع المغربية والتقارير التي سبق أن أصدرتها منظمات وجمعيات وطنية ودولية.
الخاتمة :
هكذا وتدعيما لثقافة المواطنة وحقوق الإنسان ومن أجل ضمان احترام الحقوق والحريات، فإنه يجب العمل على تطوير خطط وآليات العمل في هذا المجال حتى نتمكن من متابعة تنفيذ وتفعيل التوصيات والمقترحات الصادرة عن هيأة الإنصاف والمصالحة، خاصة الجوانب المتعلقة بإصلاح الترسانة القانونية وإعمال مقتضيات الاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب في مجال حقوق الإنسان، وإعادة هيكلة الأجهزة الأمنية نحو تحقيق حكامة أمنية، ومواصلة انخراط البلاد في المنظومة الحقوقية الدولية.
ثم السعي إلى بلورة خطة وطنية للنهوض بحقوق الإنسان وإعداد ميثاق للمواطنة يتيح دمج البعد الديمقراطي وحقوق الإنسان في آن واحد،وذلك في إطار التزام المغرب بإعمال التوصية الصادرة عن الندوة الدولية حول حقوق الإنسان التي انعقدت بفيينا سنة 1993، والقاضية بحث الدول على صياغة خطة لتعزيز وحماية حقوق الإنسان.
وتتمثل أهداف الخطة في مرافقة الحكومة باعتبارها داعمة للخطة، لمنظمات المجتمع المدني في الأنشطة الرامية إلى تقوية المؤسسات الوطنية العاملة في مجال حقوق الإنسان ومتابعة التصديق على الاتفاقيات الدولية، وملاءمة التشريعات الوطنية مع المعايير الدولية . كما تهدف الخطة أيضا إلى رد الاعتبار للدور الفعال الذي تؤديه حقوق الإنسان في التنمية الوطنية، وتحسين وضعية المجموعات الهشة بالبلاد.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.