اختير الفنان التشكيلي المغربي، محمد البندوري، لتمثيل المغرب في ملتقى القافلة للفن التشكيلي، الذي تحتضنه مدينة جازان بالسعودية، من 7 يونيو الجاري، إلى غاية نهاية شهر شتنبر المقبل.محد البندوري ويهدف الملتقى، الذي يشارك فيه مجموعة من الفنانين العرب، حسب بلاغ صحفي للمنظمين، إلى تشجيع التبادل الثقافي بين السعودية وباقي الدول العربية، وتمكين الفنانين التشكيليين السعوديين من الاستفادة من خبرات كبار الفنانين العرب، الذين يمثلون مختلف المدارس التشكيلية، لأن مثل هذه الملتقيات، حسب البندوري، توفر فرصا للاحتكاك بالآخرين، والانخراط في الثقافات المختلفة، وخلق مجال للمحاورة بين التجارب والخبرات ومحاكاة فلسفة أعمال الخبراء في المجال التشكيلي وولوج الفضاءات العالمية الكبرى للعروض. في هذا الحدث الفني، الذي يجمع ألمع التشكيليين العرب، يشارك البندوري بلوحات فنية تجمع بين لعبة التخييل، وبلاغة الحروف، من خلال سعيه إلى تحديد رؤية جمالية وسمت هامشه الفني، موثرا العلامات البصرية للخط العربي، بوصفها قيمة جمالية تستجيب لعملية الخلق والإبداع اللامحدودين. عن علاقته بالحرف العربي يقول البندوري، الحاصل على شهادة في الدراسات العليا المعمقة (الماجستير) في جمالية الخط العربي والمغربي، "يشكل الخط المغربي قوة باطنية وقاعدة انطلاق رئيسية تحطم فضاء اللوحة، والتشكيل بكل تراكماته ومكوناته صرح رصين يمد ظلاله في أفق لامتناه، في خضم هذه المقاربة أبني المزيج الذي يتأسس عليه فضاء اللوحة". ويضيف "تجربتي مع الخط المغربي طوال سنين مضت وارتباطي الوجداني بمجال التشكيل جعل من تلك المقاربة وسيلة إبداع تكسر الفضاء الأبيض، يشكل فيه البحث الجاد في التراث المغربي وفي الحرف المغربي بفروعه الستة محورا لخلق مساحة يتألق فيها هذا الحرف، ويتجود بأساليب التقارب والتناوب بين الحرف واللون في فضاء يعتمد أبعادا تصورية يشكل فيها عنصر الرمز والحرف المغربي قيمة مضافة وأسلوبا جديدا في التوظيف"، مشيرا إلى أن جمالية الحرف المغربي باستداراته الرائعة أجمع عليها عمالقة الفن في العالم، واعتبروه من أجمل الحروف العالمية، كما أن عشقي له نما إثر توظيفه مع اللون وإثر مغازلته ثقافيا وتاريخيا في إطار علاقة وجدانية فرضها الواقع والتاريخ والأصل والنبع الحضاري. إنه إجلال لما صنعه الأسلاف على مر التاريخ المغربي. الخط العربي لم يعد ذلك الحرف الكلاسيكي، الذي تخط به الكلمات لتأدية معنى كلام معين، بل أصبح من أرقى وسائل التعبير التشكيلي في العالم، إنه يحتوي على رموز وأشكال في مدلولاتها العميقة، تتطور باستمرار، إذ تمزج باللون فتفصح عن خبايا عدة يختزلها الواقع. بهذا الأفق الجمالي للحرف العربي، الذي أثار دهشة الفنان العالمي بيكاسو الذي قال إن "أول نقطة حاولت الوصول إليها وجدت الخط العربي سبقني إليها منذ زمن بعيد "إنها دلالة على أبعاد وعمق الخط العربي، بل وشهادة من هذا الفنان الأسطوري في مجال الفن التشكيلي في إدراكه لبعض مكنونات الخط العربي. عن تجربة البندوري الصباغية، تقول الكاتبة المغربية نجاة الزباير، في كتابها "فواكه الصرخة"، "محمد البندوري، هذا الفنان التشكيلي الذي يقرأ الواقع بأصابع روحه، ويشعل مصابيحه ليسري نورها بين أوردة الجمال، وكأنه يزف لوحاته في عرس وجودي وحده يملك صولجانه. يركب فوق حصان التراث، بين يديه رغيف الحرية، ويشد السفر نحو عوالم الذات، إذ تبدو الأشياء قطيعا من جمر، يؤسس لها مملكة تتدفق في دمها؛ نبوءات تنزع عن الكون أقنعتها.لا يسمع غير هذه اللغة المتجذرة في الموروث الثقافي المغربي على الخصوص. رغم ثقافته، التي منحت لمعارضه في البلدان العربية والأوروبية أيقونة التميز". وتضيف الزباير،"خرج هذا الفنان التشكيلي من بين سعف النخيل، رادما مسافات البوح بلغة تفتح صدرها للجمال، يتنفس تفاصيل الأشياء، ويحرث أرضا يدق وتد التميز فيها، ممسكا بأيقونة المستحيل، حيث ينطلق في براري الكلام المنساب من بين فرشاة أنفاسه ظلالا وألوانا مشبعة بالدفء، تتخللها نسائم تستمد من قوس قزح صخبها الرائع، ومن الشمس لطفها... لوحاته قوافل محملة بالزهر والغبار والماء والضياء، وبين سَاقَيِ الحضارة يهوي لابسا سيمياء الأرض، بدهشة طفولية تتهجى بين شفتي الوجود حبوها. يوقد مهجته سراجا للفن الأرقى، إذ تنمحي نرجسية الخطاب، معانقا فراشات الحلم التي لا تركن لغير أشجار الياسمين...نصغي لنبضه الماطر ألوانا ممزوجة بعطر الشمس، وسنستظل بحكاياته قرب نوافذ الفرح، حيث يصنع الوطن حضوره البهي. محمد البندوري، هو هذا الفنان الكوني الذي يشعل ذاكرتك بأسئلة، تركض فيها أسماء وتجارب سرعان ما تتجاوزها من خلال الغوص في أبعاد فرشاته، التي تستند إلى الحضارة المغربية، المتجسدة في تجريد الحرف كعلامة بارزة في أعماله المتفاعلة مع الفن الحديث، خالقا تنوعا فريدا في لوحاته المشبعة بفلسفة خاصة تضم الإنسان". يذكر أن الفنان المغربي محمد البندوري، الذي يشغل منصب رئيس الرابطة العصامية للفنون التشكيلية والخط العربي، وعضو الجمعية الأوربية فن بلا حدود، وعضو ممارس بدار الفنانين التشكيليين بفرنسا، عضو هئية "أكريوم" التشكيلية بأوربا وعضو هئية أرت ستي للفنون التشكيلية بفرنسا، شارك في عدة مهرجانات محلية ودولية في مصر، وفرنسا، وإسبانيا، وبلجيكا، والبرتغال. وترجمت الهيئة الدولية "أرت ماجور" فلسفة أعماله إلى خمس عشرة لغة، كما نال جائزة الهيئة الدولية للحفاظ على التراث الحضاري الإسلامي باسطنبول، وشهادة الاستحقاق الرتبة الأولى من "أرت سيتي" بباريس، من خلال توظيف الخط المغربي في اللوحة التشكيلية، وجائزة ملتقى دبي بمركز سلطان العويس، وجائزة مهرجان الطائف، وجائزة "كوب سات" بباريس.