ارتبط تخليد فاتح ماي عيد الشغل بالتظاهرات والمسيرات، والوقفات الاحتجاجية والمهرجانات الخطابية، التي تسهر على تنظيمها النقابات باعتباره مناسبة لطرح مشاكلها العالقة و الحديث عن ملفها المطلبي وفرصة للتعبير عن هموم الشغيلة وتطلعاتها ورؤيتها بخصوص ملف التشغيل و الحوار الاجتماعي.واد اللكوس الذي يلجأ له السكان هروبا من المأساة وإذا كانت شغيلة القصر الكبير لا تخرج عن هذه القاعدة في تلبية نداء نقاباتها بمختلف توجهاتها،. فإن الغالبية العظمى من المواطنين يفضلون قضاء هذا اليوم، بعيدا عن المدينة والارتماء بين أحضان الطبيعة، لقضاء لحظات ممتعة في جو نقي ومناظر خلابة. لكن سرعان ما تتحول لحظات المتعة هذه إلى مآسي بالنسبة للبعض منهم. فاتح ماي متعة زائلة جرت عادة سكان مدينة القصر الكبير، ومنذ سنين عديدة، الاحتفال بهذا اليوم ليس عيدا للشغل، ولكن يوما للتنزه والترفيه، باعتباره أحلى أيام فصل الربيع. فمنذ الساعات الأولى من الصباح، يهجر السكان مساكنهم الإسمنتية ويشدون الرحال إلى عدد من القرى والمناطق الخلابة نواحي القصر الكبير مثل: غرسيا، الخضاضرة، سد وادي المخازن، وادي اللكوس... فاتح ماي لا مجال للحديث عن الخصوصيات، ولا تجد الأسر حرجا في أن يجري اصطحابها من طرف أحد الأقرباء أو الجيران لقضاء يوم ممتع في مكان خلاب. ثلاث إلى أربع أسر تتفق في ما بينها على مكان التنزه و أجرة النقل ولوازم الرحلة، ناهيك عن تحديد مهمة كل فرد في الأسرة، تقول سعيدة للمغربية:" قبيل ثلاثة أشهر، اتفقت مع عدد من أفراد عائلتي على الخروج فاتح ماي إلى إحدى القرى المجاورة وكل أسرة كلفناها بإعداد وجبة معينة...". خلال هذا اليوم تشهد المدينة حركة سير مكثفة، سيارات النقل المزدوج وسيارات الأجرة، والعربات المجرورة بالخيول مصطفة هنا وهناك، و أصحابها يتنافسون في ما بينهم على نقل الركاب إلى وجهتهم المفضلة. يشهد وادي اللكوس ،حيث اختارت المغربية التوجه، أفواج الزائرين الذين يصلون بين الفينة والأخرى إما بواسطة وسائل النقل أو سيرا على الأقدام، خلالها التقت "المغربية" بإحدى الأسر وهي مكونة من أربع نساء، و ثلاثة أطفال وشابتين قالت إحداهما:" نحتفل كل سنة بفاتح ماي، نعد وجباتنا في الصباح الباكر، ونلتحق بوادي اللكوس القريب من منزلنا، حيث نقضي أوقاتا ممتعة هناك... لا يوجد من يزعجنا، وحتى المشاجرات التي تحصل بين البعض لا تؤثر فينا ولا تنغص علينا فرحتنا بفاتح ماي...". وكيف تؤثر المشاجرات والنساء يملأن الدنيا مرحا وطربا و "تقشاب" ، من خلال أهازيج وأقوال تعرف عند السكان ب" العيوع ". في العودة قابلت "المغربية" مجموعة مكونة من 11 طفلا دون سن 12، أغوتهم مياه الوادي وطبيعته الخلابة للقدوم والاستمتاع بمفردهم غير آبهين بمخاطر الطريق، ووعورة الوادي الذي يشكل الخطر الأكبر على حياتهم خصوصا أنهم يسبحون فيه بشكل عشوائي دون من يوجههم ولا حتى من يراقبهم، أو ينهاهم عن السباحة في أماكن خطرة. فاتح ماي مأساة دائمة لا يكاد يخلو فاتح ماي من حوادث وجرائم مؤلمة تحول متعة التنزه إلى مأساة حقيقية، إلا في السنوات التي تحول فيها الأمطار دون خروج السكان واستمتاعهم خارج المدينة. وعن سبب رفضها الخروج في فاتح ماي تقول أسماء ل "المغربية :" لا أفكر في التنزه في هذا اليوم رغم من أنني أحب المناظر الطبيعية كثيرا، وأفضل بدل ذلك قضاءه في البيت، لأنني خرجت مرات ومرات، و في كل مرة تقع حوادث مؤسفة تزرع الخوف في نفسي، ولا من يغيث ... كما أن هذا اليوم يشهد انفلاتا امنيا أكثر من الأيام العادية". مراد فيفسر عدم رغبته في التنزه كباقي الشباب في مثل سنه، بقوله أن فاتح ماي هو يوم "السيبة"، ينعدم فيه الأمن، ويغيب فيه احترام القانون، وتكثر فيه المضايقات، إذ يكون للبعض رغبة واستعداد قبلي للتشاجر بسبب أو دون سبب. أحداث طبعت في أذهان المواطنين إلى حد التشاؤم والتطير من أن فاتح ماي 2010 لن يحمل إليهم إلا غريقا أو قتيلا أو على الأقل جريحا، تقول إحدى المواطنات عند سؤالها عن استعداداتها لهذا اليوم:" فاتح ماي ... هذا الحماق... اليوم المخير في الدراري ها اتجينا اخبارو...". لم تكن هذه السيدة منظرة ولا عرافة، وإنما ما قالته راجع إلى تكرار وقوع الحوادث في كل فاتح ماي، وما هي إلا سويعات حتى عاد زوار سد وادي المخازن يحملون نبأ وفاة احدهم غرقا بالوادي نواحي الجماعة القروية جهجوكة، وهو رب أسرة يبلغ من العمر 25 سنة و أب لطفلين، إذ لقي حتفه بمجرد الغطس في إحدى الحفر بالوادي و تحت تأثير الكحول. يروي احد شهود عيان تفاصيل الحادث ل "المغربية بقوله:" قرابة الساعة الواحدة ظهرا، ذاع خبر غرق أحد الزوار، قدمت الوقاية المدنية ومنعت أي واحد من الاقتراب من الضحية، خلالها قامت فرقة الغطس بمحاولة انتشاله لكنها لم تجرؤ على الغوص عميقا، فطلبت مساعدة عدد من الأشخاص المعتادين على الغطس في هذا الوادي، حيث قام أزيد من 10 أشخاص، وأنا كنت واحدا منهم، في المساعدة على انتشاله، وهي عملية لم تكن بالسهلة...". بين متعة التنزه و مأساته، ينقسم سكان مدينة القصر الكبير بين من يصر على قضاء هذا اليوم كما جرت عادة سكان المدينة، وبين من يرفض الاحتفال بهذا اليوم على هاته الشاكلة ويحثون على منعه كي لا تقع حوادث مؤلمة، أو على الأقل نشر فرق أمنية وفرق الإنقاذ على أهبة الاستعداد لأي طارئ.