لم يعد إلقاء النفايات وتلويث البيئة مثيرا، بقدر ما أضحت المحافظة عليها وحمايتها أكثر إثارة، إذ يندهش المواطنون كل مرة يقوم بها المجلس البلدي لمدينة القصر الكبير بإزالة بعض النقط السوداءخاصة منطقة المرينة، أو بطلاء بعض الأسوار بالجير الأبيض، وتكون المفاجأة أكبر عندما يقوم عمال النظافة، في مناسبات معدودة، بكنس بعض أزقة الأحياء. يتمنى سكان القصر الكبير أن يتحول أسبوع الأرض والبيئة إلى مناسبة تتكرر أكثر من مرة في السنة، حتى يستطيع المجلس البلدي التخلص من النقط السوداء، التي تتنامى كل يوم، ومعالجة عدد من المشاكل البيئية المستعصية بالمدينة. ويعد احتفال المغرب بالذكرى الأربعين ليوم الأرض، من خلال أسبوع البيئة، في الفترة الممتدة من 17 إلى 24 أبريل الجاري، فرصة سانحة للوقوف على أهم المشاكل البيئية التي تعانيها مدينة القصر الكبير. نقط سوداء مع انطلاق أسبوع الأرض والبيئة، زارت "المغربية" عددا من الأحياء، حيث وقفت على مجموعة من النقط السوداء، التي تؤثر على عيش السكان في جو يتوفر على شروط البيئة السليمة، وتؤثر على جمالية الأحياء. وحدد تقرير مصلحة النظافة ببلدية القصر الكبير هذه النقط في 16 نقطة، توجد في كل من حي المناكيب، وممر السكة الحديدية بالمرينة، وسيدي الكامل، وشارع مولاي رشيد، والمعسكر القديم، وبلاد بقوش، وبلاد بن حدو، وبلاد السي عبد الله، وطريق الرباط، وقرب محطة الوقود، ووراء مدرسة ابن خلدون، ومدرسة الزرقطوني، وإعدادية المنصور الذهبي، وتجزئة حمزة. بالإضافة إلى حي المرينة، وأماكن متفرقة من حي السلام، والزكاكرة، ودوار زبيدة، وحافة المحفر، وأماكن متفرقة من حي العروبة. "جمعية البيئة والتنمية" بالقصر الكبير أوضحت ل"المغربية" أن 20 في المائة من السكان لا يستفيدون من عملية جمع النفايات، ما يؤدي إلى تكاثر النفايات. عن أسباب ذلك، يقول موظف بمصلحة النظافة ببلدية القصر الكبير "النقط السوداء كثيرة، وهذا يرجع بالخصوص إلى عدم وصول عمال النظافة إلى بعض الأحياء الحديثة، أو بسبب التأخر في إفراغ الحاويات، أو لعدم انضباط السكان مع أوقات مرور شاحنة جمع النفايات، إضافة إلى التصرفات اللامسؤولة لبعض السكان، الذين يفضلون إلقاءها بشكل عشوائي، ولغياب الوعي كذلك. وتقول فاطمة من دوار السي عبد الله، أن عمال النظافة يصلون إلى منطقتها، لكنها تفضل إلقاء مخلفات الخضر في بقعة أرضية، لتستفيد منها الماشية التي ترعى. وتسعى بعض هيئات المجتمع المدني، مثل ودادية النقاء بحي العروبة، تصحيح مثل هذه السلوكات التي تقوم بها فاطمة ونساء أخريات، من خلال تنظيم أيام تحسيسية، مثل الأيام البيئية، التي تنظمها منذ 16 أبريل الجاري. يقول رئيس الودادية "قمنا بإزالة النفايات الملقاة وراء سور كل من مدرسة بئر انزران، وإعدادية علال الوديي، وتجميعها في مكان خال، واتصلنا بالمجلس البلدي بهدف نقلها بعيدا عن المدينة، كما قمنا بتبييض السور ورسم الجداريات، في انتظار عملية تشجير رصيف المؤسستين، بعد ذلك قمنا بتنظيف أزقة الحي، بالإضافة إلى عملية تحسيس السكان حول مخاطر التلوث وطرق المحافظة على البيئة". قنوات مكشوفة جاء في تقرير للمجلس البلدي أنه جرى إنجاز الشطر الأول لتطهير السائل، بتكلفة مالية تقدر ب9.007.011 درهما، وترميم قنواتها ب 40.421.894، ومع ذلك مازالت بعض المناطق تعاني غياب قنوات الصرف الصحي، ووجود قنوات الصرف الصحي المكشوفة، إذ يعاني سكان دوار زبيدة، ودوار السي عبد الله، مشكل تصريف مياه الصرف الصحي، ووجود قنوات مكشوفة لا تبعد إلا بضع أمتار عن منازل السكان، حيث تصب مياه الصرف الصحي مباشرة في أراض فلاحية، ما ينجم عن ذلك من تلويث للتربة والنباتات والمواشي، التي ترعى فيها، ناهيك عن انتشار الروائح الكريهة، والأخطر من ذلك أن تتحول هذه القنوات إلى مرتع خصب للعب الأطفال الذين لا يجدون مكانا للهو. تقول نادية ل"المغربية"، وهي من سكان دوار السي عبد الله "يبعد منزلي بستة أمتار تقريبا عن قنوات الصرف الصحي المكشوفة، لذلك نعاني تكاثر الحشرات المضرة والروائح الكريهة طيلة اليوم، ورغم وجود أراض خضراء شاسعة، إلا أننا لا نستفيد منها، لأن مياه الصرف الصحي تخترقها، وإذا أردنا التنزه، نذهب لمناطق أخرى، ولو كانت بعيدة، وذلك رغبة في جو نقي وخضرة نضرة، ويزداد أمر هذه القنوات سوءا في فصل الصيف، إذ تكثر الحشرات وتزداد الروائح الكريهة". مطرح النفايات يوجد المطرح الوحيد لإفراغ نفايات مدينة القصر الكبير بدوار الصنادلة، التابع للجماعة القروية الزوادة، وإذا كان هذا المطرح يبعد عن المدينة ب 13 كيلومترا، فإنه في المقابل لا يبعد عن سكان الدوار إلا ببضعة أمتار، هذا الوضع يطرح أكثر من تساؤل حول شروط السلامة البيئية، وعن مدى تأثير النفايات على المياه، وعلى التربة والمزروعات وقطعان الماشية، التي ترعى فيها، وتشرب من عصارتها. سائق تاكسي قال ل"المغربية" إنه دُعي مرة إلى وليمة بإحدى القرى بهذا الدوار، وعندما تذوق قطعة لحم وجد فيها طعما غريبا، ومقززا، الشيء نفسه بالنسبة لمذاق الماء، موضحا أن ماشية دوار الصنادلة تتغذى بالنفايات، لذلك فإن وضعها الصحي غير سليم. هذه الشهادة تزيد من تعميق البحث حول هذا المطرح، وعن معايير اختياره، وعن أصناف النفايات الملقاة فيه، وحمولتها وطرق معالجتها، أسئلة يرد عليها موظف آخر بمصلحة النظافة بجواب صادم "المطرح غير مؤهل تماما لتُفرغ فيه النفايات، لأنه لا يتوفر على المعايير الخاصة بمطارح الأزبال، كما أن إفراغ النفايات يجري بشكل عشوائي دون معرفة حمولتها، ودون أي اعتبار لأنواعها، إذ يجري إفراغ النفايات المنزلية، والصناعية، والطبية، في المطرح دون تحليلها، ولنتصور مدى تأثيرها على السكان والتربة والمياه الجوفية، وعلى الماشية". وكان تقرير للمصلحة ذكر أن المطرح أصبح غير قادر على استيعاب كمية النفايات التي تطرح فيه يوميا. المناطق الخضراء لعل أهم ما يلفت الانتباه بمدينة القصر الكبير هو الغياب الكبير للمساحات الخضراء، ويتجلى ذلك في غياب الحدائق، التي يوجد بعضها فقط وسط المدينة، كذلك عملية التشجير التي لا تستفيد منها الأحياء. كما أن تصاميم التهيئة لم تراع الجانب البيئي، إذ مازال العمران يشهد وثيرة متسارعة على حساب المناطق الخضراء التي تختفي مع تشييد كل بناية. وأكدت جمعية البيئة والتنمية بالقصر الكبير أنه رغم العدد الكبير من التجزئات السكنية المرخص لها، فإن المساحات الخضراء لم تشهد أية زيادة، ولم تعرف هذه التجزئات أية مساحات خضراء. وحدات ملوثة حسب جمعية "البيئة والتنمية"، فإن أهم الوحدات الإنتاجية الملوثة للبيئة هي معمل السكر أثناء اشتغاله في فصل الصيف، حيث يعمل على نفت الغازات والروائح الكريهة، وتصريف المياه غير المعالجة إلى الوادي، ومعمل الحليب، الذي يقوم بتصريف نفاياته السائلة الملوثة في وادي اللكوس. كما يساهم معمل الأحذية في تلويث البيئة من خلال استعمال المواد الكيميائية. وتستعمل دار الدباغ مواد كيميائية، وتصدر روائح كريهة، بالإضافة إلى نفايات مجزرة القصر الكبير الناتجة عن عملية الذبح. كما تساهم الحمامات والأفرنة التقليدية وأفرنة الآجر، التي تستعمل العجلات المطاطية للتدفئة، في تلويث البيئة. تقول أحلام، مواطنة من القصر الكبير، ل"المغربية" إنها وسكان حي سيدي الكامل، يعانون بسبب استعمال احد الحمامات التقليدية ل "قشور الكوكاو"، ومخلفات النجارة، وعجلات السيارات، لتسخين الحمام، إذ تنبعث منها روائح كريهة ودخان كثيف، مضيفة أنها رفعت شكاية إلى المسؤولين، وعندما وقفت اللجنة على هذه المعاناة، أنذرت صاحب الحمام بإصلاحه، بإضافة أنابيب لنفت الدخان ترتفع عن مستوى المنازل، ورغم قيامه بتلك الإصلاحات، ما زالت تنبعث من الحمام روائح كريهة، بالإضافة إلى الحبيبات السوداء المتفحمة، بسبب عدم وجود شبكة تصفية.