بعد مرور نصف قرن على بداية التجارب الانتخابية في المغرب، ما زالت المشاركة النسائية في الحياة السياسية في حدود الرمزية. وعلى عكس ما كان مفترضا، تراجع عدد النساء في مجلس النواب الحالي، مقارنة مع سابقه، وبقي ضعيفا أمام الرجال. ولم يحصل تغيير جوهري لفائدة المرأة في خريطة الجماعات المحلية، ما يثير التساؤل حول قيمة المشاركة النسائية في السياسة العامة للبلاد. في عام 2002، أمكن انتخاب 35 امرأة، بالاقتراع المباشر، في مجلس النواب، المكون من 325 مقعدا، لكن العدد تراجع في انتخابات سبتمبر 2007 إلى 34 امرأة. ولا تدين المرأة بهذا التمثيل، الهزيل أصلا، إلا لمبدأ التمييز الإيجابي، واللائحة الوطنية، لتكون أربع برلمانيات فقط هن اللواتي تمكن من الصعود عبر المنافسة مع مرشحين رجال. كما لم تصل أي امرأة إلى رئاسة اللجان البرلمانية، على عكس البرلمان السابق، ووحدها الاستقلالية، لطيفة بناني سميرس، خرقت القاعدة، بحكم أقدميتها البرلمانية. أما في الجماعات المحلية، فإن وضع التمثيل النسائي أسوأ بكثير، رغم أن الجميع يلح على الدور المتميز للمرأة في العمل الميداني وفي سياسة القرب. مقابل الفقر في التمثيل النسائي في المجالين التشريعي والجماعي، ارتفع عدد النساء في الحكومة الحالية. لكن، هنا أيضا، يبرز الاستثناء، فالوزيرات لم يصلن جميعا إلى تلك المناصب عبر المراحل الطبيعية المفترضة في النظام الديمقراطي، من خلال القنوات الحزبية والانتخابية، بقدر ما خضع الأمر لإرادة سياسية، لإبراز دور المرأة، خاصة في المجالات الاجتماعية، وعكس صورة إيجابية عن المسلسل العام للإصلاحات. تعني هذه الحقائق أن الطريق غير سالك أمام المرأة للولوج إلى مركز القرار، ومن ثمة فإن الخلل يوجد في البنية الثقافية والسياسية برمتها، من زاوية النظرة الذكورية المتجذرة في المجتمع، من الأسرة، إلى مراكز القرار السياسي والاقتصادي، مرورا بالأحزاب، والنقابات، والجمعيات المهنية. فمن أبرز المؤشرات على أعطاب ولوج المرأة إلى مركز القرار السياسي، غيابها عن القيادة في التشكيلات السياسية، فبعد أزيد من نصف قرن على الاستقلال ، لم"يتشرف" أي حزب بوجود امرأة على رأسه، بصرف النظر عن استثناء، يؤكد القاعدة، مع ميلاد حزب "المجتمع الديموقراطي" في خضم الانتخابات التشريعية الأخيرة، الذي تعتبره "زعيمته" أول حزب نسائي بالمغرب. وتتفق التشكيلات السياسية حول حقيقة تهميش المرأة في العمل السياسي، بما يجعلها بعيدة عن مركز القرار، مع بعض الاختلافات بشأن العوامل الكامنة وراء هذا الواقع، والمطالبة بفسح المجال للمشاركة النسائية من خلال الكوطا، كوسيلة للتمييز الإيجابي في المرحلة الراهنة من التطور السياسي للبلاد. من الناحية القانونية، يشجع الدستور مبدأ المساواة بين المرأة والرجل، في ما يتعلق بالولايات، والوظائف الانتخابية، إلا أن الدستور نفسه لا يعطي أي ضمانة محددة لضمان هذه المساواة وتحقيقها. أما قانون الأحزاب، الذي جاء في فترة يفترض أن درجة الوعي بتهميش المرأة سياسيا وصلت إلى مستوى عال، فجاء خاليا من أي آلية عملية لتغيير واقع، يجمع الخطاب الرسمي والحزبي والنسائي والحقوقي على أبعاده السلبية، على المستوى السياسي والاجتماعي والتنموي عموما، للبلاد. ووردت في قانون الأحزاب مادة يتيمة، تقول إن على الحزب أن ينص في نظامه الأساسي على نسبة النساء والشباب الواجب إشراكهم في الأجهزة المسيرة للحزب، دون تحديد لهذه النسبة. ومن باب المفارقة، أن غياب المرأة عن مراكز القرار، أو على الأقل صعوبة الولوج إليها، يستمر، بينما حضورها قائم في كل مجالات الحياة العامة، في الدراسة والتكوين، وفي العمل، بالمدن والبوادي، بما يعني وجود تفاوت كبير بين المستوى العالي لمساهمتها في الإنتاج، ودرجة مساهمتها في صنع القرار، باعتبارها تمثل نصف المجتمع. إن مشاركة المرأة في تدبير الشأن العام وصنع القرار ليست ترفا، بقدر ما هي ضرورة سياسية، بقوة المرجعية القانونية، وبالمنطق الحسابي لمتطلبات التنمية.