بعد المشاكل والصراعات، التي مر منها اتحاد كتاب المغرب، وعطالته الثقافية، التي امتدت لشهور، وفي انتظار عقد المؤتمر المقبل للاتحاد، يبدو أن الأعضاء المتبقين في المكتب التنفيذي لاتحاد كتاب المغرب، فضلوا الاشتغال وتجاوز كل العقباتالمفكر كمال عبد اللطيف كان أول لقاء ثقافي ينظمونه هو اللقاء الاحتفائي والتكريمي للكاتب والمفكر، كمال عبد اللطيف، الذي يرجع له الفضل في جمع شتات الاتحاد وفي هندسة مجلسه الإداري الأخير، وتدبيج العديد من الأوراق الثقافية والبيانات العامة في مؤتمراته، وهو اللقاء الذي احتضنت فعالياته، الأسبوع الماضي، المكتبة الوطنية للمملكة المغربية، بعدما تعذر تنظيمه في المعرض الدولي السادس عشر للنشر والكتاب، بسبب مقاطعة الاتحاد وهيئات ثقافية أخرى، ومجموعة من الكتاب، لأنشطة المعرض، بسبب تراجع الوزارة عن منح تعويضات للكتاب عن الأنشطة التي يشاركون فيها بالمعرض. وكان هذا الحدث، أيضا، فأل خير على الاتحاد، الذي وقع في اليوم نفسه، اتفاقية تعاون بينه وبين المكتبة الوطنية. شارك في هذا اللقاء الاحتفائي، الذي حضره وزير الثقافة، بنسالم حميش، والوزير المكلف بالعلاقات مع البرلمان، إدريس لشكر، ومجموعة من الباحثين والمثقفين من أصدقاء كمال عبد اللطيف، كل من سعيد بنسعيد العلوي، وعبد الله ساعف، وعبد السلام بنعبد العالي، وعبد الإله بلقزيز، ونور الدين أفاية، ومحمد وقيدي، ونجيب العوفي، فيما تعذر على سالم يافوت الحضور بسبب ظروف صحية، وفضل حسن نجمي تقديم شهادته مكتوبة للجنة المنظمة، وعدم قراءتها رأفة بالمحتفى به، الذي عانى في الفترة الأخيرة من وعكة صحية شلت يده اليمنى عن الحركة، وجعلته يفكر، هو الإنسان المجتهد والمشتغل بكل حدب، على تدريب يسراه على ما كانت تقوم به يمناه، وهو ما عبر عنه، من خلال نص أدبي جميل عنونه ب" اليد الأخرى من مواجع الدماغ المسلية"، اعترف فيه بأنه كان يجهل الوظائف الكبيرة، التي تقوم بها اليد، ولم يعرف قيمتها إلا حينما توقفت يده اليمنى عن الحركة وسقط القلم من بين أنامله، ولم يستطع التقاطه، وأدرك التمييز الذي كان يقيمه بين اليمنى، التي تقوم بالدور الكبير، واليسرى، التي توظف عند الحاجة. أجمعت كل المداخلات والشهادات، التي قدمت حول المفكر كمال عبد اللطيف، على إنتاجه الغزير وعطائه المتجدد، ودوره الفعال في تحديث الفكر العربي، ومساره المضيء، الذي جعل منه أحد رموز الفكر العربي، المساهم في صوغ أسئلة الفكر والفلسفة العربيين درسا وتدريسا، والذي يتقاطع في انشغالاته، كما جاء في كلمة الاتحاد، التي تلاها عبد الرحيم العلام، نائب الرئيس، الخطاب الإصلاحي، والمرجعيات السياسية، والخطاب الفلسفي العربي، وأسئلة النهضة العربية، وتطوير الخطاب السياسي العربي. وأضاف العلام أنه اشتغل بشكل متواصل على مفهوم الحداثة، منذ كتابه"سلامة موسى وإشكالية النهضة"، إلى كتابه الأخير "أسئلة الحداثة في الفكر العربي"، مرورا بالعديد من أبحاثه الرصينة، التي بوأته مكانة رفيعة في المشهد الثقافي العربي، وجعلته يحفر لنفسه مكانة خاصة في الفكر العربي، ما أكسبه ثقة العديد من الجهات، ودفعها إلى تكليفه بإنجاز تقارير دقيقة وجادة حول التنمية والمعرفة، وغيرها من المواضيع. سعيد بنسعيد العلوي، الذي تجمعه علاقة صداقة بكمال عبد اللطيف تمتد لأربعين سنة، ذكر أن أول شيء أبدع فيه كمال عبد اللطيف هو إقباله على درس الفلسفة اليونانية، وعلى درس الأنطروبولوجيا مع كلود ليفي ستراوس، ودرس العقد الاجتماعي والفلسفة السياسية الحديثة. وأشار إلى أن من يقرأ لعبد اللطيف يجد ثلاث كلمات تتردد وهي: الليبرالية، والعلمانية، والحداثة. ومن جهته اعتبر عبد الله ساعف مسار كمال عبد اللطيف دالا جدا، وصورة عن الحياة الثقافية بالمغرب، وأنه جزء دال عن جيل بكامله، عبر ما كتبه، وعبر مواقفه وممارساته، وأشاد بخصاله النبيلة، فهو، كما قال، مثقف خدوم، وكتوم، ونصوح، وتحفظ حول لفظ التكريم، واعتبر اللقاء بمثابة تحية لهذا المفكر المغربي المجد. لا يمكن الحديث عن كمال عبد اللطيف دون الحديث عن خصاله، فرغم محاولة عبد السلام بنعبد العالي الانفلات من هذا الجانب، فإنه يجد نفسه مستعرضا خصاله النبيلة وإقباله الكبير على الحياة، وابتسامته الدائمة، وحرصه على القول أنه أصغر أبناء جيله جميعا. وبلغة جميلة، تحدث عبد الإله بلقزيز عن عشرين سنة من الصداقة، التي جمعته بكمال عبد اللطيف، ونوه بأبحاثه، ولكنه في الوقت نفسه وجه له مجموعة من الملاحظات حول اهتمامه ببعض الكتاب العرب، وعدم التفاته إلى المغاربة، رغم أهميتهم، وعبر عن امتعاضه من ذوقه الموسيقي والشعري، وحمد الله أن كمال عبد اللطيف لا ينشر دواوين شعرية. أما نور الدين أفاية فاستهل شهادته بتوجيه السؤال للنخب السياسية والثقافي، التي لا تحتفي بأبنائها إلا بعد الفقدان، وأشار إلى أن التفاتة اتحاد كتاب المغرب، اليوم، جديرة بأن توضع في دائرة الاعتراف بهذا الرجل المبدع، وأن هذا التكريم هو "تكسير لقاعدة الإنكار، والإسهام في الجهر الجماعي بعطاءات كتابنا وباحثينا، ويبدو أننا ما زلنا موزعين بين الخجل، والتشكيك، والعدوانيات الصغيرة في الاعتراف ببعضنا البعض". وأضاف أفاية، الذي تحدث بكثير من الحسرة والأسى، أنه في الوقت الذي مازال فيه المثقف المغربي ظاهرة حديثة عمرها نصف قرن، وما زلنا نعيش المرحلة العاطفية، كما قال عبد الله العروي، "نجد أن الوسط الثقافي يعاني من غياب آلية الاعتراف، وتسود فيه الأمزجة والحساسيات، وهو ما لا يمكن أن يخلق حالة ثقافية بالمغرب ولا أجواء صحية للثقافة". وفي نهاية هذا الحفل التكريمي، قدم اتحاد كتاب المغرب هدية للمحتفى به كمال عبد اللطيف، وهي عبارة عن لوحة تشكيلية للفنان والشاعر عزيز أزغاي، وقدم وزير الثقافة، بنسالم حميش، هدية رمزية له، وأخرى من طرف عميد كلية الآداب بالرباط، عبد الرحيم بنحادة. يشار إلى أن كمال عبد اللطيف، أستاذ الفلسفة السياسية والفكر العربي المعاصر بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط، شغل مناصب عدة، من بينها عضو تحرير مجلة "الثقافة المغربية"، ومسؤول التحرير في مجلة "الوحدة"، ومحاضر في العديد من المؤسسات والجامعات ومراكز البحوث داخل المغرب وخارجه. كما أن له عدة مؤلفات في التاريخ، والفكر العربي المعاصر من بينها: "التراث والنهضة: قراءات في أعمال محمد عابد الجابري"، و"أسئلة النهضة العربية التاريخ - الحداثة- التواصل"، و"أسئلة الفكر الفلسفي في المغرب"، و"درس العروي في الدفاع عن الفكر التاريخي"، و"العرب والحداثة السياسية"، و"قراءات في الفلسفة العربية المعاصرة"، و"صورة المرأة في الفكر العربي: نحو توسيع قيم التحرر"، و"مفاهيم ملتبسة في الفكر العربي المعاصر".