عرف اليوم ما قبل الأخير من أيام الدورة السادسة عشرة من المعرض الدولي للنشر والكتاب بالدارالبيضاء، انعقاد لقاء مفتوح حول موضوع "اختلالات المشهد الثقافي بالمغرب"، رتب له مجموعة من المثقفين المغاربة بشهور قبل انعقاد المعرض(ساوري) كما أشار الكاتب شعيب حليفي، لأن ما تعرفه الثقافة المغربية ويعيشه المثقفون في السنوات الأخيرة، هو علامة على خلخلة الدور الاعتباري والاستراتيجي للثقافة في المجتمع، وحان الوقت، كما قال حليفي ل"الانتفاض ضد السياسة الثقافية المتخلفة للوزارة الوصية، وسلوكها التدميري والانتهازي". وما زاد من حدة الأمر هو ما تعرض له المثقفون والكتاب المغاربة في المعرض، جراء امتناع الوزير عن منحهم تعويضات، مقابل تنشيطهم لقاءات ثقافية بالمعرض، والمس بوضعهم الاعتباري ككتاب. وفي كلمة تقديمية للقاء، ذكر الكاتب جمال بندحمان أن الثقافة، اليوم، تقترن بمفاهيم من قبيل الاستثمار الثقافي، والصناعة الثقافية، والاقتصاد الثقافي، والتنمية الثقافية، وهي مفاهيم تتطلب وجود رؤيا واضحة وإجراءات مضبوطة وتصور شمولي يجعلها ممكنة التحقق. وأشار إلى أن "المغرب ولا شك وهو يقرر سنة 1969 إنشاء وزارة الثقافة، كان يعي طبيعة الأدوار المنوطة بها، والوظائف التي يمكن أن تؤديها. وإذا كان هذا الوعي قد تحكمت فيه آنذاك، طبيعة الأسئلة التي كانت مطروحة، فإنه اليوم أصبح أكثر تركيبا وتعقيدا، ما ضاعف أهمية حضور الثقافي في قلب الإشكالات التي يعرفها المغرب". من جهته، تحدث الكاتب شعيب حليفي، عن التدبير الثقافي لوزارة الثقافة المغربية، الذي لا يستند إلى قواعد تصون الأخلاق والمبادئ والقيم، ولا تملك مرجعية قادرة على تشجيع الثراء والتنوع الثقافيين، ودعم المبادرات المحققة للتواصل والحرية. وقال إنه من حق أي مواطن مغربي الاستفادة ثقافيا من خدمات وزارة الثقافة، وبالتالي من حق المثقفين المغاربة، بالداخل والخارج، أن يحسوا بوجود جهاز ثقافي رسمي حقيقي، له مهام حقيقية تخدم الثقافة المغربية في كل تنوعاتها، وتتعامل مع الكتاب والمبدعين كأصوات مسموعة وفاعلة، وليس شيئا آخر تلجأ إليه. وأوضح حليفي، الذي شبه وزارة الثقافة بالجمعية، أنه بما أنها غير معنية بما يقوم به الكتاب المغاربة ولا بما يكتبون، فهم غير معنيين أيضا بما تفعله وزارة الثقافة ولا تعنيهم أنشطتها، ولا كل برامجها، ودعا كافة الكتاب المغاربة بالمغرب أفرادا ومؤسسات ثقافية، إلى مقاطعة وزارة الثقافة، والعمل على "تأسيس ثقافة مغربية نبيلة تخدم قضايانا العادلة، بعيدا عن التدجين الثقافي وكل الأمراض، التي تولدت جراء هذا العبث". ووجه الدعوة إلى اتحاد كتاب المغرب وفي كافة الفروع، إلى القطع مع تلك الشراكة الملتبسة، برأيه، مع الوزارة، التي تجعل من مؤسسة مثل الاتحاد في صورة المستجدي والعاجز عن فعل أي شيء دون وصاية. أما الكاتب رشيد الإدريسي فاستهل حديثه عن طبيعة النقد بالمغرب، وقال إنه "غالبا ما يحاكي السلطة السياسية، فتنتقل إليه كل أمراض هذه الأخيرة، من تكريس لأسماء بعينها دون غيرها، نقد يعتمد على القرابة السياسية، ويتحول أحيانا إلى ديكتاتورية تبقي على أسماء متربعة على "كرسي الإبداع" إلى أن تفارق الحياة، كرجل السياسة الذي يمكث في الحزب أو المنصب إلى آخر رمق. تبعات هذا السلوك نعرفها على مستوى السياسة، أما على مستوى الأدب فتترجم إلى تفقير للساحة الثقافية، وتسطيح للإبداع وإشاعة الإحباط الناتج عن عدم تشجيع الطاقات الواعدة ووأدها في المهد. بتعبير آخر نقول إن النقد لدينا يتحول بفعل هذه الخصائص إلى نقد "الكبار" لل "الكبار"، أما "الصغار" فمصير الكثير منهم الوقوف في منتصف الطريق". الكاتب عبد اللطيف محفوظ، آخر متدخل، ركز على موضوع النشر والتوزيع، وقال إنه تتويج للاختلالات البنيوية المرتبطة بالقطاع، المتمثلة في الأشكال الثلاثة الممكنة، إذ ربط الشكل الأول بالتمويل الذاتي للكتاب، مع الالتجاء إلى مؤسستي النشر المعروفتين سابريس وسوشبريس، علما أنهما لا توزعان الكتاب المعرفي إلا بشروط أغلبها غير موضوعي. وفي حالة التوزيع، فإن التكلفة تكون باهظة بالنسبة للمؤلف، كما أنهما تتعاملان مع الكتب بمنطق التعامل مع الصحف، الشيء الذي يجعل الكتاب كأنه لم يوزع. ومن ثمة، تكون المرجوعات هائلة، مع كونها في حالة مهينة، لا تصلح حتى للعرض في "الجوطيات". أما الشكل الثاني فيتمثل، كما قال، في اللجوء إلى دور نشر معروفة أو فتية، التي في حالة قبولها إنتاجات الكتاب، فإنها لا تسوق الكتاب إلا في أمكنة محدودة جدا وليس بكل المدن الرئيسة، وبعضها يكتفي بعرض الكتب بالمعارض العرضية التي تقام ببعض المدن. وربط الشكل الثالث بانسداد الآفاق أمام الكاتب ويأسه من المؤسسات، وهو الشكل الأكثر حضورا خاصة بالنسبة للشباب، إذ يتحول الكاتب إلى ناشر وموزع، وهو أمر غير ممكن، لذلك تظل الأعمال محدودة التداول. ولاحظ محفوظ أن الأشكال الثلاثة تعكس أزمة واضحة واختلالا لافتا، وأنها من أهم أسباب تدني البحث العلمي ونفور الكتاب من الكتابة، وأيضا هي سبب أساسي في التجاء الكاتب المغربي إلى دور النشر العربية، التي توزع له كتابه بشكل جيد وتعوضه وتقدره، لكن السلبي في هذا التوجه أن الكتاب المغربي لا يتوفر في المغرب إلا بنسبة محدودة جدا، وفي مكتبة واحدة أو مكتبتين بالرباط والبيضاء. واقترح محفوظ تصورا للشكل الذي تصبح معه الدولة منخرطة في دعم الكتاب وإنتاجه، وذات سياسة فعالة في تدبير الشأن الثقافي، وربطه بضرورة إحداث مؤسسة لتوزيع الكتاب المغربي، تمول من قبلها وتتولى توزيعه حتى في الخارج، كما من اللازم أن تستحدث مكتبات على شاكلة المكتبة الوطنية في كل المدن المغربية وأن تزود بكل الإصدارات، وتقام بها قراءات وندوات، لأن هذا الصنيع وحده، برأيه، يضمن الازدهار للكتابة والقراءة، ويرتقي بالفكر والذوق الاجتماعي، ويجسد عمليا الثقافة، بوصفها آلية للتنمية المستدامة. في نهاية هذا اللقاء، خلص العديد من المثقفين والكتاب الحاضرين إلى ضرورة تأسيس إطار جديد، مرصدا أو نقابة، ولهذه الغاية تشكلت لجنة تحضيرية لمتابعة هذا الموضوع، ستعمل على الإعداد والاتصال بكافة المثقفين والجمعيات.