نظم المثقفون المغاربة في اليوم ما قبل الأخير من أيام معرض الكتاب بالدار البيضاء، لقاء مفتوح للحديث حول اختلالات المشهد الثقافي بالمغرب. افتتح اللقاء شعيب حليفي بكلمة توضيحية جاء فيها أن اللقاء تم الترتيب له بشهور قبل انعقاد معرض الكتاب حيث كان الإحساس مشتركا بأن ما يقع للثقافة المغربية وللمثقفين في السنوات الأخيرة هو علامة على خلخلة الدور الاعتباري والإستراتيجي للثقافة في المجتمع. وحان الوقت للانتفاض ضد السياسة الثقافية المتخلفة للوزارة الوصية وسلوكها التدميري والانتهازي. ونقلت صحيفة "المستقبل" اللبنانية عن جمال بندحمان قوله أن الثقافة اليوم تقترن بمفاهيم من قبيل (الاستثمار الثقافي) و(الصناعة الثقافية) و(الاقتصاد الثقافي) و(التنمية الثقافية) وهي مفاهيم تتطلب وجود رؤية واضحة وإجراءات مضبوطة وتصور شمولي يجعلها ممكنة التحقق. ولا شك أن المغرب وهو يقرر في سنة 1969 إنشاء وزارة الثقافة، كان يعي طبيعة الأدوار المنوطة بها والوظائف التي يمكن أن تؤديها. وإذا كان هذا الوعي قد تحكمت فيه آنذاك، طبيعة الأسئلة التي كانت مطروحة، فإنه اليوم أصبح أكثر تركيبا وتعقيدا؛ ما ضاعف من أهمية حضور الثقافي في قلب الإشكالات التي يعرفها المغرب، والتي تعد في جزء كبير منها إشكالات ثقافية. واقترح جمال بندحمال بعض المداخل لتجاوزهذه الاختلالات منها مدخل الشفافية التي تتطلب إطلاع المغاربة على مقومات التدبير الثقافي للوزارة؛ ومدخل الإشراك بتجاوز صيغة تعيين أعضاء اللجن إلى صيغة انتدابهم من قبل الهيئات المعنية بالشأن الثقافي، ثم المشاركة من خلال انخراط هذه الهيات في متابعة عمل وزارة الثقافة ورصد مدى التزامها بالتدبير المبني على أسس الشفافية والحكامة والموضوعية. وتحدث شعيب حليفي عن التدبير الثقافي لوزارة الثقافة المغربية، الذي لا يستند على قواعد تصون الأخلاق والمبادئ والقيم، ولا تملك مرجعية قادرة على تشجيع الثراء والتنوع الثقافيين ودعم المبادرات المحققة للتواصل والحرية. وان من حق أي مواطن مغربي الاستفادة ثقافيا من خدمات وزارة الثقافة، وبالتالي من حق المثقفين المغاربة، بالداخل والخارج، أن يُحسوا بوجود جهاز ثقافي رسمي حقيقي له مهام حقيقية تخدم الثقافة المغربية في كل تنوعاتها وتتعامل مع الكتاب والمبدعين كأصوات مسموعة وفاعلة، وليس شيئا آخر تلجأ إليه. ووصف شعيب حليفي عمل وزارة الثقافة اليوم بأنه أشبه بعمل جمعية من "جمعياتهم"، لها قوانينها السرية والعلنية ولائحة المنخرطين السريين والعلنيين. والأكيد أن هذه الوزارة الجمعية غير معنية بما نقول وبما نفعل أو نكتب. فإننا نحن أيضا نؤكد على المؤكد أننا غير معنيين بما تفعله وزارة الثقافة ولا تعنينا أنشطتها ولا كل برامجها وندعو كافة إخوتنا من الكتاب المغاربة في مجموع المغرب أفرادا ومؤسسات ثقافية أن يقاطعوا هذا العبث ونبقى في قواعدنا وبإمكاناتنا نعمل ونؤسس لثقافة مغربية نبيلة تخدم قضايانا العادلة بعيدا عن التدجين الثقافي وكل الأمراض التي تولدت جرَّاء هذا العبث، في حالة ما لم تغير الوزارة خط السير الذي تنهجه. ووجه في ختام كلمته الدعوة إلى "إخواننا في اتحاد كتاب المغرب وفي كافة الفروع إلى القطع مع تلك الشراكة الملتبسة مع الوزارة، والتي تجعل من مؤسسة مثل الإتحاد في صورة المستجدي والعاجز عن فعل إي شيء دون وصاية "منهم". ورقة رشيد الإدريسي استهلَّ فيها الحديث عن طبيعة النقد بالمغرب والذي هو سلطة، لكنه في واقعنا المغربي غالبا ما يحاكي السلطة السياسية، فتنتقل إليه كل أمراض هذه الأخيرة من تكريس لأسماء بعينها دون غيرها، نقد يعتمد على القرابة السياسية، نقد يتحول أحيانا إلى ديكتاتورية تبقي على أسماء متربعة على "كرسي الإبداع" إلى أن تفارق الحياة، كرجل السياسة الذي يمكث في الحزب أو المنصب إلى آخر رمق. تبعات هذا السلوك نعرفها على مستوى السياسة، أما على مستوى الأدب فتترجم إلى تفقير للساحة الثقافية، وتسطيح للإبداع وإشاعة الإحباط الناتج عن عدم تشجيع الطاقات الواعدة ووأدها في المهد. بتعبير آخر نقول بأن النقد لدينا يتحول بفعل هذه الخصائص إلى نقد "الكبار" لل"الكبار" أما "الصغار" فمصير الكثير منهم الوقوف في منتصف الطريق. وتطرق رشيد إلى عدد من مظاهر التقصير في عمل وزارة الثقافة المغربية داعيا إلى المأسسة وضرورة تطوير البيئات التمكينية للثقافة المغربية، وكل البنيات التحتية الأساسية، وضرورة دعم الكتاب بالشكل الذي يتوجه فيه الدعم إلى الكاتب عن طريق تقديم منح لكتاب ينتقون لإنجاز إبداعات وتأليف كتب نقدية وفكرية. عبد اللطيف محفوظ أشار إلى الوضع الاعتباري للكاتب الذي يبدو من وجهة نظر السلطة وحتى النخب السياسية مجرد منتج لتصورات تهم التمثلات العامة للعالم وأشكال الوجود المجرد، وليس فاعلا ومنتج أفكار من شأنها أن تساعد على رص البنيان الاجتماعي، وتخلق الأمن الثقافي الذي يعتبر سببا أساسيا في ضمان الأمن الاجتماعي.