يجمع الكثير من رواد المعرض الدولي للنشر والكتاب في دورته الحالية، على أن فعل القراءة لدى الشباب المغربي "يبدو مستثيرا، بالنظر لتراجع نسبة المهووسين بالقراءة والإطلاع على أمهات الكتب وما استجد منها"ويرجع هؤلاء السبب إلى "ضعف الآليات البيداغوجية التي تشجع الوليد البشري منذ سنواته الدراسية الأولى على تنمية حسه القرائي وجعله واقعا يوميا في حياته العادية". وأبرز أساتذة باحثون في حديثهم إلى"المغربية"، ممن حضروا فعاليات المعرض الدولي السادس عشر للنشر والكتاب، أن الصبر على القراءة والاطلاع على مختلف صنوف العلم والآداب في كل الأوقات، "يرتبط بمدى التعود على هذا الفعل واتخاذه لازمة ملازمة"، فحقيقة يقول أحد من فاتحناهم في الموضوع، إن نتائج تدني نسبة القراءة "انعكست سلبا على نسبة مبيعات الصحف الوطنية التي تعاني بالفعل قلة القراء، وعدم وجود بوادر اتساع هذه النسب بفعل انحسار التعاطي للقراءة لدى شرائح عمرية تتجاوز الأربعين، في الوقت الذي لا يبالي من هم دون ذلك بعملية القراءة إلا في حالات ومناسبات استثنائية ونادرة، كما أن دخول الوسائل الإعلامية السمعية البصرية والمعلوماتية على الخط، ساهم إلى حد ما في تكريس محدودية المقروئية، إذ أصبح السواد الأعظم من المواطنين صغار السن وكبارهم مرتبطين أكثر بالحواسب والإنترنيت". لمعرفة وجهات نظر الشباب بخصوص هذا التقليد الجميل الذي هجرناه، وأسقطناه من حساباتنا، طرحنا الموضوع على ثلة من الشباب، فكانت جل الأجوبة، تسير في اتجاه أن المشكل لا يكمن في ما عرفه العالم من تطور معلوماتي، إنما هناك إجماع على أن عدم التتلمذ على القراءة، وعدم ترسيخها كعادة طبيعية في حياتنا منذ الصغر، أسباب ساهمت بشكل كبير في ما يعيشه الكتاب من عزلة. هذا ما أكده أحمد، 20 سنة، طالب جامعي بقوله "إن من لم يتعود على قراءة الكتب المجردة من المستحيل قراءة الكتب المبتوتة في الإنترنيت"، فمسألة القراءة، حسب محدثنا، "سلوك ينمو مع نمو الإنسان، وفاقد ثقافة القراءة لا يمكن أن ننتظر منه أبدع من ذلك". من جهتها أبرزت نوال، مجازة في الآداب، أن الرغبة في القراءة هي نتاج "علاقة وجدانية وروحية مع شيء لنا معه حميمية ما، وعدم وجود هذه الرغبة، يعني ألا شيء يربطنا مع هذا الشيء، وبالتالي فوجوده، كعدمه"، هكذا فسر ت محدثنا، التي تتابع دراستها بالسلك الثالث، "طبيعة العلاقة التي يمكن أن تربط الكتاب مع القارئ، سواء سلبيا أو إيجابيا، وأكدت أن "العلاقة الفكرية تحمل القارئ إلى التكهن في ما يمكن أن يأتي به الكتاب من جديد، لإغناء معلومات حول قضية ما، فبمجرد التصفح يستطيع المولوع بالقراءة أن يرسم صورة أولية للكتاب الذي بين يديه، ويقرر بالتالي إن كان سيستسلم لرغبته ويقتني الكتاب رغم كلفته الثقيلة شيئا ما على ميزانيته، أم أنه سيتركه حيث هو في انتظار قارئ آخر له تصور آخر وله رغبة مخالفة". عن سر وجوده بالمعرض، أكد لنا فؤاد، 21 سنة، طالب، أنه مولوع بالفكر الصوفي والقراءات الباطنية، ويريد أن يتعرف عن آخر الإصدارات العربية في هذا الخصوص، مضيفا في السياق ذاته أن المشارقة "يجتهدون في هذا النوع من المؤلفات، فيما نحن في المغرب نظرا لصعوبة إيجاد المستهلك الولهان، بهذا النوع من الكتب أو غيرها، تبقى وضعية الإصدارات في المغرب محدودة وغير ذات مفعول"، هذا ما حاول إسماعيل، إطار تربوي، إرجاعه إلى "المناهج التعليمية التائهة بين التجديد والتقليد والتجريب، الشيء الذي جعل مسألة القراءة بالكفايات ليس لها أي مدلول في ثقافتنا العامة". في سياق متصل أبرزت كريمة، أستاذة، في حديثها عن فعاليات المعرض الدولي للنشر والكتاب أن قيمته المعنوية بدأت "تخبو مع توالي السنوات"، محملة المسؤولية في ذلك للجهات المسؤولة التي حسب كريمة، "لم تساهم في خلق إقبال على هذا الغذاء الفكري، بتنظيم حملات تواصلية فاعلة في المؤسسات التعليمية، وتجعل المدينة التي تستقبل المعرض تعيش على إيقاع هذا الحدث الفكري المتميز". من خلال هذه الآراء المنتقاة من قلب المعرض الدولي للنشر والكتاب في دورته السادسة عشرة، يتضح أن أزمة القراءة مركبة، وتحتاج إلى مقاربة مندمجة، واستراتيجية يأخذان بعين الاعتبار واقع تركيبة المجتمع المغربي، الذي هو في حاجة إلى محاربة متسارعة للأمية التي تحتل نسبة مهمة في هرمه السكاني، بهدف إتاحة الفرصة لهذه الشريحة للإغناء المتوالي والتدريجي لفكرها، ومن جهة ثانية تشجيع المتعلمين للإقبال على القراءة عبر توفير الكتب بأثمنة رمزية، كما من شأن وسائل الإعلام الوطنية المسموعة والمرئية والمكتوبة، أن تفتح شهية المتفرج للكتاب، إذا ما تناولته عبر برامج قادرة على إثارة فضول المتتبع وجعله يقبل عليه بتلقائية للإجابة عن أسئلة واستفهامات ظلت عالقة بخاطره وذهنه، إلى جانب المدرسة كمؤسسة للتربية على القراءة، فالإعلام يمكن أن يعطي للقراءة موقعا في الحياة اليومية للمواطن المغربي.