ذكر دومينيك دوفيلبان، رئيس الوزراء الفرنسي الأسبق، أن الثقافة ليست ثراء، بل هي معرفة ضرورية تعطي للحياة نفسا وطعما خاصين، وتجعلنا نتحرك، وأن أكبر درس للثقافة هو أنها تبادل وتشارك.وأضاف دوفيلبان، الذي فضل إلقاء محاضرته الافتتاحية في المعرض واقفا، لأن المنصة لم تكن تسمح للجمهور برؤيته وهو يتحدث، والذي خلق الحدث، مساء يوم الجمعة الماضي في المعرض الدولي للنشر والكتاب في دورته السادسة عشرة، أن "الثقافة تثير فينا روح المشاطرة والتبادل، وتفترض روح العيش المشترك داخل أمة ومجموعة واحدة. إن ما يعطي معنى للحياة هو الثقافة". وأشار دوفيلبان، الذي تحدث في موضوع "الثقافة من أجل الحياة في عالم اليوم"، بحضور عدد غفير من الجمهور، إلى أن الفنون والثقافة، وخاصة الشعر ضرورية في زمن انهيار القيم والتدهور، لأنها تصبح مقاومة ضرورية لمواجهة الحتمية والخوف. وأوضح دوفيلبان، المزداد بمدينة الرباط، وصاحب مجموعة من الإصدارات الشعرية والمهتمة بسؤال الثقافة، من بينها كتابه الأخير، الصادر في شهر نونبر الماضي بعنوان "الشاهد الأخير"، أن الثقافة هي الوسيلة المثلى للحصول على فضاء خاص وامتلاك الطبيعة وتغيير الحياة والإنسان أيضا. ومن خلال استحضاره لروح عملي أنتونا أرتو، وأرتور رامبو، ولجوانب مهمة من تضحياتهما الثقافية التي أودت بهما إما إلى الصمت أو الصراخ والجنون، ذكر دوفيلبان أن الثقافة مهمة في حياتنا اليوم، وأنها السبيل الكفيل لتحرير الإنسان من مأزق الحداثة المعطوبة. وأضاف دوفيلبان، صاحب الخطاب التاريخي الشهير المناهض للحرب على العراق في 14 فبراير 2003 أمام مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، أن ما يروج اليوم في فرنسا من خطابات حول الهوية، هي خطابات مغلوطة من الأساس، وأن النقاش فيها غير صحي، ولا يمكن أن يؤدي إلا إلى سوء الفهم والتصادم. وأشار دوفيلبان، في محاضرته التي استغرقت حوالي ساعتين، إلى أن القدرة على طرح الأسئلة، والرغبة في التعلم، واكتشاف المجهول، هي التي تخلق الفعل الثقافي، موضحا أن هذا الفعل "لا يتأتى بقراءة ألف كتاب، ومشاهدة ألف فيلم، أو رؤية ألف لوحة تشكيلية، ولكن بالتأمل فيها والإنصات إليها. فهذا الإحساس بالتشارك هو الذي يمنح الفعل الثقافي معاني أسمى". واعتبر أنه في عالم اليوم، الذي يعرف أزمات عديدة، تصبح الثقافة ملحة، بل ضرورة أكيدة، للإسهام في تجاوز دورات الإنتاج والاحتكار، والاستهلاك المفرطة، وطغيان المادة، التي تعد من أبرز فخاخ التحديث. ومن خلال استحضار الشاعر العربي الراحل محمود درويش، وقصيدته عن الانتفاضة الأولى، التي زعزعت الكيان الصهيوني، وجعلت إسحاق شامير يطلب إزالتها، فكان رد درويش الجميل والبليغ، الذي قال له: يجب أولا أن تزيل الاحتلال حتى تزيل القصيدة"، عبر دوفيلبان عن القدرة العجيبة للثقافة في التغيير، وعن منحها للإنسان القدرة على العيش، ومواجهة الجهل، واللامبالاة. وخلال هذا اللقاء، تطرق دوفيلبان إلى أحادية الثقافة وهيمنة القوى الكبرى، ودعا إلى تسهيل عملية الولوج إلى الثقافة والبحث والإنتاج الإبداعي، لمقاومة الهيمنة الشرسة للفكر الواحد ولاحتكار السوق.