الفنانون المغاربة، الذين سيحلون بطنجة، لحضور الدورة 11 للمهرجان الوطني للفيلم، سيجدون مسرح سيرفانتيس بالمدينة، على الحالة نفسها التي عاينوها في أول دورة تشهدها عاصمة البوغاز، لا شيء تغير، الحيطان تتآكل، والشرفات تتساقط والأبواب الحديدية ذابت، بعدما فعل فيها الصدأ فعلته اللعينة.خلال عهد الوزير السابق للثقافة، أبرمت اتفاقية مع الحكومة الاسبانية، بتعاون مع الاتحاد الأوروبي، من أجل إعادة ترميم هذه المعلمة الثقافية، التي ستحتفل، في غضون ثلاث سنوات، بالذكرى المأوية لولادتها. إلا أن هذه الاتفاقية مازالت حبرا على ورق إلى اليوم، فيما ظل المسرح، الذي شيد سنة 1913، مرتعا للمنحرفين، والقطط الضالة، التي تعيش على اصطياد الفئران فوق خشبة متهالكة، كانت إلى حدود الخمسينيات، مسرحا لعروض أكبر الفنانين في أوروبا والعالم العربي. دهشة ضيوف المهرجان السينمائي لطنجة ستزداد عندما سيكتشفون أن هذه المعلمة التاريخية، الكائنة بزنقة الرسام العالمي "دو لاكرو"، سُلمت إلى بلدية البوغاز، مقابل درهم واحد فقط، ومع ذلك، فإن السلطات المعنية لم تقم بأي مجهودات تذكر لصيانتها أو ترميمها، إذ ظلت هذه التحفة المعمارية، منذ 97 سنة، عرضة لمختلف عوامل التعرية والتهميش، الطبيعية منها والبشرية. ومع مرور الوقت، انسل الخراب إلى ما يقرب من 1500 كرسي، كان يجلس عليها في السابق كبار الشخصيات المغربية والإسبانية، لمتابعة عروض في الرقص وموسيقى الفلامنكو، التي كان يقدمها أشهر الفنانين الإسبان، أمثال "كارمن سيفيّا"، و"مانولو كاراكول" و"خوانيطو فالديراما". ولم تسلم خشبة المسرح بدورها من عوادي الزمان وتقلبات الدهر، بينما عانت جدران البناية المزخرفة بأيادي الصانع المغربي الأصيل، التهميش أكثر، وباتت مهددة بالانهيار، بعدما غزاها التفسخ، وعمقت جراحها الرطوبة الفتاكة. ورغم وجود "مسرح سيرفانتس" في موقع استراتيجي، وسط شارعين يحملان اسم الرسامين العالميين، "فيلاسكيس" و"دو لاكاروا"، فإن الجمعيات الثقافية بالمدينة لم تتحرك بالفعالية المطلوبة لحمايته، على الأقل، من حصار الأزبال المحيطة به، وصار المسرح يبدو كالقزم وسط العمارات الشاهقة التي شُيدت بجانبه، بعدما كان يمثل واحدا من الصروح الثقافية والعمرانية الشامخة في مدينة هرقل العالية. وعندما لاحظ الإسبان كيف أن هذه التحفة الفنية، التي أهدوها لبلدية طنجة، مقابل درهم رمزي، تسير نحو الانهيار، بادرت حكومة بلدهم بالتدخل لترميم البناية، وخصصت لذلك مائة مليون سنتيم، دون أن تحدد تاريخا لبداية الأشغال. ولحسن حظ الفنانين المغاربة، أن حكومة زباتيرو فضلت ترميم بناية المسرح أولا، قبل حلبة صراع الثيران، التي تتعرض بدورها للتهميش، دون أن تستفيد طنجة من قيمتها المعمارية والتاريخية.