خلال بداية كل موسم فلاحي يطلق المغرب حملة للاستمطار الصناعي بتلقيح السحب، وبفضل تجربتها في الميدان، التي بلغت 30 سنة، صارت المملكة مرجعا على هذا الصعيد في إفريقيا. مجلة “تيلكيل” التي أوردت الخبر ، استقت أسرار الموضوع من عقيد في القوات المسلحة الملكية وخبراء في مديرية الأرصاد الجوية. في بلد المناخ السائد فيه جاف أو شبه جاف، يعد تعديل الظروف المناخية مسألة حيوية، بالنظر إلى ضرورة ذلك لإنجاح الموسم الفلاحي، الذي يرتهن إليه الاقتصاد الوطني، وبالتالي يعد تخصيب السحب أكثر فعالية من صلوات الاستسقاء التي تتم الدعاية لها إعلاميا خلال كل سنة. والمقاربة المعتمدة في القيام بالعملية، تتمثل في تخصيب الغيوم بوضع “كريستال” الملح فيها، من قبيل “كلورور الصوديوم”، أو “يودير” الفضة، والهدف: الرفع من معدل هطول الأمطار في السهول الأطلسية، والتخفيض من زخات البَرَدْ المضرة بالفلاحة في الأعالي. ويحمل البرنامج اسما، هو “الغيث”، وتنفذه القوات المسلحة الملكية، وأثبت فعاليته بالمغرب طيلة ثلاثة عقود، حتى بات خبرة تصدر إلى بلدان إفريقية، بينما أظهرت دراسة اقتصادية للمديرية الوطنية للأرصاد الجوية، بأن كل زيادة في معدل الأمطار بالمغرب بمقدار 10 % تنمي القيمة الإجمالية للمحصول الفلاحي بنسبة 3.4 %. وبدأت عمليات تخصيب السحب بالمغرب في 1984، خلال عهد الملك الراحل الحسن الثاني، بتوقيع اتفاق للتعاون مع الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID)، التي تعمل تحت وصاية البيت الأبيض الأمريكي، فساهمت ماليا وعلميا في المشروع المغربي، إذ كان خبراء الأرصاد الأمريكيون، يقول عقيد (كولونيل) في القوات المسلحة الملكية، ” أول من استعمل التقنية في 1946″. “لقد كان برنامجا تجريبيا يستجيب لحاجة عاجلة في ما يتعلق بنسبة التساقطات، بالنظر إلى الجفاف الذي عرفته البلاد خلال نهاية السبعينات”، يوضح “الكولونيل” مضيفا أن التطبيق العملي لم ينطلق إلا 1996. الجيش في السحب “الغيث” برنامج تقوده لجنة عليا ينسق أعمالها الدرك الملكي، وتضم في تمثيليتها القوات المسلحة الملكية الجوية، والمديرية الوطنية للأرصاد الجوية، المؤسسة العمومية المسيرة بطريقة مستقلة، وتتولى الإشراف على الجانب التقني من البرنامج. “وتنطلق مهمات تخصيب السحب سنويا من نونبر إلى أبريل”، يقول الحسين يوعابد، مسؤول التواصل في المديرية العامة للأرصاد الجوية، لكن ذلك ليس عرفا ثابتا، إذ انطلقت حملة الاستمطار الصناعي خلال هذه السنة باكرا، بأن شهد شهر أكتوبر القيام بعمليتين، فرضها تأخر تساقطات فصل الخريف. وكان ذلك التخصيب المبكر بالرفع من معدل الزخات وليس إثارتها. “نلاحظ يوميا تطور الضغط الجوي في الكتلة الضبابية ل”الآصور” فوق المحيط الأطلسي، لنعرف الوقت المناسب للقيام بعمليات تخصيب السحب”، يقول مهندس في مصلحة الأبحاث التابعة لمديرية الأرصاد الجوية. ويضيف المتحدث بشكل أدق، أن الفترة المناسبة للتخصيب هي بداية الخريف، قائلا: “عندما تتشكل السحب فوق سلسلة جبال الأطلس تلتقي بتيارات ساخنة وجافة قادمة من الصحراء”، وبالتالي يتمثل دور الأرصاد الجوية في تحديد الوقت المثالي للتخصيب، وبعدها يأتي دور الدرك الملكي والقوات الجوية لتقوم بالمهمة. ويسقط المطر وعلاوة على الدور التنسيقي، يوفر الدرك الملكي الأدوات التكنولوجية واللوجستيك اللازم، إذ أن “أقماره الصناعية تسمح باستهداف كتل السحب التي حددتها مديرية الأرصاد الجوية”، يقول “الكولونيل” في القوات المسلحة الملكية، وتقوم لتنفيذ البرنامج ثلاث وحدات من القوات المسلحة الملكية توجد في أزيلال وبني ملال والحاجب. ويستدعي عمل الوحدات، القيام، انطلاقا من الأرض، باستهداف السحب ب”كريستال” الملح، الذي يحفز تشكل قطرات المطر، وفي مواقع التنفيذ، يكشف المصدر ذاته، “يتم إرسال المحاليل الكيميائية المعتمدة في التخصيب، عبر مولدات تيارات هوائية أو عبر صواريخ ترسل نحو السحب”. المذهل أكثر، هو أن التقنية المستعملة من قبل القوات الملكية الجوية، متمثلة في حقن السحب مباشرة بالمواد الكيميائية المستعملة باستعمال طائرات، وتحديدا بطائرتين خاصتين بذلك، وهما “ألفا جيت” و”كينغ إير 200″، اللتين تعدين تحفا تكنولوجية. الطريقيتين المعتمدتين في تخصيب السحب بالمغرب وإذا كانت الطائرة الأولى تتوفر على “رادار” يسمح لها بمراوغة الغيوم الخطيرة، تتمتع الثانية بقدرة اختراقها، وهي طائرة من صنع المجموعة الأمريكي “بيشكرافت”، ومجهزة بمختبر داخلها يتيح جمع المعلومات حول الظروف الجوية، وفي “حملة تخصيب واحدة، يتم القيام بما بين 30 عملية تخصيب و40، حسب الظروف المناخية”، أما عن الكلفة المالية لبرنامج “الغيت” فالمصدر متكتم. وبعد 20 سنة على دخول المشروع حيز التنفيذ، صارت خبرة المسؤولين المغاربة مطلوبة للتصدير إلى بلدان مثل موريتانيا والسنغال وبوركينا فاصو، مع العلم، أن تخصيب السحب، لا يعني تلقائيا هطول المطر. هل التخصيب سام؟ إذا كانت الفوائد الاقتصادية لبرنامج الغيث واضحة، فالسؤال يظل مطروحا على أثر عمليات التخصيب على جودة المياه. وفي هذا الشأن، لم يسبق أن تم القيام بدراسة للأثر تبرز أو تنفي تسرب المواد الكيميائية المستعملة في التخصيب إلى الأحواض المائية والسدود التي تتجمع فيها مياه الأمطار. أما في خارج الحدود، سبق لجمعية “واتر موديفيكايشن”، أن تساءلت في تقرير لها حول التأثيرات البيئية المرتبطة باستعمال مواد تخصيب السحب، وخلصت الجمعية التي تضم خبراء علميين ومهنيين يعملون في مجال تدبير المياه بالولايات المتحدةالأمريكية وكندا، إلى أنه “لم تتم ملاحظة أي تأثير ضار على البيئة يترتبك باستعمال (يوديد) الفضة في تخصيب السحب”. وفي المقابل، كثير من الدراسات العلمية، تشير إلى أن جرعات كبيرة من تلك المادة غير قابلة للذوبان في الماء، وخطيرة. وأظهرت مقالات طبية، أن استنشاق المادة أو ابتلاعها، يسبب تلف الكلي. عن تيل كيل