يواجه ملف إصلاح أنظمة التقاعد بالمغرب، المندرج ضمن الورش الكبير لتعميم الحماية الاجتماعية، تحديا كبيرا يتمثل في تدارك العجز ووقف شبح الإفلاس الذي يتهدد صناديق هذه المنظومة من جهة، وضمان استدامة واستمرارية توازناتها المالية من جهة أخرى. هذا الوضع الحرج الذي تشهده منظومة التقاعد بالمغرب، أثارته الحكومة مؤخرا، وشكل موضوع تقارير عديدة رفعتها عدد من المؤسسات الوطنية، ترصد الصعوبات المتفاقمة التي تواجهها ديمومة صناديق التقاعد وتوازناتها المالية، والهدف دق ناقوس الخطر والدعوة إلى اتخاذ إجراءات عاجلة وشاملة، عوض الاقتصار على حلول مرحلية لا تضمن استمرارية تمويل صناديق التقاعد. في هذا الصدد، وعلى ضوء مخرجات الاتفاق الاجتماعي والميثاق الوطني للحوار الاجتماعي اللذان وقعتهما، في 30 أبريل الماضي، الحكومة والاتحاد العام لمقاولات المغرب والمركزيات النقابية الأكثر تمثيلية، تسعى الحكومة إلى إطلاق حوار مفتوح مع مختلف الفرقاء الاجتماعيين، من أجل تنزيل إصلاح شامل لأنظمة التقاعد بالمغرب. الحكومة : إعادة النظر في طرق تدبير صناديق التقاعد لمواجهة هشاشة التوازنات المالية أقرت الحكومة على لسان وزيرة الاقتصاد والمالية، نادية فتاح العلوي، بالوضعة الصعبة التي تعرفها منظومة التقاعد. فقد أكدت الوزيرة، مؤخرا، أمام مجلس المستشارين، غياب رؤية منسجمة لقطاع التقاعد » نتيجة تراكمات تاريخية « ، معتبرة في هذا السياق، أن هناك تباين في الأطر المؤسساتية للأنظمة وحكامتها، وفي طرق التدبير، فضلا عن التفاوت بين الأنظمة نتيجة غياب العدالة بين المنخرطين، وكذا ضعف في نسبة التغطية. رقمان أساسيان، قدمتهما الوزيرة لتجسيد هشاشة التوازنات المالية : تاريخ بروز العجز الإجمالي حسب الصناديق الذي يتراوح بين سنتي 2015 و2023، وتاريخ نفاذ الاحتياطات الذي يتراوح بين سنتي 2028 و2044. الوزيرة ذكرت في هذا الإطار، بتوصيات اللجنة الوطنية المكلفة بإصلاح نظام التقاعد، التي تنص على اعتبار منظومة القطبين إطارا عاما للإصلاح، وتوسيع تغطية اجتماعية وإدراج الإصلاحات المقياسية لمنظمات المعاشات المدنية، في إطار الحوار الاجتماعي، وأيضا الإصلاح المقياسي الذي تم إطلاقه في 2016، معتبرة، في الوقت نفسه، أن الإجراءات تظل غير كافية لإرساء إصلاح كامل لأنظمة التقاعد. وتسجل الوزيرة الحاجة إلى تعميم التقاعد على جميع المغاربة كما جاء في التوجيهات الملكية السامية، في إطار الورش الكبير للحماية الاجتماعية، الذي سيتم الانكباب عليه بعد استكمال ورش التغطية الصحية، لافتة إلى أن منظومة التقاعد تتكون من صناديق مختلفة. « نتوفر اليوم على أربعة ملايين من المساهمين والمستفيدين 1.4 مليون ». وتؤكد السيدة فتاح استعداد الوزارة لمباشرة هذا الملف، متابعة بالقول « نتوفر على دراسات تقنية وتصورات منجزة بمعية خبرائنا والمسؤولين عن تدبير صناديق التقاعد، مشيرة إلى عقد سلسلة من الاجتماعات مع مختلف الشركاء المعنيين بملف منظومة التقاعد. النقابات .. نعم للإصلاح لكن ليس على حساب الأجراء رحب الأمين العام للاتحاد المغربي للشغل ، الميلودي المخارق، بمنهجية الحكومة الداعية إلى جلوس مختلف الشركاء الاجتماعيين إلى طاولة المفاوضات قائلا إنه « إذا كانت المنهجية تستحسن فلا يجب أن يتم أي إصلاح مقياسي على حساب الأجراء، فهم الذين كانوا يؤدون انخراطهم بانتظام ودون تملص، والدولة كمشغل لم تكن تؤدي نصيبها ». واعتبر، في السياق ذاته، أن مشكل صناديق التقاعد يعد مشكل حكامة مدخرات الأجراء والموظفين، مشددا على أنه « لا يجب أن يتحمل هؤلاء في القطاعين العام والخاص عواقب سوء تدبير هذه الصناديق ومدخراتهم ». وأضاف « نحن كاتحاد مغربي للشغل مع ديمومة صناديق التقاعد وخاصة الصندوق المغربي للتقاعد الذي ينخرط فيه الموظفون والموظفات »، مسجلا أن أي إصلاح لا يجب أن يكون على حساب هذه الفئة من المنخرطين في الصندوق. ولاحظ، في هذا الصدد، أن « الحكومة السابقة قامت بإصلاح ترقيعي ولم تنصت لاقتراحاتنا ورفعت سن التقاعد وخفضت معاشات التقاعد للمتقاعدين البسطاء ورفعت من الانخراطات من خلال الاقتطاع من الأجور »، متابعا بالقول « وبعد بضع سنوات تبين أن ذلك الإصلاح لم يكن حقيقيا وبقي الصندوق على حاله ». بالنسبة للاتحاد العام للشغالين بالمغرب، يقف عضو المكتب التنفيذي عبد الله حسيان، عنذ المعطى ذاته، إذ يرى أن الحكومة السابقة نهجت مقاربة أحادية الجانب وزادت من عبء الاقتطاعات التي أثقلت كاهل الموظف، معتبرا أن » الخطأ الذي طبع تعامل الحكومة السابقة مع هذا الملف تمثل في القيام بإصلاح جزئي يهم فقط تقاعد المعاشات المدنية في الصندوق المغربي للتقاعد « . فالمشكل ليس وليد هذه الفترة بل نتاج تراكمات منذ تسعينيات القرن السابق، يتابع السيد حسيان، مذكرا بالقول « كنا اول نقابة نادت بالاصلاح اعتبارا للدراسات المنجزة التي تنبأت بهذا العجز، وطالبنا بمقاربة شمولية » في هذا الإطار. وبعد أن رحب بمبادرة الحكومة الهادفة إلى إشراك النقابات والشركاء الاجتماعيين في إصلاح منظومة التقاعد، قال حسيان » نحن منفتحون على أي حوار في هذا الإطار ومستعدون للإسهام في إصلاح نظام التقاعد ». وأضاف « لا يمكننا إلا الدفاع عن الشغيلة ليكون الإصلاح في صالحهم ويستمر المتقاعدون في تقاضي المعاشات « ، مشددا على الأهمية التي أضحت الحماية الاجتماعية تكتسيها ضمن سياسات هذه الصناذيق، باعتبارها من أهم مؤشرات التنمية الاقتصادية والاجتماعية. وضمن الإجراءات الملموسة لمباشرة الإصلاح، يقترح السيد حسيان على الخصوص : -الحفاظ على مناصب الشغل لتساهم في تمويل صناديق التقاعد وزيادة التوظيفات في القطاع العام لتوسيع قاعدة المساهمين -إحداث صندوق واحد بالنسبة للتقاعد على المستوى الوطني يضم القطاعين العام والخاص لتوسيع فئة المساهمة، على غرار ما هو واقع على الصعيد الدولي -أداء الدولة ثلثي نسبة المساهمات مقابل ثلث بالنسبة للموظف، على غرار ما هو معمول به في القطاع الخاص، -إقرار عدالة اجتماعية في منح التقاعد تتسم بروح المواطنة، -إصلاح نظام التقاعد يجب أن يصب في إطار العمل اللائق، -لا يمكن توفير عدالة اجتماعية دون توفير تقاعد يضمن كرامة الموظف/المستخدم يجب أن يكون بالموازاة مع العمل اللائق. ويخلص السيد حسيان إلى أن الأساس يتمثل في إنصات الدولة إلى مطالب التنظيمات النقابية، بهدف إقرار نظام عادل للتقاعد.