بقلم : محمد حسيكي الباب الثاني : نخص من هذا الباب التعريف الأولي بالتعليم من وجه عام، من نشأة اجتماعية ترفع الجهل عن الانسان من الدين والفكر الاسلامي، ثم التعليم العمومي من منهجية دولية، لأغراض الحياة الاجتماعية العامة، وكيف يجري العمل بهما بالتوازي من الساحة الاجتماعية، ومسايرتهما لمستجدات التطورات التقنية والرقمية من الوسائط المعرفية، التي تقرب الخدمات العلمية بتبسيط تقنيات الوصول اليها، لتكون في يد الفرد من البيت أو المؤسسة، أو من وسيلة النقل خلال رحلة السفر، وأن تجعل منه عنصرا نشيطا بالمجتمع المعرفي، الذي تسود منه تقنيات التواصل الفضائي التي تقرب البعيد، وتستحضر الغائب، من زر رنة، أو ملمس يد . ومما سبق نتتبع مجريات الموضوع من رابط ثان على النحو التالي : التعليم : هو تربية الانسان من العقل حين قدرته على النطق، من تلقي العلم عن طريق تعلم القراءة أولا، والكتابة ثانيا، كانت قراءة دينية مشبعة بالإيمان، أو قراءة لغوية منفتحة على المعارف العقلية من العلوم الانسانية . القراءة الدينية : هي قراءة انتقالية بالحياة الإنسانية من حياة الفطرة، الى حياة الرشد من العقل والتحمل، تنير له بالعلم سبل الحياة من الارض، التي ينبغي أن يحيا عليها من منهج الشرع مع الفرد والجماعة، إذ يتعلمها الانسان صبيا بالتربية والسلوك والمواظبة حفظا واستظهارا وأدبا، يبتدئ القراءة بتعلم النطق الفصيح بالحروف، ثم تهجي تلك الحروف من تركيبة ثلاثية على منوال الكلمة، بعدها ينتقل الى قراءة الآيات كلمة تلو الكلمة، ثم بعد ذلك يجمع القراءة من الكلمات، آيات وسور . وهكذا يستمر التعلم، الى أن ينتقل المتلقي الى مرحلة تعلم الكتابة، عن طريق النسخ كلمة… كلمة، الى أن يصبح قادرا على تعلم الكتابة، بالنقل من اللوحة بدل النسخ، المسمى من الفقيه عهد التعليم الاول للكتابة على اللوحة، رسم الكتابة من مقرم القلم، يرسم على وجه اللوحة محنش مضغوط من ظاهر القلم، يتابعه المتعلم بالكتابة من رأس القلم الممتلئ الصمغ من المحبرة، ليستخرجه نسخة جاهزة من الكتابة وهكذا شيئا فشيئا، يحفظ القارئ القراءة من كتابة اللوح، ويحسن الكتابة من تعاليم الفقيه حين السرد، والتمكين من الاستظهار حين العرض والتحصيل، مما استوعبت ذاكرته من الحفظ . واللغة القرآنية تحكمها قواعد من التجويد، وطرق من الترتيل حين القراءة، كما أن لها أداء من الفرد، و قراءات من الجماعة . القراءة اللغوية : بعد القراءة الدينية، تأتي القراءة اللغوية من العلوم الأصلية، وهي قراءة اصيلة مبنية على قواعد لغوية منظومة من النثر، سهلة الفهم من منهجية العلم، تحبذ للقارئ مواصلة القراءة، حين الانتقال به من قراءة الحفظ اللغوية من النثر، الى القراءة الفنية من النظم، واشتهر منها فقهاء اللغة، ونظام الفكر من المعرفة . وهي قراءة تجري بالسرد الجهري من القارئ، حين الدرس وقت الالقاء أمام الفقيه وعلى الأسماع الطلابية، حيث يدخل الفقيه على القراءة مدخل الشرح من السرد والتوضيح والمتابعة العلمية، وهي – ربط موضوع الدرس، مما سبق بالدراسة : قراءة ومراجعة – في محاورة دراسية بين الفقيه وطلابه، محلقين الانظار حوله نابهين ومشاركين، وإن تعثر في شيء أصلحوا عثرته . وحين يصل الفقيه الى الحد من الشرح، يخاطب القارئ اسرد، أو تابع، أو استمر…. أما حين القراءة من أبيات المنظومات اللغوية، أو الفقهية، فإنها تسري بالقراءة من قول الناظم، يتلوها الشرح والايضاح والذي لا يخلو من تطبيقات علمية، تجري بالعمليات الحسابية، من الخانة التطبيقية، والشروح المصاحبة . وهكذا كانت تمر الدراسة من المنابر الجامعية، أمام الطلاب على طريقة السرد، والشرح، والتحصيل العلمي على ما كان عليه علم الأولين، من محدودية الامكانيات، والاعتماد على مجهود الذات، لذلك كان الخزان العلمي هو التحصيل الذهني من الحفظ، و كانت المراجع هي الرواية المتسلسلة من حافظ الى حافظ . وبعد إتمام القراءة اللغوية، ينتقل القارئ الى العلوم الشرعية التي تأتي في مقام أعلى من الدراسة العلمية، منها علم التجويد الخاص بالقراءة القرآنية وعلم الرواية من الحديث وفقه السيرة النبوية، وعلم الاستدلال والاستنباط من النصوص القرآنية، الى علوم الحساب، والجبر، وعلم الفلك، وعلوم المنازل من الأبراج الفضائية ، وعلم الطب الشرعي، والحكم الشرعي الذي يستوي أمامه العالم، والانسان المتواضع . وإن احتاجت علوم الكواكب والظواهر الطبيعية، الى متابعة علمية من الفضاء خرج الفقيه مع طلابه الى وقفة علمية موقوتة تحدد ما ينبغي توضيحه من فضاء الجامع، أي من مصلى المسجد من واضحة النهار من قياس الزمن الضوئي، أو من دورة الفصول من مواقع النجم ومدار الزمن الفضائي، أو من تموضع الابراج من منازلها منزلة الشهور من عامها، وحين الاعتكاف العلمي من سهر الليل، يتبعون حج النجوم من الليل، حين تمتلئ السماء من الأرض بالضياء، وتكون ليلة النجم من السماء . أما الامتحان فكان يجري بالدراسة والتحصيل حفظا وفهما من الوسط الجماعي، وبالمشافهة والاستظهار فرادى أمام الفقيه بالنقاش والمحاورة والمراجعة والتصويب كالذي يعد الاطروحة العلمية، ويستحضرها أمام استاذه المشرف وجمع الحضور من الطلاب . وقد ساد هذا النهج العلمي عهد الكتابة من الألواح الخشبية، ثم تطور مع المخطوطات العلمية عهد استعمال الورق، وتابع المشوار العلمي عهد تقنية النشر من الطباعة، ومنه عاصر التعليم الأصلي، التعليم العصري، من الطباعة الرقمية، وفي مواكبة القراءة عن بعد عبر الفضائيات الثقافية، والمواقع الخاصة، وعبر اللوحة الالكترونية . التعليم العمومي : هو تعليم اجتماعي تموله الدولة من المالية العامة، منفتح على علوم العصر باللغة السائدة بالبلد، من اللغة العربية بالصبغة الوطنية، واللغة الفرنسية ذات الصبغة الدولية، وغيرها من اللغات الحية، يتعلم فيه الناشئة التعليم النموذجي، من مناهج دراسية، وأطوار تعليمية، من الابتدائي والثانوي والعالي والجامعي . ويجري التعليم من فصل دراسي، على يد مدرس تربوي يشتغل من منهج دراسي، على سبورة تعليمية تدرس منها عدة مواد بالطبشورة، بدءا من قراءة النصوص القصيرة، والكتابة من سبورة الفصل، إما من اللوحة أو الدفتر الورقي على الطاولة، وخلال الدراسة يتعلم القارئ القراءة من المطالعة، وكتابة الخط على نحو نموذج المعلم من النسخ في الدفتر، ثم دروس الحساب، والمحادثة المبنية على الحوار الدراسي بين المعلم وتلاميذ الفصل، والمحفوظات من الأناشيد الترفيهية، وعلم الاشياء الطبيعية، فضلا عن جداريات الفصل من صور الدروس التحضيرية، وملصقات من الأمثلة والحكم التربوية . وبعد معرفة التلميذ تركيب الجمل والتعابير اللغوية، يتعلم كيف ينشئ الموضوع كتابة من المقدمة الى الخاتمة . وهكذا ينحو التعليم بالناشئة ويتدرج بها، كالحبوة الأولية من مهد العلم، تصبو به نحو الوقف من القراءة، والسير على الأقدام من درب العلم . ومن الملاحظات الفقهية على قرائهم عهد التعليم المدرسي، أن المتمدرس من بدايته يسهل عليه تعلم حفظ القرآن من لوحته، من سابق تعليمه، خلافا لما كان عليه الحفاظ من سالف العهد الأول . ويعرف عن أهل المغرب من مسارهم العلمي حفظهم القرآن الكريم، وقراءاتهم عن الأئمة السبع، كما أن لهم قراءتهم من التجويد والترتيل عهد البث المسموع والمرئي، فيما يجري على علاقاتهم العامة العمل بالأحاديث النبوية من الشريعة الاسلامية، وكذا العمل بالأحاديث القدسية من التعامل مع أهل الكتاب من الديانات السماوية . القراءة الإلكترونية : ظهرت القراءة الالكترونية مطلع القرن الواحد والعشرين الميلادي، الموافق للنصف الاول من القرن الخامس عشر الهجري، وهي قراءة منتشرة من روابط التواصل عبر الشبكة العنكبوتية، عهد بداية العمل باستخدام الحواسيب في الخدمات الادارية، والاشتغال منها في الدراسة العلمية، والعمل عليها بالطباعة الرقمية، بديلة عن الطباعة الكربونية . وقد ساهمت القراءة النصية عبر القنوات الفضائية وصفحات التواصل الخاصة، وعبر التطبيقات الذكية، ومواقع العمل الخاصة في تنشيط وتوسيع دائرة القراءة بنقلة تقنية من العام والخاص بالوسط الاجتماعي، ودورها في النقل المحين للمعلومة وطنيا ودوليا، عصر الفضاء في زمن قياسي من السرعة، اراح الإنسان من ضيق الوقت، الذي كان هاجس معاناته وحديث اللسان عنده، إذ لبى حاجته من التواصل، الذي وصل مداه الى كواكب من حول الارض من مدارات أخرى . وعهد جائحة كرونا فيروس المستجد ب “كوفيد 19 “، اتسع مجال القراءة من وقت الحجر المنزلي من حالة الطوارئ الصحية بالمجتمع من روابط التعليم والدراسة عن بعد، لمسايرة التلاميذ والطلاب والمتكونين مسارهم الدراسي من البيت، البديل عن التعليم الحضوري من المؤسسة التعليمية وبالجامعة، والذي فرضته الحالة الطارئة من انتشار وباء كورونا المفترس . وكأن بلدان العالم دخلت دولا ومنظمات عالمية، من حيث تدري أو لا تدري، دفعة أجواء العولمة الدولية، من فترة تجريبية بالمحيط الدولي، خلال معاناتها من وباء كورونا Ị فهل نهاية كوفيد 19 من الساحة الدولية، سينهي التعليم من لوحة الطبشورة بالفصل ومدرج الدراسة، ويسري التعليم البديل من اللوحة الالكترونية، كما سرى من الحجر المنزلي فترة الطوارئ الصحية من كرونة، أم يكون العود على بدء من سابق العهد . من كل ما تقدم، نستحضر ونستنتج أن القراءة ليست حالة فردية، بل اجتماعية، من سبل الحفاظ العلمي وتطور المعرفة بالعقل البشري من زماننا، إذ استطاع المغرب من تاريخه المعاصر أن يعمل من بداية مشواره الدولي، ويوافق من الجمع بين التاريخ القمري والتاريخ الشمسي، وأن يحافظ على ما هو من القراءات القرآنية وعلوم اللغة وأحكام الشرع من الدين، ويجدد في الفكر الاجتماعي مما هو من علوم العصر، مسايرة منه الركب العلمي من المستوى الدولي، والمقومات الاجتماعية من الارث الانساني .