فِي الوقتِ الذِي تتسابق فيه دول العالم نحو إقرار سياستي الشفافية و النزاهة في العمليات الانتخابية، لم يجد معظم المرشحين المغاربة حرجا في التوسل بالممارسات الاديمقراطية قصد استمالة ما يمكن استمالته من ناخبين و الانتصار في معركة 4 شتنبر، و ذلك في ظل غفلة أو تغافل من الجهات المسؤولة، فلست تعجب اليوم من شيء كما تعجب من أمر الانتخابات بالمغرب. مما لا مراءَ فيه، أن مظاهر الفساد الانتخابي لازالت مستشرية في البلاد، فغالبا ما يتم اللجوء إلى حشد الأصوات بطرق غير مشروعة كشراء الذمم و استغلال النفوذ و "رمي العار" و غيرها من الوسائل التي تؤشر على وجود ثقافة انتخابية سلبية لا تعد إلا بسنوات أخرى من الديكتاتورية، و الفقر و الهشاشة. جدير بالقول أن هناك بعض النماذج في بلادنا ما فتئت تؤكد العكس و تبين وجود نوع من التغيير الايجابي يلوح في الأفق في محاولة لإجهاض الممارسات الامعقولة، لكن سيادة الحملات المضادة جعلت من مبادئ الديمقراطية السياسية شيء و الواقع الانتخابي شيء آخر. و من شاء أن يكشف عن غرائب و طرائف الانتخابات لهذا العام، فله أن يتوغل في عمق الجنوب الشرقي ليسمع و يرى ما لم تسمع أذن و ما لم ترَ عين و ما لم يخطر على قلب نزيه. إن منطق التصويت بمناطق الجنوب الشرقي كما في مناطق عدة يقوم على ثُلاثية الفساد التي لا مفر منها هي : المصلحة و العصبية العرقية و المال السياسي، ذلك أن الشعارات العصبية و رشوة الظل و "الفيتو" القبلي تعتبر من أهم الأسلحة في الملحمة الانتخابية الكبرى بهذه المناطق، و لو أن المسألة اتخذت هذه السنة صبغة جديدة في ظل تزايد عدد المهاجرين إلى السياسة. أفتوني رحمكم الله في رجل من "تنغير" جمع أهله و بنيه و خيرهم بين رضا التصويت على صديقه الوفي و سخط ما دون ذلك، فلهم أن يختاروا مرشحهم و جدلية السخط والرضا تدب فوق رؤوسهم ؟ و اختيار السخط هو اختيار سخط الله و الرسول و السبع المثاني و القرآن العظيم.. أفتوني جزاكم الله في أولئك الذين اجتمعوا في أحد قصور أوفوس و أجمعوا على ألا يصوتوا إلا على مرشحٍ من بني جنسهم فأقسموا بالمصحف على ذلك، و الويل كل الويل على من أخلف الوعد و خان الأمانة ؟ فالمال السمين و الجاه العريض لا يحلو إلا إذا كان في قبضة من هو من بني جلدتنا و يتقاسم معنا الانتماء، و الجنس، و اللون و أشياء أخرى. و تبعا لذلك فإن توقع النتائج يكون في قرانا أبعد ما هو عن درجة اقتناع الناخبين ببرنامج الحزب و المترشح، فعن أي انتخابات نتحدث إذن و الأمر محسوم قبل دخول فترة الحملة الانتخابية ؟ و لعل الأنكى من ذلك أن حتى أولئك الشباب الذين يحاولون غير ما مرة الظهور على الساحة السياسية، سرعان ما تأتيهم الوفود مثنى و رباع تطالبهم بالتخلي عن حق الترشح لصالح أولئك الذين يجثمون بكَلْكَل جماجمهم على كراسي الجماعات، و ليس للأفراد التي ذاقت ويلات أفعالهم حق الثورة ضد ما ابتلوا به منذ سنوات خلت، لكأنَّ ما يتَحدث عنه فقهاء السياسة فيسمونه بالعَطالة السياسية، لم يصْدق يوماً كما يصدق الآن على مناطق الجنوب الشرقي. بين هذا و ذاك، يعدنا الواقع الانتخابي بأعوام عديدة من التقهقر لا مفر منها، و لئنْ كان منطقيا أنْ تفتقر المناطق النائية بحكم تشتتها وصغر مجالها إلى بعض الأساسيات، فإنَّ حدًّا أدنى من الخدمات، يفترضُ أنْ يكون متأتيًا، وإلَّا ما فائدة وجود ممثلين سياسيين، إذا ما تركَ الناس لفقرهم و جهلهم و بردهم، على فطرة الخلق وبكارة الأرض.