مساهمتي في موضوع الإجهاض بالمغرب الذي نظمه بيت الحكمة اليوم بأحد فنادق الدارالبيضاء تحت عنوان من أجل قانون عادل وإنساني. هذا الموضوع الذي تتداوله عدة هيئات وجهات ومؤسسات لما له من أهمية قصوى ومستعجلة...
أرى من موقعي كإعلامي متتبع ولو عن بعد أن العديد من القضايا الإنسانية العادلة يتم التشويش عليها بأمور جانية فتضيع بدالك القضية الرئيسية والمشكل الأساس. . حقوق تضيع ------------. العديد من القضايا لابد فيها من التمييز بين المستعجل الآني الملح وبين ما يمكن فتح الحوار الطويل الأمد فيه نظرا لتداخله مع قضايا أخرى أو لتشعبه وتجدره وبالتالي أرى أنه على الحقوقيين والمهتمين على اختلاف مشاربهم أن يعوا هذا الأمر وأن "يمرحلوا" -إن جاز العبير- نضالاتهم حسب الأولويات الإنسانية الملحة، عوض أن تبقى العديد من القضايا معلقة ومعلق أصحابها فتضيع بهذا الحقوق والمصالح بل والأرواح، والخطأ في التيسير لتحقيق مصالح الناس والمجتمع أولى من الخطأ الناتج عن التشدد في تحقيق هذه المصالح ... فلا يمكن التأخر بأي حال من الأحوال في توضيح قضية مثل ظاهرة الإجهاض التي وقف فيها القانون المغربي موقف المتشدد بل أحيانا تناقضت فيها القوانين مع روح القانون والدستور والشرائع الدينية فعجز القاضي عن اتخاذ القرار اللازم لفقر النصوص القانونية وإجحافها وأحجم الطبيب عن الحسم المفروض في الحالات المستعجلة وتخلص الفقيه من وخز الضمير بفتوى يلقيها عن بعد في منبره.. .. وبالمثال يتضح المقال فمثلا وفي الحالات التي يرى الطبيب أن المرأة يجب أن تجهض جنينها نظرا لخطورة الأمر تفرض القوانين على الطبيب أن يأخذ رأي الزوج .. فكيف يسمح الضمير المهني للطبيب أن يتجاوز رأي الأم إلى رأي الزوج في قضية الحاسم فيها الأول والأخير هو الطبيب وليس غيره حفاظا على روح الأم... . ضمير مستريح ---------------- ومثل هذه القضايا كثيرة والتي أرى أن مسؤولية كبرى فيها لا تقع على التشريعات بل تقع على الممارسين الذين تقبل ضمائرهم بالعمل تحت تشريعات ظالمة وقد كان الأولى للطبيب والقاضي والفقيه أن يناضلوا من أجل عدالة هذه القوانين قبل غيرهم فهم مسؤولون مباشرون عن أرواح تزهق بغير حق بسبب تشريعات أغفلت جوانب ما لأسباب ما.... . الدولة والمجتمع ----------- كما أن مسؤولية الإجهاض ليست مقتصرة على قانون الإباحة بشروط أو المنع بشروط إنما مشكل الإجهاض له تشعبات كبيرة أخرى بعيدة عن القاضي والطبيب والفقيه. تشعبات تجاوزت كل هؤلاء لتشمل مسؤولية المجتمع سواء في تعقيد الظاهرة ومسؤولية الدولة في تغاضيها وعدم تحمل مسؤوليتها في أمر لا يمكن اعتباره إلا نتاجا لسياساتها. فحالة الضياع والتشرد التي يعيشها المواطن تجعله في حالة من العزلة النفسية والإقتصادية والإجتماعية فتصدر عنه تصرفات قد لا تكون دائما لصالح المجتمع، وبالتالي لا يمكن تحميله لوحده مسؤولية فشل سياساتها ... . العقاب العادل ---------------- وإذا استثنينا الحالات التي يجب أن يحسم فيها الطب بشكل واضح والحالات التي لايمكن قبولها دينيا أو اجتماعيا كالجنين الناتج عن الإغتصاب أو الناتج عن زنى المحارم فإن العقاب المجتمعي الذي تتلقاه المرأة أو الفتاة الحامل خارج إطار الزواج أكبر بكثير من العقاب الذي يسطره القانون أو الشرع... وبالمثال يتضح المقال : ونذكر هنا المرأة التي جاءة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تريد أن يطهرها من الزنا وهي حامل ألم يقل لها رسول الرحمة إذهبي إلى أن تضعي حملك ؟؟ أليس هذا حماية للجنين ورحمة به وبأمه ورعاية اجتماعية للجنين وهو في بطنها.. لو علم الرسول صلى الله عليه وسلم أن هذه المرأة سيشردها أهلها أوسيقتلونها أو ستتعرض لأي أذى جسدي أو مجتمعي أو نفسي فهل كان سيتركها لتعود من حيث أتت إلى أن تضع حملها ؟؟ لا أظن ذلك.. بل حين وضعت المرأة حملها وعادت إلى رسول الرحمة صلى الله عليه وسلم وقالت له ها أنا ذا وضعت حملي فطهرني يارسول الله فقال لها إذهبي إلى أن ترضعي الطفل لمدة عامين تفطميه .. أليس في هذا حماية اجتماعية نبوية للمرضعة إلى أن تلد برغم أنها تحمل ابن زنا ؟؟ فلو قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن ليس لها بيت يؤويها وليس لها مال تنفقه على ابنها أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتركها دون مأوى ودون أكل وشرب طيلة العامين ؟؟ لا اظن، بل أجزم أنه صلى الله عليه وسلم كان سيفرها كل ذلك ليبقى العقاب المستحق محدودا بما حدده الشرع وألا يتجاوزه إلى عقابات أخرى هي أشد وأنكى...