إنه الفيديو الذي حرك مشاعر الكثير وتضامن معه من يرى في ملف المهاجرين الورقة الرابحة من جهة ،كما زعزع ما تبقى من الحكومة الإيطالية التي لم تحقق من مزاعمها الانتخابية غير العناوين وإتقان الخطب الرنانة. إنه الفيديو الذي مسّ بكرامة وإنسانية من يسمونهم مهاجرين، وكأنهم لا ينتمون إلى قاموس محلي يجب التعاطي مع ملفه بما تفرضه القوانين والشرائع والدساتير الدولية. إنه الفيديو الذي يصوّر مهاجرين عراة في البرد القارس بمركز الاحتجاز بجزيرة لامبيدوزا الإيطالية، وكأنهم دمى لا روح فيها ولا أحد يبالي بها وإن شوهت وتلاعبت بها أيادي الكراهية وتقادفتها أقدام العنصرية . وأين وقع التصوير في هذه الجزيرة التي أصبحت مثلث برمودا للبحر البيض المتوسط، والتي سبق أن استشهد أمام عتبة بابها المئات من أمثال هؤلاء المهاجرين الباحثين عن جنة الجوع والعري والمعاملة الغير الانسانية.
إنه الفيديو الذي حرك حفيظة بروكسيل لتفتح على إثره المجموعة الأوروبية تحقيقا عاجلا والتي هددت فيه إيطاليا بقطع المعونة والمساعدة المادية عليها والتي تتسلمها هذه الأخيرة لاستقبال هؤلاء المهاجرين.
في نفس الوقت فتحت محكمة أغريجينطو هي الأخرى في نفس القضية الغير الانسانية تحقيقا في تهمة العنف الخاص وسوء المعاملة ضد مجهول لحد الساعة بحق أشخاص وضعوا رهن المركز للرعاية والعناية.
فالصور الصادمة للمعاملات القاسية بمركز لامبيدوزا مرعبة وغير مقبولة كما صرحت السيدة "سيسيليا مالمستروم "المفوضة الأوروبية ،والتي أعلنت بدورها عن فتح تحقيق جراء الإجراءات المخالفة لضمان تلبية المعايير الأوروبية.
كما أوضحت في نفس السياق أن الاتصالات على قدم وساق مع السلطات الإيطالية لمعرفة المزيد من المعلومات حول هذه الأحداث، طالبة تسليط الضوء على ما حدث وإعطاء توضيحات حول خرق القوانين التي وضعتها المجموعة للتماشي مع هذا الملف الذي لم تحسن إيطاليا التعامل معه بجدية.
وأكدت المفوضة الأوروبية أن هذه الانتهاكات المرعبة تكررت في العديد من مراكز الحجز الإيطالية ولامبيدوزا واحدة منها.
أما تحقيق محكمة أغريجينطو المماثل الذي يحقق بدوره في الاعتداءات على بعض نزلاء هذا المركز، الخاص باستقبال واغاثة المهاجرين السريين أو غيرهم من مجهولي الهوية أو منتهي صلاحية الأوراق .ضد هذه الاعتداءات التي تطال كثير من المهاجرين العرب والأفارقة ، عدد كبير منهم من المغاربة منهم من عرفت هويته ومنهم من يصرح بجنسية ثانية حسب ما يروج داخل هذا السجن الكبير من تجارب سابقة وحكايات متنوعة ومنهم من يطالب باللجوء وكل شيء تتخيله داخل هذا العالم ممكن.
ويعتمد كبير المحققين السيد ريناطو دي ناطالي على دليل هذا الشريط الصادم الذي أذاعت جزءا منه قناة Tg2 ، وتنسب في بداية التحقيق هذه الجرائم المزعومة المتعلقة بالعنف الخاص وإساءة معاملة أشخاص تحت الرعاية والحضانة إلى شخص مجهول، وسوف يطالب المدعي العام بالحصول على النسخة الكاملة من الشريط للتعمق في البحث والتعرف على الجاني الحقيقي لهذه المأساة، وهذا ما سيرغم القناة على فضح مصدرها وتسريب المادة بأكملها.
ظهر في شريط هذا الفيديو القصير الذي أذاعته القناة الإيطالية مهاجرون نزلوا من قاربهم بلامبيدوزا، مجموعة من الصور المتسلسلة التي تبرز هؤلاء المهاجرين عراة في الصقيع والجو المثلج القارس وهم يصطفون واحدا وراء الآخر لإخضاعهم
للفحوصات خوفا من وباء الجرب.
وتجدر الإشارة إلى أن مصور الشريط كان أحد المهاجرين الذي توفق في التسجيل برفقة مهاجر آخر قام بالتعليق على الوقائع المسجلة، والتي شحنت الأجواء وحركت السلطات المحلية والأوروبية والدولية إلى جانب المنظمات الناشطة في الهجرة.
وعلق في الختام على هذه الفضيحة الرئيس التنفيذي لمركز لامبيدوزا السيد" كونوغاليبو" من خلال راديو سيتي على أن عملية الفحوصات التي يقوم بها المركز قانونية ومقننة ببروتوكول ، متهما بعض المهاجرين أنهم قاموا بذلك من أجل الوصول إلى ما وصلت الأمور إليه اليوم.
لكن الأمور ليست بهذه السهولة كما يعتقد البعض ،فالفيديو سيوثق مشاهد ستكون ضد كل مقصر أو غير مسؤول، وتبقى الأيام والأسابيع أو الشهور وربما السنوات حبلى بنتائج هذه التحقيقات ولائحة هذه التجاوزات، ويبقى الإعلام هذين العنصرين سيد الموقف لنشر فضائح الآخرين على الملأ وأمام العالم.