شكل ما تعيشه مصر، منذ ثورة 25 يناير، شيئا داخليا صرفا، يجب على من يتناوله خارج مصر أن يحترم سيادة هذا الشعب، وإرادته الحرة في تقرير مصيره، وأن يجعل متابعته الصحفية أكثر حيادية ونزاهة في الإخبار والتحليل، وأن لا يتموقف إلى جانب الأطراف المعنية به، طبقا لمقتضيات المعالجة الصحفية المهنية المستقلة. للأسف، لم نلاحظ في النقابة المستقلة للصحافيين المغاربة، معالجة الصحافة المغربية، وبخاصة المستقلة لما حدث ويحدث في مصر وفق هذه المنهجية، اللهم إلا الهرولة إلى التهويل، والنفخ في المتابعة، والغوغائية الدعائية الرخيصة، كما برز في عناوين بعض الافتتاحيات في الصحف اليومية، وخصوصا (المستقلة) التي حاولت أن تخرج عن أبسط أخلاقيات المهنة من خلال إصدار النعوت القدحية ضد من يوجدون على رأس الدولة المصرية حاليا، إلى جانب اتهام هؤلاء بأبشع الصفات، التي تعتبر قذفا مباشرا، وتموقفا غير مسؤول لهؤلاء الذين يعتبرون رموزا للصحافيين "الحياحة" الباحثين عن ما يقربهم إلى التيارات الظلامية الإرهابية، سواء في مصر أو في المغرب، عوض أن يكونوا إلى جانب التيارات المدنية والديمقراطية والليبرالية، فماذا يعني مثلا العنوان التالي"مذابح العسكر يُخرج العشرات إلى الشارع في المغرب" وماذا يعني أيضا وصف ما حدث في ثورة مصر بأنه انقلاب عسكري، مع أنه ثورة شعب بالملايين في الموجة الثانية التصحيحية ..؟ ! وماذا بعد أن وقف ممثل المغرب في مجلس الأمن لصالح دولة مصر، انسجاما مع قناعة الدولة المغربية، وبإيمانها العميق بضرورة مساندة ودعم أشقائها العرب في السراء والضراء، خصوصا في زمن الهرولة نحو لوبيات الضغط في الغرب، التي تترقب من يساندها من الدول العربية في ضغوطها على الدولة المصرية، التي استجابت لإرادة شعبها في الحرية والديمقراطية، وضد الأخونة، التي أراد تيار الرئيس المعزول مرسي فرضها على المجتمع المصري، لذلك ترى النقابة المستقلة للصحافيين المغاربة في هؤلاء "الحياحة" إعلاما مأجورا للتنظيم الدولي للإخوان المسلمين، وممن لم يرقهم هذا الموقف المغربي المنحاز للشرعية الشعبية في مصر، التي رفضت استمرار حكم الإخوان، الذي يتعارض مع مصالحها وتطلعاتها المشروعة في الحرية والكرامة والعدالة. لن نعطي الدروس لأحد، لكن الواجب المهني والقومي يفرض علينا تنبيه هؤلاء الذي ألفوا تشويه الحقائق، والارتزاق على حساب المبادئ والقيم في المشهد الإعلامي، علما أن هذه التجاوزات التي سجلناها لا تتطابق مع ما كنا نراه في هذه الأقلام الصحفية في مواقفها اتجاه القضايا التي تشغل المواطن المغربي، فبالأحرى أن يرفض هؤلاء عدالة الموقف الرسمي المغربي الشجاع، وبالوقوف إلى جانب من رفضوا ثورة الشعب المصري الثانية في 30 يونيو 2013، واتهام الحكومة بالتقاعس والتراجع في مساندة إخوان مصر. لسنا في النقابة المستقلة للصحافيين المغاربة، في حاجة إلى تذكير هؤلاء "الحياحة" بضرورة احترام أخلاقيات المهنة في التعامل مع القضايا التي تثير الشارع المغربي، وحتى إن كان هؤلاء من حقهم أن يكونوا "حياحة" لأولياء النعمة في الداخل والخارج، فإن المسؤولية المهنية تقتضي منهم الاحترام، ومن موقعنا المدافع عن الحرية الصحفية، وتحصين ممارستها، نؤكد لهذه الأبواق التي تلتقي مع مواقف الغرب الرأسمالي والامبريالي، الذي انكشفت مخططاته في الربيع العربي، الذي يريد أن تكون نتائجه في خدمة مشروعه الهيمني للمنطقة في إطار ما يسمى بالشرق الأوسط الكبير، الذي انطلق من ما عاشه العرب في ليبيا .. تونس .. اليمن .. العراق .. سوريا ومصر من أجل قيام كيانات مفككة ومبلقنة، وقادرة على تنفيذ الأجندة السياسية والاقتصادية، التي تخدم مصالح هذا الاستعمار الجديد، الذي تتعارض أهدافه مع طموحات العرب في الديمقراطية والعدالة والتنمية المستقلة. لذلك، كان احتجاجنا الكبير على هذه الخدمة الإعلامية المأجورة، التي يقومون بها اتجاه ما يجري في الشقيقة مصر، والذي يعتبر شأنا داخليا خالصا، ناهيك على أن هذا النمط من السلوك الصحفي يضرب في الصميم استقلالية العمل الصحفي ونزاهته، ويحوله إلى ممارسة إعلامية مخدومة ورخيصة، وتتنافى مع الحلم في الإعلام المستقل والمهني والمواطن والديمقراطي والتحرري، الذي يتطلع إليه الجميع. نستنج من هذه المتابعة لما ينشر في إعلامنا المستقل (ياحسرة)، أن مثل هذه التجاوزات المهنية غير مقبولة، ونحمل أصحابها نتائجها، وإن كانت لأصحابها أهدافا غير معلنة لصالح الأطراف المعنية بها في مصر، فواجبنا النقابي والوطني والمهني يفرض علينا عدم السكوت عنها، ومطالبة أصحابها بضرورة احترام مقومات وقواعد العمل الصحفي المسؤول والمستقل والنزيه الأمانة العامة للنقابة المستقلة للصحافيين المغاربة