عند قراءتنا لموقف السيد مصطفى الرميد وزير العدل والحريات من ملف الأطر العليا المعطلة، حيث قال أن التوظيف المباشر هو الفساد بعينه. وجب علينا هنا التذكير -لأن الذكرى تنفع المؤمنين- بمواقف السيد وزير العدل والحريات بالأمس القريب من الإدماج المباشر، وبمواقف حزبه الذي يقود الحكومة. ننقب قليلا في صفحات الماضي، حيث سنعود لأول مجموعة للأطر العليا المعطلة التي تأسست بالمغرب، والتي كان لها الفضل في تحقيق مكسب التوظيف المباشر في عهد الملك الراحل الحسن الثاني، حيث ذاقت أشد أنواع القمع والتنكيل بشوارع الرباط لسنوات أيام كان فيها الاحتجاج أمام قبة البرلمان من سابع المستحيلات. أمام التحديات التي واجهها المعطلون حينها، لم يعد لهم من خيار إلا الدخول في إضراب مفتوح عن الطعام بمقرر الإتحاد المغربي للشغل، خطوة أحرجت السلطات المعنية مما أضطرها لاتخاذ قرار حاسم يجنبها الكارثة. كانت جل التحليلات تشير إلى أن السلطات ستلجئ للتدخل الأمني من أجل فك الاعتصام وإفشال معركة الأمعاء الفارغة. لكن تفاجئ الجميع بتدخل الراحل عبد الكريم الخطيب الذي راسل القصر بخصوص ملف الأطر العليا المعتصمة ليكون الجواب بالإيجاب، ليستقبل الملك الراحل الحسن الثاني مسؤولي الأطر العليا المعطلة شخصيا مبشرا إياهم باستجابته لمطالبهم المتمثلة في الإدماج المباشر في أسلاك الوظيفة العمومية. هنا وجبة الإشارة إلى أن المرحوم عبد الكريم الخطيب وهو مؤسس حزب العدالة والتنمية، كان له دور رئيسي ومحوري في فتح باب التوظيف المباشر بالنسبة للأطر العليا المعطلة. منذ ذلك الحين تشكلت مجموعات ومجموعات و تم إدماج الآلاف من الأطر العليا المعطلة بشكل مباشر، مرحلة كان فيها حزب العدالة والتنمية الذي يرأس الحكومة الحالية هو الراعي الرسمي لملف الأطر العليا المعطلة. ومن منا لا يتذكر مواقف حزب السيد وزير العدل والحريات من هذا الملف أيام المعارضة حيث كانت جل الأسئلة المرتبطة بالموضوع يتم طرحها من طرف فريق العدالة والتنمية بمجلس النواب، أيام كان برلمانيوا الحزب في زمن المعارضة يطلقون العنان ويملئون البرلمان صراخا وتنديدا وشجبا لما تتعرض له الأطر العليا المعطلة من قمع وتنكيل مطالبين بضرورة الاستجابة لمطالب والاستفادة من طاقاتهم بدل قمعهم والتنكيل بهم. لم يتوقف الدعم داخل قبة البرلمان، فالسيد وزير العدل والحريات في زمن المعارضة، أيام كان يرأس منتدى الكرامة لحقوق الإنسان، نزل للشارع العام ليساند المعطلين أثناء صمود لهم بشارع محمد الخامس بالرباط، وكان يصرخ في وجه الأمنيين مستنكرا التدخل الأمني العنيف الذي طال المعطلين المطالبين بالإدماج المباشر. بعدها بسنين تغير موقع السيد الرميد ليصبح وزيرا، وتغير موقفه كذلك. فحين حط الرحال بجنيف لتقديم تقرير المغرب حول حقوق الإنسان، طرحت أثناء المناقشة أسئلة كثيرة بخصوص الوضعية الحقوقية المتردية للمعطلين بالمغرب، كما أشار المتدخلون إلى محرقة الأطر العليا المعطلة التي أستشهد على إثرها الإطار عبد الوهاب زيدون، فكانت الإجابة على لسان السيد الوزير بأن مطالب المعطلين تفوق إمكانيات الدولة، وأن التدخلات الأمنية تكون في كثير من الأحيان ضرورية. ترى ما الذي تغير بين الأمس واليوم لكي يتغير موقف السيد مصطفى الرميد من ملف المعطلين. نستمر في نبش الماضي، وبينما نقلب صفحات مجموعات الأطر العليا المعطلة نجد أن كثير من الكتاب العامين لمجموعات المعطلين كانوا ينتمون لحزب العدالة والتنمية، بل إن بعض أعضاء الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية استفادوا من الوظيفة العمومية عن طريق الإدماج المباشر. زوجة وزير من حزب السيد مصطفى الرميد ناضلت إلى جانب المعطلين لمدة طولية، ورغم حصولها على الوظيفة عادة زوجة السيد الوزير بكل مبدأيه إلى جانب زوجها لتساند المعطلين ماديا ومعنويا. كما تجدر الإشارة إلى أن حزب العدالة والتنمية كان يفتح مقراته لمناضليه داخل صفوف المعطلين. وفي سياق الحديث لابد الإشارة إلى محضر 20 يوليوز، وكذ المرسوم الوزاري الإستثنائي 2.11.100 الذي تحاول الحكومة التنصل منهما بكل ما أتيت من وسائل، وجب التذكير كذلك بأن السيد عبد الله بوانو رئيس فريق العدالة والتنمية بمجلس النواب، كان من المدافعين عن تفعيل محضر 03 غشت 2007 الذي ورثته حكومة عباس الفاسي عن حكومة إدريس جطو، وكان حزب العدالة والتنمية آنذاك يعتبر الالتزام بمحضر 03 غشت واجبا أخلاقيا وسياسيا، احتراما لالتزامات الحكومة السابقة وضمانا لمبدأ استمرارية المرفق العام. ونحن نستحضر كل هذه الأحداث، مع ذكر بعض الأسماء ليس من أجل التشهير أو التشويه، ولكن لنجيب عن السيد وزير العدل والحريات ولنذكر بأيامه الغابرة ومواقفه السابقة، وهو القائل اليوم أن الإدماج المباشر هو عين الفساد. إجابة تستدعي طرح الكثير من الأسئلة والتساؤلات. ألم يكن حزب العدالة والتنمية من المدافعين الرئيسين عن ملف الأطر العليا المعطلة أيام المعارضة؟ ألا يعتبر هذا الدعم دعما للفساد؟ أولم يستفيد الكثير من مناضلي حزب العدالة والتنمية من الإدماج المباشر؟ أو ليس حريا بالسيد الوزير التحدث عن الفساد الحقيقي الذي ينخر الاقتصاد المغربي بدل محاربة أبناء الفقراء؟ ألا يعتبر تبذير المال العام في المهرجانات الماجنة فسادا؟ أم أن السيد الوزير لا يستطيع الحديث عن الفساد الحقيقي خوفا من التماسيح والعفاريت؟ نترك الإجابة لكل متتبع للحدث، وكذا للسيد الوزير المحترم مصطفى الرميد. غير أن ما نسجله على السيد الوزير، وعلى حزبه الذي يرأس الحكومة، أنه عندما تغيرت مواقعهم تغيرت مواقفهم ومبادئهم.