عقل الإنسان ليس مجرد مخزن للحقائق بقدر ما هو أداة للوصول للحقيقة، والحقائق أحياناً منها الملموس والمحسوس، وتوجبه رد فعل مدروس بين ممكناته ومقاومته للمؤثرات الخارجية أو إنصياعه لها، فيندفع بإتجاهات متعددة منها بإتجاه الصواب أن تمسك بالعقل، وبالعكس ان إنجرف بالمؤثرات. الحقيقة في العراقية تكاد أن تكون مفقودة او مشوهة، عندما يتحدث جميعهم عن حقيقة واحدة، ويسعون لها بطرق متعددة منها المتقاطعة والمتنافرة والمتناحرة. حقيقة واحدة يتفق عليها الشعب والنخب وكل ذي عقل، إن العراق مَرَّ بمنعطفات كادت تودي بالدولة وتمزق خارطة الوطن، وجميع الأطراف الشعبية والسياسية تدعي سعيها للوقوف بالضد، لكل ما من شأنه خرق النظام والتجاوز على الحقوق، بفشل أو فساد أو سوء تطبيق قانوني، يختلف بطبيعة إختيار الأشخاص، وكيف للمجتمع أن يكون مصدر سلطة وصانع قرار. كل يفكر بنقمة وسخط على الأداء الحكومي والبرلماني، ولكن الخيار مخالف لطبيعة السخط والواقع، وإلاّ لما قابل كل هذا الفشل والفساد عودة الى إختيارات غير صحيحة، مرة بدوافع عشائرية أو طائفية أو حزبية أو مادية، وما يعنينا أحياناً يختار الناخب شخص كفوء نزيه ولكنه أما أن يكون عاجز عن الإدارة والشجاعة والفعل أو في قائمة سيئة لا تسمح له بممارسة دوره. إنها ليست معركة شعب ولا لأجل شعب، بل تدور بين قوى فازت ومنها بالتزوير ولا تُريد التراجع، وقوى خسرت وإعترضت وإن كلف ذلك دماء، فجمعت الثانية الأدلة وكأنها الأولى في تزوير الحقائق وتمرير قوانين بصيغة تقاسم الكعكعة، ويسكت جميعهم عن تزوير وزيف العمل السياسي، وإختلف الغالب والمغلوب وشخصيات كبيرة خسرت فقلبت الطاولة، ولولا هذا التغيير الكبير في خرائط القوى لقالوا إنتخابات نزيهة، وهاهي الإهانة التي يشعرها الخاسرون، ستدفع بهم إلى حد إلغاء النتائج نهائياً، ولن يرضيهم حتى الفرز اليدوي أن خسروا، وسيقبلون بحكومة طواريء أو أيّ إحتمال وأن وصفوه بالحرب الأهلية وتعود العملية الى الصفر وعليهم وعلى أعداء كانوا مناصفيهم قسمة التزوير. يُغيب دور الشعب في كل الأحوال، سواء شارك أو لم يُشارك، ولا يجني سواء إنتصر هذا أو خسر ذاك، وتقاسم الغنيمة بين الفرقاء هي السبيل الوحيد لضمان حياته بأسوئها. يدعي كلا الفريقين أنه غاضب لأجل الشعب، ولأجل المحافظة على العملية الديموقراطية، لكنه شعب يعاني من سوء الخدمات وغياب المشروع والقتل العلني، والدكتاتورية في ظل هيمنة أحزاب وأشخاص وقوى لا تمانع من إستخدام القتال كوسيلة لتسلطها، والشعب كفاقد وعي يستخدمه الساسة للإستجداء، فيأكلون ما يحصلون عليه من أموال بأسمه، ولا يشعرون بعذاباته، في ليالٍ حمراء مضرجة بالدماء وقطرة حياء جبين المواطنيين، والنظام الإنتخابي لا يضمن لك وصول من تنتخب أحياناً، وقد تصوت لشخص ويذهب لآخر، وفي قوائم فاسدين إستخدموا أساليب مشبوهة وإشتروا ذمم وإستخدموا المال العام، لضمان الحصول على أعلى الأصوات في القائمة، وبذلك يذهب الصوت لقائمة ستكون معظمها فاشلة، أو إعادة لتدوير نفس الوجوه الكالحة، التي تتصارع في معركة لا خاسر فيها سوى المواطن.