كل كلمة فى هذا التحقيق حقيقة والحقيقة دائما أغرب من الخيال.. إن التزوير على ما يبدو عادة مصرية أصيلة.. لا نستطيع أن ندخل مجلس الشعب بدونها.. كل ما حدث من تغيير هو أن التزوير انتقل من الشرطة إلى الشعب.. ومن العلن إلى الخفاء.. وكانت النتيجة النهائية إشادة بنزاهة الانتخابات وشدة إقبال الشعب عليها.. وهى فى الواقع خدعة ووهم وجريمة شيطانية ارتكبت ببراعة ودهاء.
من كان يجرؤ أن يرمى الانتخابات البرلمانية بسوء؟
هل هناك إنسان كائنا من كان أن يقول إن اعظم انتخابات جرت فى تاريخ مصر قد شابها التزوير والتزييف والبطلان؟
كيف وقد شهد العالمين لنا، كيف وقد بصم جيمى كارتر بأصابعه العشرة على أن الانتخابات جرت فى شفافية ونزاهة وامان، كيف وقد تعهد المجلس العسكرى أن يضمن تلك النزاهة ويحمى هذه الشفافية.
ما تحت ايدينا من اوراق ومستندات هى أصلا باتت فى ذمة القضاء، يؤكد أن الانتخابات البرلمانية المصرية من الممكن أن يطلق عليها أى وصف فى الكون إلا وصف النزاهة والشفافية.
هذه المستندات ما كانت لتظهر أو تنكشف لولا عمليات التزوير «الفاجرة» التى جرت ومصر لم تبرد نار حزنها وغضبها على شهداء الثورة المصرية.
لقد تكشفت الخيوط الأولى للفضيحة فى دائرة الدكتور مهندس إبراهيم مصطفى كامل وهى الدائرة الرابعة فردى فى المنوفية.
الرجل الذى سبق أن دخل فى معارك انتخابية شرسة ضد كمال الشاذلى فى عز سطوته ونفوذه، ثم خاض معركة بنفس الشراسة مع أحمد عز وهو فى قمة سيطرته وتحكمه فى مصر كلها، كأن قدره أن يواجه امين تنظيم الحزب الحاكم، لكن هذه المرة كان يواجه شيئا آخر.
تسلم الرجل اسطوانة مدمجة من اللجنة العليا للانتخابات بأسماء الناخبين فى الدائرة دون ذكر أرقام البطاقة القومية برنامج (PDF) كل صفحة فيها عبارة عن صورة لا يقرأها الكومبيوتر على انها كلمات أو حروف.
لكن مواقف غريبة شاهدها انصار الدكتور ابراهيم كامل اثناء الانتخابات لفتت انتباههم، منها أن اكثر من شخص كان يحمل فى يده اكثر من بطاقة، كما شاهدوا مجموعة من الاشخاص يركبون ميكروباص بدون ارقام خرجوا من مدرسة السادات الاعدادية بمركز السادات.. ثم شوهدوا يخرجون من مدرسة الاعدادية الحديثة بنات مركز منوف، لكن كل هذه المشاهد لم تدفع أحدًا أن يحكى ما رآه إلا بعد أن قامت موظفة بمكتب ابراهيم كامل لخدمة المواطنين تقص موقفا حدث معها عندما سقطت بطاقتان من رجل أمامها كان يسألها عن لجنته الانتخابية.
بدأ الجميع يحكى مارآه وبدأ ابراهيم كامل يربط الأحداث، لكنه لم يتخيل أن يصل الأمر إلى كل هذا الفجور، فطلب من مهندسى الإلكترونيات فى مكتبه أن يبحثوا فى الأسماء الموجودة على السى دى إذا كان بالامكان العبث بها أم لا، كأن يحدث لها نسخ أو تعديل.
بدأ المهندسون فى العمل وكانت الخطوة الاولى هى هل يمكن تحويل برنامج (pdf) إلى برنامج (وورد) وبالتالى يمكن للكمبيوتر أن يقرأها ومن ثم تعديلها ونسخها؟! وبقليل من الجهد وعبر برامج محددة اتضح أن كل هذه الملفات سهلة العبث بها لمن يعرف ويهدف لأمر ما.
هنا فاحت رائحة كريهة كانت كفيلة بأن تشعرك بالغثيان والقرف من قدرة البعض أن يزيف إرادة امة نزفت كل هذه الدماء وسقط منها كل هؤلاء الشهداء من اجل نسمات الحرية، فاذا بفريق أو جماعة تعبث بالارواح التى زهقت وتضع كميات من السم فى وجبة كان مفترضًا أن تكون عسلا.
اكتشف المهندسون أن هناك عددا كبيرا من الأسماء المكررة بأعداد غير طبيعية وغير منطقية أيضا، وهنا تذكر ابراهيم كامل كيف حاول أن يستخرج شهادة من مصلحة الضرائب وعندما كتب الموظف اسمه على الكمبيوتر ظهر له سبعة اشخاص يحملون اسم «ابراهيم مصطفى كامل» ولما طلب من الموظف أن يضيف الاسم الرابع «محمد» فاذا بنسب التشابه تهبط إلى ثلاث فقط.
حدث هذا وهو يبحث فى سجلات الضرائب على مستوى مصر كلها التى يبلغ عدد سكانها 85 مليونًا، فى حين أن كشوفات دائرة واحدة هى منوف التى يبلغ عدد الأصوات 305 آلاف صوت اتضح أن شخصا واحدًا اسمه « محمد حسن محمد حسن» تكرر اسمه 7 مرات فى مركز منوف، ثم تكرر اسه 13 مرة فى مركز الباجور.
سقط الأمر فى يد الرجل، فظل يبحث ويبحث، ويأتى ببرامج معينة لإعادة ترتيب الأسماء المتكررة فكانت الصدمة التى لم يفق منها حتى الآن.
بمراجعة كشوف الناخبين فى دائرة فردى واحدة وهى «منوف-السادات» على ما فى الأسطوانة من أسماء اتضح وجود 4700 شخص (حوالى 10 % من إجمالى من لهم حق الانتخاب فى الدائرة) يحملون أكثر من رقم قومي.. أقلهم بطاقتان وأكثرهم تسع بطاقات.. كل بطاقة صادرة بنفس الاسم ولكن على محل إقامة مختلف.
فمثلا الناخب الخارق للطبيعة السيد «محمد حسن محمد حسن» من حقه أن يصوت فى المدرسة الاعدادية بالطرانة ومدرسة الفاروق عمر بن الخطاب الابتدائية بمركز السادات وفى نفس الوقت من حقه أن ينتخب فى مدرسة الاستقلال بزاوية رزين ومدرسة الشهيد طيار محمد سامى جادو للبنات والمدرسة الاعدادية الحديثة بنات ومدرسة برهيم الابتدائية بنين بمركز منوف.
قد يعتقد أحد - وأنا كنت منهم أن الأسماء كثيرا ما تتشابه خاصة أسماء مثل محمد واحمد وابراهيم وحسن. لأنها منتشرة جدا بيننا، لكن ماذا تقول عندما تتأكد أن السيد «محمد على محمود عبد المنعم سلطح» قد تكرر اكثر من مرة وهو ما حدث ايضا مع «محمد عيد محمد اسماعيل صحصاح» وهو اسم خماسى أيضا، نفس الأمر تكرر مع السيد «محمد كمال عبد المقصود احمد صحصاح».
لوهلة اعتقد الدكتور ابراهيم كامل أن هناك مؤامرة عليه للإطاحة به أو ابعاده من دخول البرلمان، وان منافسيه دبروا بليل للتزوير ضده، لكن ما كان يعتقده اتضح انه يفوق ما كان يعتقد، وأن المؤامرة ليست عليه فقط، لأن المؤامرة هذه المرة بصدق وبدون مزايدات على مصر كلها، ليعاد إنتاج حزب وطنى جديد بنفس الأفكار القذرة، وبنفس المبادئ الواطية.
السؤال هنا: كيف يستطيع هذا أو ذاك كائنا من كان أن يصوت فى اكثر من مدرسة واكثر من لجنة بداخل نفس المدرسة، خاصة أن القاضى المحترم أول ما سيفعله مع الناخب أن يطلب منه بطاقة الرقم القومى ليتأكد من وجوده فى نفس العنوان ثم وجوده فى كشوفات اللجنة، فمثلا السيد «محمد حسن محمد حسن» لو محل إقامته المسجل فى بطاقة الرقم القومى الخاصة به فى زاوية رزين مركز منوف، لن يستطيع أن يدلى بصوته فى أى لجنة بمركز منوف، ناهيك طبعا عن تصويته فى مركز السادات، ناهيك عن تصويته فى محافظة اخري.
لكن ما توصل اليه الدكتور ابراهيم كامل والمثبت فى دعواه القضائية المرفوعة امام القضاء أن هذا الشخص صدر له اكثر من بطاقة رقم قومى كل بطاقة مدون عليها عنوان مختلف، بعض هذه البطاقات تحمل نفس الرقم والبعض الآخر يحمل ارقاما مختلفة.
ليس هذا فقط.. فقد تكرر اسم محمد أحمد محمد إبراهيم سبع مرات.. فى اللجنة رقم (160) تحت مسلسل (249) بزاوية رزين.. وبمدرسة الفاروق عمر بن الخطاب بمركز السادات فى اللجنة (273) تحت مسلسل (601).. وبمدرسة السادات الإعدادية المشتركة باللجنة (314) تحت مسلسل (682).
كما تكرار اسم كل من محمد جابر الفقى ومحمد جاد محمد جاد ومحمد جمال عبد الحميد ومحمد جمال عبد الناصر أكثر من مرة فى أكثر من اللجنة وفى أكثر من قرية ومدينة.
وتكرار اسم كل من محمد حسن محمد حسين (11) مرة فى أكثر من لجنة، فضلا عن تكرار اسم محمد على محمد على (12) مرة فى أكثر من لجنة وفى أكثر من مدرسة، واسم كل من محمد محمود محمد محمود (6) مرات فى أكثر من لجنة وفى أكثر من موقع انتخابى، واسم محمد مصطفى محمد مصطفى (6) مرات ومحمد موسى محمد موسى (5) مرات فى أكثر من لجنة وفى أكثر من موقع انتخابى.
مرة اخرى حتى لا ننسى من هول المفاجأة، هناك فى دائرة واحدة وهى دائرة منوف/السادات هناك 4700 شخص (حوالى 10 % من إجمالى من لهم حق الانتخاب فى الدائرة) يحملون أكثر من رقم قومى، بحيث يكون لديهم القدرة على التصويت 30 ألف مرة، بمعنى أنهم قوة تصويتية قوامها 30 ألف صوت.
هذه المعلومات مثبتة وموثقة فى مذكرة رفعها جابر فوزى الجمال محامى إبراهيم مصطفى كامل إلى رئيس اللجنة العامة للانتخابات بمحافظة المنوفية، كنا نعتقد أن قرارا فوريا بوقف الانتخابات واحالة المتسببين فى هذه المهزلة إلى النيابة، لكن نتيجة المذكرة انها قيدت برقم 66 بتاريخ 15 ديسمبر.
اعتقد الرجل أن انتخابات الإعادة سوف تتوقف لحين الفصل فى الفضيحة، لكن لا حياة لمن تنادى، وتم جولة الإعادة بنفس الأسماء التى سبق تكرارها.
قرر الرجل أن يجرى نفس البحث على الدائرة المجاورة له وهى دائرة فردى اشمون/الباجور التى تشترك مع دائرته فى الدائرة الثانية قائمة بالمنوفية.
فتوالت المفاجآت أن من جهز ورتب وخطط لعملية التزوير هذه لم يضع فقط 30 ألف صوت فى دائرة فردى واحدة، بل وضع 30 ألف صوت انتخابى مزور آخر بأسماء اشخاص معلوم اسماؤهم مقيمين فى دائرة اشمون/الباجور ومسجلين فى لجانها الانتخابية وفى نفس الوقت أسماؤهم موجودة فى الكشوف الانتخابية فى دائرة منوف/السادات، وبالتالى فان القوة التصويتية غير الحقيقية ارتفعت إلى 60 ألف صوت انتخابي.
فتقدم بشكوى ثانية للجنة العامة للانتخابات بالمنوفية تحت رقم 67، لكنها لحقت بالشوى الاولى، فما كان من الرجل إلا أن توجه إلى النيابة العامة لتقديم بلاغ رسمى وطالب بالتحقيق فى تلك الوقائع، وقيدت تحت رقم 2607 ادارى منوف، التى تم إحالتها إلى المحامى العام بشبين الكوم وقيدت هناك تحت رقم 3496 عرائض شبين الكوم، ثم حولت إلى قضية اخذت رقم 3168 لسنة 13قضائية امام القضاء الادارى بمجلس الدولة اختصم فيها ابراهيم كامل المشير حسين طنطاوى رئيس المجلس العسكرى بصفته.
طالب محامى إبراهيم مصطفى كامل فى الدعوى بالتحفظ على نسخة من كشوف الناخبين فى جميع اللجان بالدائرة والمدون بها الرقم القومى قبل إجراء الانتخابات وبعدها وذلك لإثبات التصويت فى أكثر من لجنة بذات الرقم القومى من عدمه لتقديمها إلى المحكمة.
المحكمة قررت بجلسة 24ديسمبر إحالة الدعوى للمفوضين لاعداد تقرير بالرأى وتحدد لها جلسة 24 يناير المقبل.
السؤال الاهم هنا من فعل هذا؟ ومن لديه القدرة والجرأة على التزوير بهذا الشكل الفج؟ الاهم من هذا المستفيد المباشر من تكرار الأصوات؟
لن نخوض كثيرا فى لعب دور المحقق البوليسى، أو المفتش القضائى، لكننا فقط سنضع بضعة ارقام للمرشحين فى انتخابات الاعادة فى دائرة منوف/السادات، فقد حصل إبراهيم حجاج مرشح فئات عن الحرية والعدالة على 114 ألف صوت فى حين حصل ابراهيم كامل على 98 ألف صوت، وحصل انور البلكيمى عن حزب النور عمال على 102 ألف صوت فى حين حصل ايمن عبد الهادى فلاح مستقل على 86 ألف صوت.
المستندات اوضحت أن هناك 4742 شخصًا صوتوا اكثر من مرة، بعضهم تكرر اسمه تسع مرات وبعضهم تكرر اسمه مرتين، بمتوسط أصوات مزورة خمسة، فاذا ضربناها فى عدد من تكرررت اسماؤهم فسنجد أن لدينا فى صندوق انتخاب الفردى بدائرة منوف/السادات 23 ألفًا و710 أصوات، قم بعمل الحسبة بنفسك، واحذف الأصوات المكررة من الفائزين ستدرك أن النتيجة اختلفت تماما.
فى نتيجة القائمة حصل حزب الحرية والعدالة على 269 ألف صوت وحصل النور على 129 ألف صوت، والوفد على 174 ألف صوت، ، واذا علمت أن عدد الاشخاص الذين تكررت اسماؤهم فى كشوف الدائرة الثانية قائمة المنوفية بلغوا 28 ألفًا و643 صوتا اضرب الرقم فى متوسط خمسة ايضا رغم أن بعض الاشخاص تكررت اسماؤهم 28 مرة، سنجد أن عدد الأصوات المكررة 143 الف صوت، احذفها من الناجحين ستدرك أن النتيجة اختلفت.
من إذا المستفيد من الأصوات المكررة؟
ماحدث بالمصادفة مع الدكتور ابراهيم كامل حدث بالإبلاغ مع الدكتور ابراهيم عوارة المرشح بالدائرة الاولى الغربية، فقد بلغه من صديقه ما جرى فى المنوفية، فقرر ألا ينتظر وبادر بالبحث والتحرك مع الاستعانة بالبرامج الخاصة التى حصل عليها ابراهيم كامل، وبخبرات ما عنده من مهندسى حواسب آلية، فكانت النتيجة لا تختلف بشاعة وفداحة عما حدث فى المنوفية.
المستندات التى تحت ايدينا تكشف عن تكرار لا حد له فى الأسماء بلغ 22 ألفًا 440 شخصا، وهو رقم مؤثر للغاية فى نتيجة الانتخابات.
حمل الدكتور ابراهيم عوارة ما بيده من معلومات ووثائق وذهب بها إلى المحكمة طالبا ايقاف الانتخابات لحين تنقية قاعدة البيانات والكشوف الانتخابية، وهناك وقف محامى الحكومة يناور ويحاول أن يكسب وقتا، لكن المحكمة طالبت اللجنة العامة للانتخابات باحضار الكشوف الاصلية لتبيان حقيقة التكرار.
وفجأة خرج الحكم برفض الدعوى بحجة أن ارقام بطاقات الرقم القومى مختلفة، فاندهش الدكتور عوارة من الحكم، لكنه لم ييأس، وقرر أن يكمل المشوار حتى النهاية، ولجأ إلى المحكمة الإدارية العليا.
وحتى صدور حكم الادارية العليا، على الدكتور عوارة أن يتعايش مع بعض الحقائق التى يعرفها جيدا.. وهى أن 65 شخصا تكررت اسماؤهم تسع مرات، فى حين أن 115 شخصا تكررت اسماؤهم 7 مرات وان 281 شخصا تكررت اسماؤهم 6 مرات وأن هناك ما يقرب 1742 شخصا تكررت اسماؤهم ثلاث مرات، ومئات من الاشخاص تكررت اسماؤهم مرتين على الاقل.
وساضرب لكم مثلا لفداحة التكرار، اسم احمد ابراهيم محمد سيد احمد سيمه، من الصعب أن يتكرر اسما سداسيا، لكن بقدرة قادر يستطيع هذا الرجل أن يصوت مرتين مرة فى مدرسة الشهيد يحيا الوطن الابتدائية، ومرة فى مدرسة على بن أبى طالب الابتدائية فى الدائرة الأولى بالغربية.
ماحدث فى المنوفية والغربية حدث ايضا فى المنصورة، والتى نقل المعلومة إليها الدكتور حمدى الشتوى، والذى اكتشف المرشحون فى دائرة أولى الدقهلية فردى أن تكرار الأسماء هناك بلغ الحد الاقصى، حيث تكررت أسماء فى الكشوفات ل 30 مرة، واصبحت الأصوات المكررة تنافس الأصوات المكررة فى المنوفية والغربية حيث تتراوح ما بين 22 ألف صوت و28 الف صوت مكرر.
المسألة ليست خاصة بدائرة فى المنوفية أو اخرى فى الغربية أو ثالثة فى الدقهلية، بل إن المسألة لم تعد مقصورة على المحافظات الثلاث التى تحرك فيها المرشحون وصرخوا صرختهم التى لم يسمعها احد لا فى اللجنة العليا ولا فى اللجان العامة ولا حتى فى المحاكم أو النيابات.
المسألة واضح أنها تعدت هذه المحافظات إلى مصر كلها، فقط اكتشفنا أن فى الجيزة فى الدائرة الرابعة حدث نفس الأمر.. تكررت الأسماء بشكل مفزع وبات السيد «محمد على محمد على» يستطيع أن يصوت فى لجان رقم 45 ولجنة رقم 4 أيضا، فى الأولى اسمه تكرر ثلاث مرات وفى الثانية اسمه تكرر مرتين، يعنى لهذا الاسم الحق فى التصويت خمس مرات، هذا من واقع عشر لجان فقط، هى كل ما استطعنا أن نبحث فيها من أصل ما يفوق 700 لجنة.
ما حدث فى الجيزة حدث ايضا فى القاهرة فى دائرة قصر النيل، أسماء مكررة، بسبب تفوق القدرة على التحمل.
لن اعيد تكرار ما حدث فى القاهرة أو الجيزة لأنه تقريبا بالضبط ما حدث فى المنوفية والغربيةوالدقهلية، باختلاف فى أسماء الاشخاص وأسماء المدارس وأسماء اللجان والمراكز.
الفكرة واحدة، الهدف واحد، فصيل معين له القدرة على توجيه اعداد كبيرة من البشر، لديه القدرة على أن يصدر أمرا بارتكاب جريمة جنائية عقوبتها السجن لمدة تصل إلى خمس سنوات، حيث شددت التعديلات الأخيرة فى قانون مباشرة الحقوق السياسية التى أعدتها وزارة العدل بجعل عقوبة اختلاس أو خفاء أو إتلاف قواعد بيانات الناخبين أو بطاقاتهم الانتخابية هى السجن بدلا من الحبس، كما شدد القانون فى المادة (48) بجعل الحبس فيها مدة لا تقل عن سنة والحد الأقصى فيها يصل إلى خمس سنوات وبغرامة لا تقل عن عشرة آلاف جنيه ولا تجاوز مائة ألف جنيه، سيما أن هذه المادة تتضمن جريمة الرشوة الانتخابية.
من هو هذا الفصيل الذى من المستحيل أن يفعل ما فعله فى قاعدة البيانات دون تدخل وموافقة واشراف وزارة الداخلية، التى تمد اللجنة العليا للانتخابات بهذه القاعدة.
البعض غالى كثيرا فى القلق عندما تم تعيين اللواء رفعت قمصان مساعد وزير الداخلية فى اللجنة العليا للانتخابات خاصة عندما يعمل مع قضاة فى منتهى الطيبة والبساطة السياسية، رغم اسهاماته غير المحدودة فى اكثر انتخابات تزويرا وتدليسا فى التاريخ السياسى المصرى عام 2010.
سأعود قليلا إلى الوراء، عندما تم الاعلان عمن لهم حق الانتخاب فى هذا الموسم الانتخابى، وقيل وقتها انهم بلغوا نحو 50 مليون ناخب.
وقتها جن جنونى كيف يمكن أن تكون نسبة من لهم حق التصويت فى اغلب دول العالم ما بين الربع إلى الثلث من عدد السكان لكن فى مصر تجاوزت النصف، بل واقتربت من نسبة 60% من عدد السكان.
لكن الدكتور ابراهيم كامل اكد لى أن الرقم الذى تم الاعلان عنه به مبالغة كبيرة جدا، وان هذا الامر اعلنه الدكتور عارف الدسوقى استاذ الاحصاء بجامعة اكتوبر والذى صرح من قبل بأن الرقم الحقيقى لمن لهم احقية الانتخاب يقل 9 ملايين شخص عن الرقم المعلن.
قد نختلف فى رقم أو اثنين، قد نختلف فى عشرة أو عشرين، فى مائة أو مائتين، فى الف أو الفين، لكن أن نختلف فى تسعة ملايين، فهذا امر يفوق قدرة الانسان على التحمل.
حاولت كثيرا ألا اكيل الاتهامات إلى تيار أو فصيل أو جماعة، لا استطيع أن اصمت اكثر من ذلك، ليس هناك مستفيد من كل هذه الأصوات المتكررة سوى الفائز بالانتخابات، والتى لم يتوقع احد بمن فيهم قيادات الإخوان المسلمون انفسهم أن يحصلوا على هذه المقاعد وهذا التصويت.
نعم انا اتهم جماعة الإخوان المسلمين بالاستفادة من الأصوات المكررة، واتهم حزب الحرية والعدالة بالحصول على أصوات ليست من حقه.
قد يقول العقل أو المنطق أن يحصل الحرية والعدالة على المركز الأول فى التصويت لكن أن يحصل على كل المراكز دفعة واحدة، فهذا أمر لا يقبله عقل، أن يحصل على نصف مقاعد مجلس الشعب منفردا فهذا امر لو حدث بشفافية ونزاهة وبدون قاعدة بيانات معيبة و»ملعوب فى أساسها» لكننا صفقنا له ووجهنا له التحية كما كنا سنفعل قبل أن نصدم بالمعلومات التى رصدناها عاليًا.
استطيع أن اقول إن من دبر الامر وكرر الأصوات ووافق على التلاعب والتدليس والغش هو من سلم مصر على طبق من ذهب للإخوان المسلمين، وان من ترك الحبل على الغارب ولم يراقب الدعاية المستمرة فى كل المساجد لصالح السلفيين، هو من سلم مصر على طبق من فضة لحزب النور.
لن ينعم احد بما يجنيه من غش وتدليس، لن ينعم فقد جربنا ذلك مع الحزب الوطنى المنحل عندما كان فاجرا فى تزوير انتخابات 2010 فكتب نهايته بيده.. ولو كان الشعب صبر من قبل على من غش ارادته وزور رغبته، لم يعد فى القلب أو العقل مساحة إضافية للصبر.
لقد نفد رصيدكم نهائيا.
منظمات مراقبة الانتخابات فى المراحل السابقة رصدت وكتبت عن ضبط متنقبات لا حصر لهن تحمل كل واحدة بطاقات عديدة.. تنتخب بالأولي.. ثم تعود لتنتخب بالثانية.. ثم دهشنا أن القضاة تركوهن دون عقاب.
السؤال الذى يجب الإجابة عنه بصراحة.. كيف خرجت بطاقات الرقم القومى المتكررة من الداخلية؟.. من الذى فعل ذلك؟.. ومن الذى مول هذه العملية؟
هناك جهات عديدة من مصلحتها توريط مصر فى نفق الأحزاب الدينية.. ربما فى طرة من رموز النظام السابق الذى أصر على أن غيابه يعنى سيطرة الإخوان ومن فى حكمهم.. ربما فى دول بترولية لا تريد لمصر الاستقرار.. ولا التقدم.. ومستعدة لدفع مئات الملايين مقابل ما يحدث.
هذه قضية شديدة الخطورة.. كل أوراقها موجودة فى أكثر من جهة قضائية وامنية وأحيانا عسكرية، ابحثوا فى المنوفية والغربيةوالدقهلية وفى القاهرةوالجيزة، ابحثوا فى كل محافظات مصر واجيبونا لماذا كل هذه الأصوات المتكررة وفسروا لنا سر الملايين التسعة التى تحدث عنها الدكتور عارف الدسوقى.
من المستحيل استخراج كل هذه البطاقات للرقم القومى دون استخدام الشفرة السرية فى وزارة الداخلية.. فمن ارتكب هذه الجريمة.. وكيف تجرأ على ذلك دون أن يشعر بأنه قد يخضع للمحاسبة فى يوم من الأيام؟
السادة فى المجلس الأعلى للقوات المسلحة، المكلفون بحماية البلاد وتسليمها إلى السلطة المدنية المنتخبة بدون أصوات مكررة وبدون أصوات غير حقيقية، هل ستكتفون بالقراءة وأنتم تبتسمون ابتسامة الواثق من نفسه وهو يقود سيارة تسير بسرعة جنونية نحو الهاوية، أم سيكون هناك موقف جاد هذه المرة؟ عبد الفتاح علي عن أسبوعية الفجر المصرية