نقابة تندد بتدهور الوضع الصحي بجهة الشرق    اسبانيا تسعى للتنازل عن المجال الجوي في الصحراء لصالح المغرب    وزارة الاقتصاد والمالية: المداخيل الضريبية بلغت 243,75 مليار درهم عند متم أكتوبر 2024        في لقاء مع الفاعلين .. زكية الدريوش تؤكد على أهمية قطاع تحويل وتثمين وتسويق منتجات الصيد ضمن النسيج الإقتصادي الوطني    أنفوغرافيك | يتحسن ببطئ.. تموقع المغرب وفق مؤشرات الحوكمة الإفريقية 2024    ارتفاع أسعار النفط وسط قلق بشأن الإمدادات جراء التوترات الجيوسياسية    الذهب يواصل مكاسبه للجلسة الرابعة على التوالي    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولاتها بأداء إيجابي    سعر البيتكوين يتخطى عتبة ال 95 ألف دولار للمرة الأولى    بعد تأهلهم ل"الكان" على حساب الجزائر.. مدرب الشبان يشيد بالمستوى الجيد للاعبين    رودري: ميسي هو الأفضل في التاريخ    استئنافية ورزازات ترفع عقوبة الحبس النافذ في حق رئيس جماعة ورزازات إلى سنة ونصف    "لابيجي" تحقق مع موظفي شرطة بابن جرير يشتبه تورطهما في قضية ارتشاء    مقتل 22 شخصا على الأقل في غارة إسرائيلية على غزة وارتفاع حصيلة الضربات على تدمر السورية إلى 68    ترامب ينوي الاعتماد على "يوتيوبرز وبودكاسترز" داخل البيت الأبيض    الحكومة الأمريكية تشتكي ممارسات شركة "غوغل" إلى القضاء    8.5 ملايين من المغاربة لا يستفيدون من التأمين الإجباري الأساسي عن المرض    حادثة مأساوية تكشف أزمة النقل العمومي بإقليم العرائش    مدرب ريال سوسيداد يقرر إراحة أكرد    الشرطة الإسبانية تفكك عصابة خطيرة تجند القاصرين لتنفيذ عمليات اغتيال مأجورة    البابا فرنسيس يتخلى عن عُرف استمر لقرون يخص جنازته ومكان دفنه    من شنغهاي إلى الدار البيضاء.. إنجاز طبي مغربي تاريخي    كيوسك الخميس | 80 في المائة من الأطفال يعيشون في العالم الافتراضي    المركز السينمائي المغربي يدعم إنشاء القاعات السينمائية ب12 مليون درهم    انطلاق الدورة الثانية للمعرض الدولي "رحلات تصويرية" بالدار البيضاء    تشكل مادة "الأكريلاميد" يهدد الناس بالأمراض السرطانية        اليسار الأميركي يفشل في تعطيل صفقة بيع أسلحة لإسرائيل بقيمة 20 مليار دولار    شي جين بينغ ولولا دا سيلفا يعلنان تعزيز العلاقات بين الصين والبرازيل    الأساتذة الباحثون بجامعة ابن زهر يحتجّون على مذكّرة وزارية تهدّد مُكتسباتهم المهنية        جائزة "صُنع في قطر" تشعل تنافس 5 أفلام بمهرجان "أجيال السينمائي"    الفتيان يواصلون التألق بالفوز على ليبيا    بلاغ قوي للتنسيقية الوطنية لجمعيات الصحافة الرياضية بالمغرب    بوريطة يستقبل رئيسة برلمان صربيا    الحكومة تتدارس إجراءات تفعيل قانون العقوبات البديلة للحد من الاكتظاظ بالسجون        ولد الشيخ الغزواني يهنئ الملك محمد السادس بمناسبة عيد الاستقلال    العصبة الوطنية لكرة القدم الاحترافية تقرر تغيير توقيت انطلاق ديربي البيضاء    توقعات أحوال الطقس لنهار اليوم الأربعاء    منح 12 مليون درهم لدعم إنشاء ثلاث قاعات سينمائية    تفاصيل نجاة فنانة مصرية من الموت        نادال مودعا ملاعب التنس: " أريد أن يتذكرني الناس أنني كنت شخصا طيبا قادما من قرية صغيرة قرب مايوركا"    تلاميذ مغاربة يحرزون 4 ميداليات في أولمبياد العربية في الراضيات    تفاصيل قضية تلوث معلبات التونة بالزئبق..    دراسة: المواظبة على استهلاك الفستق تحافظ على البصر    من الحمى إلى الالتهابات .. أعراض الحصبة عند الأطفال    فعاليات الملتقى الإقليمي للمدن المبدعة بالدول العربية    أمزيان تختتم ورشات إلعب المسرح بالأمازيغية    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    "من المسافة صفر".. 22 قصّة تخاطب العالم عن صمود المخيمات في غزة    روسيا تبدأ الاختبارات السريرية لدواء مضاد لسرطان الدم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قراءة في فساد السلطة
نشر في الجسور يوم 04 - 09 - 2017


حسن العاصي
كاتب وصحفي فلسطيني مقيم في الدانمرك
هل تحولت القضية الفلسطينية إلى حائط مبكى؟
لقد انشغلت الساحة الفلسطينية في الفترة الزمنية التاريخية ما بعد حرب العام 1973 بجدال سياسي حول قضايا مصيرية مثل الاعتراف بالقرارين الدوليين242 و 338 ومحاولة البحث عن حلول مباشرة للقضية الوطنية الفلسطينية، تكون حلولاً مرحلية ،بديلاً عن ماهو تاريخي واستراتيجي في الأجندة الوطنية لكفاح الشعب الفلسطيني .
فبرز في البيت الفلسطيني تيار تبنى ما أطلق عليه الواقعية في تحقيق أهداف الحركة الوطنية الفلسطينية،ونادى بإقامة سلطة وطنية فلسطينية على أي جزء من الأراضي الفلسطينية المحتلة يجري دحر الاحتلال الإسرائيلي عنها .
وبعد نقاش فكري وسياسي عميق تحول إلى صراع بين مختلف قادة منظمة التحرير الفلسطينية وفصائلها امتد قرابة عام، تمكن التيار الواقعي من تعزيز مواقعه في صفوف الحركة الوطنية الفلسطينية وداخل أطر م ت ف، وتحول من تيار كان يمثل الأقلية إلى تيار الأغلبية.
ولاحقا نجح في تحويل أفكاره من الحيز النظري داخل غرف الاجتماعات وتحويلها إلى سياسة عامة لمنظمة التحرير، حين أقر المجلس الوطني الفلسطيني في العام 1974 برنامج "النقاط العشر"، والذي عرف في حينها "ببرنامج السلطة الوطنية الفلسطينية المستقلة"
منذ ذلك الوقت رفعت قيادة منظمة التحرير الفلسطينية هذا البرنامج في مواجهة الإتهامات التي كانت توجهه لهم بأنهم متطرفين وغير واقعيين. واستخدموه في التدليل على مرونتهم وواقعيتهم، وعلى استعدادهم المساهمة في المساعي الهادفة إلى إيجاد حلول سياسية عادلة وواقعية للصراع مع إسرائيل.
وفي حينها اعتقدت قيادة م ت ف ومعظم القيادة الفلسطينية أن الظروف والأوضاع الدولية مهيأة لانبعاث الكيان الفلسطيني الجديد، وقيام السلطة الوطنية على جزء من الأرض الفلسطينية .
لقد أكدت الأحداث اللاحقة ومسار الأحداث في المنطقة والعالم ،أن القوى الدولية المقررة، وبخاصة قطبي الحرب الباردة حينها الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة الأمريكية لم يكونا جادين في ايجاد حلول واقعية وعادلة لقضايا المنطقة وصراعاتها المستفحلة.
وإن كل منهما كان يسعى في تلك الفترة لتوظيف الصراع العربي الإسرائيلي لتعزيز نفوذه ومواقعه في المنطقة. كما أكدت أيضا أن ظروف وأوضاع أهل المنطقة أنفسهم لم تكن ناضجة للتوصل إلى أية حلول جدية لصراعاتهم العميقة.
في ربيع العام 1991 أطلق الرئيس الأمريكي جورج بوش الأب مبادرة يدعو فيها أطراف الصراع الفلسطينيون والعرب وإسرائيل ، إلى مغادرة ميادين القتال والحروب، واعتماد طريق السلام من خلال التفاوض المباشر لحل النزاعات المزمنة في المنطقة .
وهذا ماحصل، فقد التقى العرب في مدريد، ولاحقاً التقى وفد يمثل منظمة التحرير الفلسطينية سراً مع ممثلين عن الحكومة الإسرائيلية، وتوصلوا بعد مفاوضات عسيرة إلى اتفاق " إعلان مبادئ" حول ترتيبات حكومة ذاتية فلسطينية انتقالية، عرف هذا الإتفاق فيما بعد باتفاق أوسلو،
جوهر هذا الإتفاق بشكل أساسي هو إقامة سلطة حكومة ذاتية انتقالية فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة، لفترة خمس سنوات، تؤدي إلى تسوية دائمة على اساس قراري مجلس الأمن رقم 242 ورقم 338.
وهكذا في أجواء احتفالية غير مسبوقة، تم التوقيع في أيلول العام 1993 على هذا الاتفاق الشهير بين الفلسطينيين وإسرائيل في العاصمة الأمريكية واشنطن برعاية الرئيس الأمريكي بيل كلينتون، على أن تتم مناقشة قضايا الحل النهائي بعد ثلاث سنوات وهي القدس واالاجئين والمستوطنات والحدود والمياه .
غير أن هذا الإتفاق أغفل وضع جداول زمنية محددة للانسحاب الإسرائيلي من الضفة وقطاع غزة، كذلك سقط من الإتفاق أية آلية دولية تلزم إسرائيل لتنفيذ استحقاقاتها من الإتفاق، أنتج هذا الأمر وضعاً غريباً، فقد أغرق الجانب الفلسطيني في مايسمى معالجة التفاصيل قبل معالجة جوهر المشكلة، وكان الإتفاق ملزماً للفلسطينيين بينما تنصلت إسرائيل من التزاماتها، الأمر الذي كرس الإحتلال بدلاً عن إزالته .
طوال الأعوام الماضية ظل رجال السلطة الفلسطينية يلهثون بسعار خلف جزرة الحل النهائي الذي لم يتحقق من بنوده شيء، بل على العكس تماماً، تنصلت إسرائيل من كافة التزاماتها من اتفاق أوسلو وكأنه لم يكن.
إن جزء من الشعب الفلسطيني الذي اعتقد أن تشكيل السلطة أنجاز لابد من حمايته والدفع به لتحقيق إنجازات أخرى،اكتشف أن هذا الإتفاق الذي أبرم مع إسرائيل لايعبر عن أمنه ومصالحه ولا عن أهدافه الوطنية ، بل على العكس، وجد المواطن الفلسطيني نفسه أنه يعاني من سلطتين، سلطات الإحتلال الإسرائيلي والسلطة الفلسطينية التي ألزمتها إسرائيل بالتنسيق الأمني معها ضد كافة النشطاء والمناضلين الفلسطينيين الأمر الذي أدى إلى اغتيال عشرات من خيرة أبناء شعبنا الفلسطيني ، واعتقال الآلاف منهم .
لقد أعادت السلطة الفلسطينية إنتاج نظام التنفيع الذي ورثته من منظمة التحرير الفلسطينية،وبدلاً عن المضي في بناء مؤسسات لمختلف القطاعات واعتماد مبدأ الكفاءة والجدارة، أصبحت علاقات المنفعة والمصالح الشخصية والولاءات هي السياسة المعتمدة لهيكل السلطة، وأصبحت هذه الطريقة أداة قوية وفاعلة في الاستيعاب للمنتفعين والمتسلقين والانتهازيين، ووسيلة أيضاً لإقصاء الشرفاء والمناضلين وأصحاب الكفاءة .
إن السلطة الفلسطينية أخذت تعمل على كسب ولاء الناس من خلال الحصول على مورد اقتصادي، الأمر الذي أدى إلى تضخم شديد في القطاع الحكومي العام للسلطة حيث وصل عدد موظفي السلطة حوالي 170,000 موظف تعتمد رواتبهم بشكل أساسي على المعونات الدولية، المصيبة أن 44 في المائة منهم يتبعون الأجهزة الأمنية وبالتالي يستحوذون على حوالي نصف الميزانية، بينما يا للسخرية لا يتم صرف سوى واحد في المائة على قطاع الزراعة ، وساهمت هذه السياسة في مأسسة الفساد وانتشاره، وهو ماكانت إسرائيل تريده من خلال إنشاء سلطة بعد أوسلو تكون منتفعة وضعيفة تتحكم فيها إسرائيل من خلال الموارد من الموارد المالية.
فتم توزيع المناصب في هيئات وإدارات السلطة على المحسوبيات والمقربين،حتى المعارضة السياسية من مستقلين ويساريين وإسلاميين لم تستثنى من هذه الامتيازات، فتم دمج الآلاف منهم في مؤسسات السلطة الفلسطينية، ومنحوا مناصب في القطاع الحكومي مقابل ولائهم السياسي .
من جهة أخرى برزت في النظام السياسي الفلسطيني في الداخل ظاهرة زواج المصلحة بين رجال الأعمال ورجال السلطة وأيبح هو الشكل الأكثر انتشاراً للفساد،يستمد قوته من تمتع النخب بالحصانة السياسية والاجتماعية والقانونية ،فامتلأت الحسابات المصرفية لآلاف الفاسدين بالمال الفاسد .
كما أن استغلال المناصب لتحقيق مكاسب شخصية وعشائرية يشكل ظاهرة واضحة في مؤسسات السلطة، إبرام صفقات مشبوهة، استخدام موارد السلطة والوزارات للأغراض الشخصية، سرقة الممتلكات الوظيفية وإهدار المال العام ، حتى أن إحدى عمليات التدقيق والرقابة في بداية الألفية أثبتت أن حوالي 40 في المائة من ميزانية السلطة قد أسيء استخدامها .
إسرائيل ليست بعيدة عن هذا الفساد، بل على العكس هي تساهم في تعزيز هذا الفساد في السلطة الفلسطينية وتحسن استغلاله فيما بعد ،وتحاول إشغال الرأي العام بهذا الفساد كي تصرف أنظار العالم عن الآثار المدمرة التي تلحقها سياساتها العدوانية بالبنية الاقتصادية والتنمية الفلسطينية، وماتقوم به إسرائيل من تدمير ممنهج للإقتصاد الفلسطيني .
لقد أدى هذا الوضع الشاذ إلى جملة من التغيرات في بنية الحركة الوطنية الفلسطينية نفسها التي انحدرت إلى مستويات غير مسبوقة من الضعف والهشاشة،وتراجع الشعارات والأهداف الثورية التي طالما تغنى بها الشعب الفلسطيني وميزته عن باقي شعوب الأرض التي استحق احترامها وتقديرها ومساندتها نتيجة لكفاحه والتضحيات التي قدمها عموم الشعب الفلسطيني في طافة أماكن تواجده وجعلته يحظى بكل تلك الهالة المقدسة التي كان يعتز بها .
لكن الفلسطيني ذاته أخذ يشعر بالغضب والحزن والإحباط الشديدين بسبب ماوصلت إليه قضيته الوطنية التي أصبحت تهمة للمناضلين، ومطية للمتسلقين الانتهازيين من الفلسطينيين أنفسهم قبل غيرهم، كما تحولت القضية إلى ميدان للمزايدات لدى البعض، وفرصة لشتم وتحقير الشعب الفلسطيني وقيادته، وتعداد محاسن إسرائيل لدى البعض الآخر .
ثمة مفارقات عجيبة تحصل في خلفية المشهد السياسي المتعلق بالقضية الفلسطينية، ففي الوقت الذي يزداد حجم ومستوى التضامن الأوروبي والعالمي مع الشعب الفلسطيني وقضيته الوطنية، نشهد تراجعاً عربياً ملحوظاً على المستويين الرسمي والشعبي في التضامن مع نضال الشعب الفلسطيني ودعم قضيته الوطنية ، التي هي بالأساس قضية العرب الأولى وقضية عموم المسلمين .
فما الذي أوصل أهم قضية تحرر وطني في التاريخ إلى هذا المستوى الذي لايسر أحداً ولايدلل على عافية، ولماذا جنح بعض العرب إلى مستوى غير مسبوق من الحقد على الفلسطينيين، وهل نحن أمام واقع جديد في التعامل مع القضية الفلسطينية ، أم أنه برزت أولويات جديدة أمام الشعوب العربية، أم أنه انعكاس طبيعي لواقع الحال الفلسطيني والعربي الذي يشهد حالة متعاظمة من التردي والسقوط والإنحدار على مختلف الصعد السياسية والاقتصادية والثقافية والأخلاقية،الأمر الذي جعل زيارة وزيرة العدل الإسرائيلية " تسيبي ليفني " سراً إلى إحدى عشرة دولة عربية لتطلب منهم عدم تقديم أية تبرعات مالية إضافية للسلطة الفلسطينية، يبدو خبراً طبيعياً حين تم تسريبه، وتعاملت الدول العربية معه بصمت وتجاهل بعد أن انصاعت الحكومات العربية إلى المطالب الإسرائيلية دون خجل،وهكذا وضع الأشقاء العرب قرارهم بدعم القدس العربية بمبلغ مليار دولار في سلة النفايات العربية، ولم يكلف الأمين العام للجامعة العربية نفسه عناء تكذيب هذا الخبر حفاظاً على ماء وجه العرب .
مما لا شك فيه أن هناك أسباب ومسببات عديدة ومختلفة وراء إيصال قضية سامية وعادلة كالقضية الفلسطينية إلى ما وصلت إليه، إلا أنه أيضاً كل تلك الأسباب والعوامل ماكانت لتكون مؤثرة وفاعلة لولا الدور السلبي للقيادة الفلسطينية ومواقفها المتخاذلة وسعيها وراء السلطة وامتيازاتها بدلاً من تعزيز ودعم فكرة النضال والكفاح ضد المغتصب، وبالرغم من أننا لسنا في وارد تقييم تجربة الثورة الفلسطينية ، إلا أن مانشهده اليوم من إحباطات وانهيارات وانسدادات أمام القضية الوطنية الفلسطينية لم يكن وليد المتغيرات الأخيرة التي تشهدها المنطقة، إنما هو نتيجة طبيعية وكارثية لكل السياسات التي انتهجتها القيادة الفلسطينية والخيارات التي اقدمت عليها منذ انطلاق العمل الفلسطيني المسلح في منتصف ستينيات القرن الماضي .
إن مجمل هذه السياسات أدت فيما أدت إلى تقزيم منظمة التحرير الفلسطينية، وإضعاف العامل الفلسطيني برمته، وتحويل قضية فلسطين الوطنية إلى حائط مبكى، وظهور قيادات فلسطينية ضعيفة ومخترقة من قبل العديد من أجهزة المخابرات وخاصة الأمريكية والإسرائيلية،أنيطت بهذه القيادات مسؤولية الحل والربط فيما يتعلق بمستقبل الشعب الفلسطيني وقضيته،وهم المسؤولين مسؤولية مباشرة عن تقليص الحقوق الفلسطينية وضياعها، من خلال حجم التنازلات المرعب الذي قدمته هذه القيادة الفلسطينية للجانب الإسرائيلي بدءًا من التنازلات التي قدمت للوصول إلى اتفاقية أوسلو الملعونة ، وصولا إلى كافة التنازلات التي مازالت تقدمها القيادة الفلسطينية في سبيل محافظتها على مناصبها وامتيازاتها على حساب مصالح شعبنا الفلسطيني وتضحياته، هذه التنازلات جعلت إسرائيل تتنمرد على السلطة الفلسطينية بل وتتجرأ بكل وقاحة وتطلب ويا للعجب من القيادة الفلسطينية الضعيفة الإعتراف بيهودية دولة إسرايل !!
هذه القيادة التي تستقوي على شعبها وعلى الفصائل الأخرى بالأنظمة العربية التي كانت داعم رئيسي لنضال الشعب الفلسطيني ولقضيتة الوطنية مالياً وسياسيا، فأصبحت الثوابت الفلسطينية والعربية تجاه الصراع مع إسرائيل تنتهك وتحذف بمباركة عربية استعاضت بها القيادة الفلسطينية لغباءها عن الغطاء الشعبي الفلسطيني لتمرير سياسات التنازل والإستسلام،تلك الأنظمة العربية مغلولة اليد أمام النفوذ الأمريكي والإسرائيلي لاتريد سوى السلامة حتى لو كانت على حساب القضية الفلسطينية، لكنها تصبح شرطي بعصا حين تستقوي بها السلطة الفلسطينية لكسر إرادة قوى المعارضة الفلسطينية الرافضة لكل سياسات السلطة التنازلية، هذا الإستقواء في الحقيقة -إضافة إلى عوامل أخرى- هو ماجعل الأنظمة العربية نفسها تستقوي على القضية الفلسطينية وعلى الفلسطينيين أنفسهم، وإلى إخضاعهم إلى التجاذبات المتنافرة في السياية العربية.
لقد سقطت السلطة الفلسطينية في مستنقع الفساد والإستنفاع، وانكشفت عورتها أمام الجميع، وكل أوراق التوت والتين لاتستطيع ستر عورات سلطة هجينة، وليدة اتفاقيات مذلة،وحولت جميع الحقوق الثابتة التاريخية للشعب الفلسطيني إلى" مشاكل قابلة للنفاوض" وحولت قضية وطن محتل ومغتصب إلى خلاف على تقاسم نفوذ فيما بينها، وتتبنى سياسة التنسيق الأمني مع أجهزة الأمن الإسرائيلية، هي العقلية ذاتها التي تطاولت بالكلام بداية على المناضلين والأجنحة العسكرية للفصائل الفلسطينية عام 1988 أثناء الإنتفاضة الفلسطينية الأولى تحت شعار "هجوم السلام الفلسطيني" وتحول هذا الهجوم فيما بعد إلى تآمر لضرب الحركة الوطنية الفلسطينية، وقامت أجهزة أمن السلطة الفلسطينية المحترمة باعتقال قيادة وكوادر ونشطاء المقاومة الفلسطينية، وتعاونت مع قوات الإحتلال الإسرائيلي لاغتيال مناضلين.
إن السلطة الفلسطينية التي لا سلطة لها على نفسها اساساً، هي ليست أكثر من أداة وظيفية لدى الإحتلال الإسرائيلي، وقد أصبحت حاجة إسرائيلية لضرب المشروع الوطني،فاتفاقيات أوسلو التي أنجبت السلطة أنهت الحكم العسكري الإسرائيلي، لكنها لم تُنه الإحتلال نفسه، وبينما انشغلت السلطة بإدارة الحياة اليومية، تحول الإحتلال إلى استعمار نظيف قليل التكلفة حيث تتولى أجهزة السلطة الفلسطينية كافة الملفات القذرة، تتابع إسرائيل مصادرة الأراضي وفرض الحقائق على الأرض .
لذلك لا بد من إسقاط هذه السلطة لإنهاء عبثية مسار التفاوض مع إسرائيل الذي اثبت عقمه، ولوضع إسرائيل أمام مسؤولياتها كاملة كسلطات احتلال تجاه الشعب الفلسطيني، وحتى تكف السلطة عن كونها غطاء لهذا الاحتلال.
ومن جهة أخرى لوضع المجتمع الدولي والأطراف الراعية لعملية السلام أمام استحقاقاتهم الموضوعية في فشل مسار التسوية السياسية، وهذا يجب أن يؤدي إلى اعتبار أن شعبنا الفلسطيني يرزح تحت الاحتلال ومن حقه مقاومة هذا الاحتلال وفق المواثيق الأممية.
إسقاط السلطة سوف يعيد الاعتبار لمنظمة التحرير الفلسطينية التي قزمها رجال السلطة وجعلوها ظل عديم الفعالية تابع لهم بعد أن قاموا بإفراغ المنظمة ومؤسساتها من دورها الوطني باعتبارها حاضنة المشروع الوطني الفلسطيني .
وهذا من شأنه أن يساهم في تقوية الموقف الفلسطيني الذي أضعفه زج السلطة بالرقم الفلسطيني في مفارقات العرب السياسية، فانتقلت القضية الفلسطينية بقدسيتها من حالتها في الضمير والوجدان العربي والأممي إلى رقم ضعيف في الجامعة العربية .
إن هذه السلطة المتخمة بالفساد السياسي والأمني والسلوكي والأخلاقي، التي حولت القضية الفلسطينية إلى ممسحة لبعض الأنظمة العربية وسياساتهم وصفقاتهم، سوف يذكرها التاريخ على أنها سلطة متهمة ومدانة بهزيمة شعبها وقضيته الوطنية، في عالم لم تعد تعنيه كثيراً قضايا الضمير والحق والعدل، بل يلتفت إلى من يملك قوة الفعل والتأثير في مجريات التاريخ .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.