لقد عرف تاريخ المغرب علاقة متميزة بين الدين والسياسة...فكل الدول التي حكمت المغرب كانت شرعيتها قائمة على التعاقد الديني بين الشعب المغربي والحاكم انطلاقا من الدولة الادريسية وانتهاء بالدولة العلوية وعلى العموم فان كل الدول التي أسست في المغرب وعرفت النجاح كان منطلقها ديني، وكل لانتصارات التي سجلها المغرب كانت تحت شعار الجهاد في سبيل الله تعالى . صحيح أن الإسلام لم يدخل إلى المغرب إلا بصعوبة على يد الفاتحين الأوائل, إلا أنه بمجرد أن تمكن هذا الدين من قلوب المغاربة حتى أصبح يشكل عمق هويتهم، والموجه الأساسي لمواقفهم وتموقعاتهم. ولقد كان الحسن الثاني - رحمه الله – واعيا بهذا الأمر لذلك أدرك أن الذي سيعطي القوة لفكرة المسيرة الخضراء ويجعل المغاربة يلتفون حولها هو إضفاء الطابع الديني عليها ، لذلك جعل شعارها : الله والقرآن معنا ... وفعلا كان المشاركون في المسيرة يحملون في أيديهم القرآن الكريم مستحضرين في ذلك رمزيته في إعطاء الدعم الروحي وإضفاء طابع الجهاد والتضحية في سبيل الله تعالى على هذه المسيرة وبما أننا اليوم نستحضر هذه الذكرى في ظل أول حكومة يقودها حزب ذو مرجعية إسلامية انتخب بزخم شعيب غير مسبوق .. فإن هذا يؤكد بأن سلطة الرمزية للدين لا زالت حاضرة وبقوة عند الشعب المغربي وهذا يبرهن على أنه لا يمكن لأي مشروع إصلاحي في المغرب أن ينجح إلا إذا كانت مرجعيته إسلامية ، وذلك بالنظر إلى ما للدين من رمزية وسلطة قويتين في نفوس المغاربة. فإذا كان الحسن الثاني قد نجح في إقناع المغاربة بالمشاركة في المسيرة الخضراء لأنه ربطها بالرمزية الإسلامية المتمثلة في القرآن الكريم ، فإن إدماج المغاربة في مسيرة التنمية والإصلاح ومحاربة الفساد لا يمكنه أن ينجح إلا إذا كان منطلقه دينيا ، ويحمل في طياته الرمزية الإسلامية. ويؤكد هذا المعطى أيضا أن كل المشاريع المستوردة التي قطعت مع المرجعية الإسلامية بشكل أو آخر فشلت في لفت انتباه المغاربة وإقناعهم بجدواها ، سواء في المجال السياسي ، أو التنموي أو الثقافي ... وخلاصة الأمر أن المشاريع الإصلاحية التي يمكن أن تنجح هي تلك النابعة من عمق هوية المجتمع. وروح الهوية المغربية هي الإسلام، فكما أن الأنظمة السياسية في المغرب كانت دائما تبني مشروعيتها على الجانب الديني فان المشاريع الإصلاحية لا يمكن أن تكتسب مشروعيتها إلا إذا كان منطلقها ديني فلا مكان للمشاريع المستوردة في المغرب ....