في مكان ما بجنوب المغرب ترقد هذه المدينة في صمت وهدوء خادعين، إذ لا يلبث الزائر أن ينبهر بذلك الكم الكبير من الأوربيين والأمريكيين المتواجدين هناك، أجانب من بينهم السياح، وسوادهم الأعظم ينتمون لطينة خاصة من المهنيين والفنانين العالميين. يأتون إلى وارززات، أو هوليود إفريقيا، ليتحفوا العالم بإنتاج سينمائية من المستوى الراقي مستفيدين من ذلك الأستوديو الطبيعي، ومن مختلف الأستوديوهات المركبة التي شهدت على تصوير العشرات من الأشرطة السينمائية التي حازت العديد من الجوائز العالمية. قلعة تصور أوربا العصور الوسطى تبدو وكأنها تنبعث من بين أخاديد أحد السهول الصخرية، تمثالان عملاقان لأسدين ذهبيين يحرسان معبدا تيبتيا دمرته النيران.. ونماذج أخرى أثتت مشاهد لأفلام أمريكية كثيرة ك «للتلال عيون»، «مملكة السماء»، «كوندون»...أفلام تم صرف ملايين الدولارات لأجلها في ذلك الجزء من صحراء المغرب. يقول سائح برتغالي وهو يتنقل بين الفضاءات التي كانت مسرحا لتصوير أفلام «الغلادياتور»، «عودة المومياء» و»جوهرة النيل»: «لم تكمن لدي أية فكرة عن هذا المكان. لا نتوفر في البرتغال على صناعة سينمائية في هذا الحجم. وكنا نعتقد ونحن نشاهد تلك الأفلام أن المشاهد صورت في هوليود». «جسد الأكاذيب»، «يكفي خسارة» و»المنطقة الخضراء» الذي سيخرجه مات دامون قريبا، نماذج من أشرطة تدور أحداثها حول العراق واختار مخرجوها ذلك الفضاء لتصويرها. غير أن تصوير كل تلك الأفلام التي تقدم صورة عن العنف في العالم العربي تثير حنق الكاتب الأمريكي، اللبناني الأصل، جاك شاهين، صاحب العديد من الكتب التي تنتقد الصورة التي تسوقها السينما الأمريكية عن العالم العربي. يقول د. شاهين: «تلك الصور أمورا لا تمثل المغرب في شيء. وهي نفس الصور التي تتكرر مرات ومرات، لذلك كلما ورد ذكر العرب إلا وتبادرت إلى الذهن بشكل تلقائي صورة العنف». وفي المقابل، يرى المسؤولون المغاربة أن الجمهور ذكي وواع لدرجة يستطيع التمييز بين الواقع والفن السينمائي. يقول مدير المركز السينمائي المغربي، نور الدين الصايل: «لنفكر في الأمر ككبار، إن هذا لا يعدو أن يكون إبداعا. إذا قمنا بمنع تصوير شريط ما، فإن المنتج الأمريكي سيقوم بتجسيد فكرته داخل أستوديو». في سنة 2008، قام المخرجون الأجانب بتصوير أكثر من 600 مشروع تلفزيوني وسينمائي بالمغرب، من بينها 16 شريطا سينمائيا مطولا، حسب الأرقام التي تقدمها الدولة. وعلى حد قول الصايل، فإن الإنتاجات الأجنبية تضخ في خزينة المغرب أكثر من 50 مليون دولار سنويا. وللمحافظة على تدفق الأموال من الصناعة السينمائية، يقوم المغرب بتقديم إعفاءات صريبية بل ويسهر على توفير الوسائل اللوجيستية، وأحيانا لا يتردد في توفير خدمات الجيش المغربي. كما يستفيد المخرجون الأجانب من التكلفة القليلة للوجوه المغربية التي تشارك في الأفلام، إذ لا يتجاوز أجرهم ثلاثين دولارا في اليوم، أجر وإن ظل قليلا إلا أن يظل مرتفعا مقارنة مع ما قاله البنك الدولي عن متوسط الدخل اليومي للمغاربة، والذي لا يتجاوز خمس ذلك الأجر الذي يعرضه المنتجون الأجانب.