غالبيتهم من فقراء العالم، ينزلون بفنادق صغيرة تنتشر في المدينة لتوفير ثمن الحشيش، يخلقون بعض الرواج في المقاهي والمطاعم الصغيرة، ولكن لا تستفيد منهم المدينة بشكل كبير، فقط البزناسة من يستفيد من توافد هذا النوع من السياح...سياح “الزطلة” يساهمون في تحقيق رؤية “فتْخ” 10 ملايين “جوان” بمدينة الشاون. شفشاون، المدينة الجبلية الصغيرة الهادئة، باتت تشكل قبلة متميزة لعدد من الزوار الأجانب الباحثين عن أنواع مختلفة من السياحة، فمنهم من يبحثون عن الهدوء الذي تتسم به المدينة التي لونت جدرانها بألوان زاهية، ومنهم من يأتون لاكتشاف جمال التراث العمراني في هذا الجزء الجميل من المغرب. كما استطاعت شفشاون «المُحافظة» أن تجلب نوعا خاصا من السياح الذين يقصدونها للتمتع بتدخين لفافات الحشيش، حيث تنشط بها زراعة وترويج نبات القنب الهندي الذي تحول إلى حشيش في گراجات قريبة من المنطقة قبل أن يتم ترويجه في الأزقة الضيقة للمدينة. جمال المدينة، الذي يرجعه بعض سكانها إلى موقعها بين جبال الريف الشامخة، أضفى طابعا مميزا على «الأجواء» الخاصة للباحثين عن سياحة «الزطلة» التي تنتشر أكثر فأكثر في أوساط السياح الأجانب الذين أكد عدد منهم في لقاءات مع «المساء» أنهم أتوا إليها ليس للتمتع بمناظرها الخلابة بل بحثا عن «التبويقة». الباحثون عن سياحة «الحشيش» بشفشاون لا يغريهم موقع المدينة المثالي الذي يزيده تميزاً تواجد بناياتها بين الجبال، بل كونها تقع في ملتقى طرق «الحشيش» بالمغرب. رائحة الحشيش تفوح من جميع حدودها، في شمالها حقول الكيف بإقليم الحسيمة، وبجانبيها هناك كل من وزان وتاونات، الشهيرتين بهذا النوع من الزراعة. عابر ملتقى الطرق الشهير بمركز «درادرة»، أو كما يحلو للبعض تسميته ب«دار آرا»، في إشارة منهم إلى الرشاوى والإتاوات التي تُقدم بهذه المنطقة في شبيل تسهيل مرور السيارات المحملة بالحشيش، يكون قد وصل إلى المدينة بعد اختراق الطريق بمنعرجاتها الوعرة والتواءاتها الخطيرة لبلوغ مسعى تذوق الحشيش المميز لهذه المنطقة القادم من كتامة وتاونات أو المصنوع محليا. السائحة الأمريكية سيرينا، 28 سنة، التقتها «المساء» في أحد المقاهي الجميلة بوسط مدينة تاونات بحي مولاي عبد الرحمان الشريف، أكدت أنها المرة الأولى التي تزور فيها المدينة الهادئة وأنها علمت بموقع المدينة عن طريق صديقة لها سبق لها أن زارت المنطقة وفتنت بجمالها. وحول ما إذا كانت من الباحثات عن الانتشاء بلفافات الحشيش، قالت سيرينا مبتسمة: «إنه من النوع الجيد هنا، ولا يفارقني أينما ذهبت في المدينة، لأنه يزيد من متعة العيش بها». السائحة الأمريكية لا تشكل الاستثناء ما بين باقي الوافدين الباحثين عن سياحة «الزطلة»، إذ تكاد لا تخلو الأزقة الضيقة بالأحياء العتيقة للمدينة من سياح يحملون بين أصابعهم سجائر لم تلفف بشكل جيد، تنبعث منها روائح لا تشبه روائح السجائر، توضح أن ما تم خلطه مع التبغ حشيش «رفيع» ينتشر باعته بمختلف أحياء المدينة، وهم لا يتوانون في مبادرة المارة بسؤال حول ما إذا كانوا بحاجة إلى بضعة غرامات من «الزطلة». «سياح أكثر وأرباح أقل» في أحد مقاهي المدينة بمنطقة «وطا حمام» العتيقة، جلس بعض السياح لاحتساء أكواب الشاي بالنعناع، عيونهم كانت تترصد شاباً يبيع «الحشيش» بالتقسيط في الزاوية الأخرى من الساحة بالقرب من بائع التبغ. لم يتردد «خواكين»، 29 سنة، في الدنو من التاجر قبل أن يخرج من جيبه ورقة نقدية من فئة 200 درهم، سلمها إلى الشاب المغربي، الذي ألقى التحية على السائح الإسباني داسا في كفه كمية صغيرة من “الحشيش”. عاد “خواكين” إلى مكانه بالمقهى متذمرا، «إنه أعطاني كمية قليلة، لقد اشتريت من عند شاب آخر يوم أمس وكانت الكمية أكبر من هاته». يقول خواكين : “لقد نصحوني بأن أشتري كمية كبيرة من منطقة كتامة وأن آتي بها إلى الشاون لأقضي عطلتي”. خواكين، مثله مثل عدد من السياح الشبان الذين رفضوا الانصياع لثورة الموضة الجديدة، وظلوا مرتبطين بتلك العائدة إلى عهد «الهيبيزم»، ب«راسطة» طويلة يجولون بين أزقة المدينة وهم يدخنون لفافات الحشيش في حرية تامة. ويعد الإسبان على رأس قائمة السياح الوافدين إلى مدينة شفشاون بحثا عن «الزطلة»، حسب إفادات بعض أبناء المدينة. هل من مداخيل يدرها هذا النوع من السياحة؟ إنهم يذهبون إلى فنادق صغيرة تنتشر في المدينة لتوفير ثمن الحشيش، وغالبيتهم من فقراء العالم، يجيب مصطفى، مسير بأحد الفنادق المصنفة بالمنطقة، قبل أن يضيف: «يخلقون بعض الرواج في المقاهي والمطاعم الصغيرة، ولكن لا تستفيد منهم المدينة بشكل كبير، فقط البزناسة من يستفيد من توافد هذا النوع من السياح”، قبل أن يستدرك قائلا: “هناك سياح آخرون يأتون إلى المدينة من أجل الاستجمام والتمتع بجمالها وهدوئها ولا يفسدون طابعها المحافظ».