يتواصل الجدل في فرنسا حول ما مباراة منتخب هذه الأخيرة ضد إيرلندا في تصفيات كأس العالم، لمس تييري هنري، عميد الزرق، الكرة بيده ليمررها إلى غالاس الذي أحرز، إثرها، «فيزا» السفر إلى إفريقيا الجنوبية. ولم يقتصر الجدل على المهتمين بالشأن الرياضي، بل تجاوز أوساطهم لينخرط فيه مفكرون وفاعلون سياسيون. أحد أقوى ردود الفعل المنددة بلمسة اليد اليسرى لهنري، صدر عن الباحث الاقتصادي والكاتب جاك أتالي، الذي صرح ليومية «ليبراسيون» الفرنسية: «لقد شعرت بالعار بالنسبة للفريق الفرنسي وأنا أشاهد كل هذا السيل من النفاق والجبن. كان باستطاعة المدرب واللاعبين التدخل فورا ليتراجع الحكم عن ظلمه للإيرلانديين، دون أن يكون المنتخب مهددا بالانهزام.» وأضاف مستشار الرئيس الفرنسي الراحل، فرانسوا ميتران، موضحا: «بعد زيدان في برلين، ها هو عميد آخر لمنتخب فرنسا يمرغ قيمته في التراب، مباشرة، أمام ملايين الناس: لقد اعتمد الغش، ذلك أنه اعترف بخطئه لاحقا (...). ما شاهدناه يوم الأربعاء فرجة وضعت على وجهها قناع الرياضة، حيث انعدم كل مفهوم للنموذجية، كل فكرة للقيم. لا أحد ساذج كي لا ينتبه للرهانات المالية لهذه المباراة، مع ما كان يستلزمه ربحها من انتصار فرنسي. إن الرياضة تفقد قيمتها حين يغيب عنها المنحى الأخلاقي.» هذا الحس الأخلاقي، وفق جاك آتالي، لم يقبر في الحقل الرياضي فحسب، بل في كل المجالات المدرة لأرباح خيالية، لذا يؤكد الباحث الاقتصادي: «إذا قام إثنوغرافيون من القرن الثاني والعشرين بتحليل حقبتنا التاريخية الحالية، فسيندهشون بفعل ملاحظتهم أن الأشخاص الذين ينالون أكبر الأجور هم الرياضيون، مضاربو الأبناك، الفنانون ومسؤولو شركات التأمين، وأن البعض منهم يشتغل في مجالات تجلب له الحظوة دون أن يتمتع بأدنى حس أخلاقي». الفيلسوف الموسوم بالانتماء لتيار «الفلاسفة الجدد» الذي برز في فرنسا بعد أحداث ماي 1968، ألان فينكييلكراوت، اعترف بواقعة الغش من طرف تييري هنري على أمواج إذاعة «أوربا 1»، لكنه اغتنم الفرصة ليؤكد مجددا نزعته المناصرة للغرب في جميع المواقف والحالات، والمحتقرة لباقي القارات والحضارات، إذ صرح: «لحسن الحظ، لم يتحدث أي لاعب فرنسي عن يد الله، وإلا كان ذلك عربونا على انحدارنا إلى مصاف دول العالم الثالث»، وبالطبع، فالمقارنة واضحة مع الأرجنتيني دييغو مارادونا، صاحب هدف نصف نهاية كأس العالم لسنة 1986 بلمسة يد وصفت حينها ب «يد الله». وللتذكير، فالفيلسوف «الجديد» كان قد تأسف سابقا من كون النخبة الفرنسية لا تضم بين صفوفها سوى اللون «الأسود والأسود والأسود»، ناطقا الجملة العنصرية هذه بالإنجليزية، ومتحدثا عن التشكيلة التي حازت كأس العالم في 1998 وكأس أوربا للأمم في 2000. من جهته. كتب لوران جوفران، مدير «ليبراسيون»، عمودا دعا فيه قراء اليومية للحلم: «لنحلم. بعد ملاحظته لخطإ جسيم من قبل الحكم سيؤدي بفرنسا إلى التأهل لنهائيات كأس العالم إثر سرقتها الموصوفة لنتيجة المباراة، تييري هنري، عميد الفريق، يتقدم نحو الحكم ليخبره بارتكابه خطأ قبل التمريرة الحاسمة للكرة. الحكم يلغي الهدف، وتستمر المباراة ليفوز الفريق الأفضل في الميدان... هذا السيناريو كان سيتضمن قسطا غير يسير من الأناقة، بل ومن التباهي بالنفس. لكن مسيري كرة القدم يجهلون الكلمتين معا، مفضلين عليهما اليد والمال (...) لنواصل الحلم: توجد مقاربة أخرى لكرة القدم، أقل كلبية وشوفينية، وأقل تراجيدية كذلك. نحن لسنا في حرب مع إيرلندا. وماذا لو أقصي المنتخب الفرنسي؟ لو حدث ذلك لاستمرت الأرض في الدوران حول نفسها، والهوية الوطنية لن تطأطأ الرأس». رسالة نموذجية ربما ينتبه إلى فحواها إخواننا العرب، ومسؤولوهم في «قاهرة عبد الناصر» و«جزائر الأمير عبد القادر». وربما يكون هذا كذلك ما يفكر فيه جاك أتالي المزداد في الجزائر والذي زار القاهرة عدة مرات نظرا لمهامه السامية.