«... حاولت الدفاع عن أمي ونفسي وعن أخي نفسه من نفسه». كان هذا هو التصريح الذي أدلى به المتهم الشاب بقتل أخيه، عندما أعطاه رئيس غرفة الجنايات الابتدائية لدى محكمة الاستئناف بالدارالبيضاء الكلمة، خلال جلستها المنعقدة يوم الاثنين بالقاعة 7. ماهي أسباب هذه الجريمة؟ ذلك ما سننقله لكم كما جاء ضمن وثائق الملف: محضر الشرطة القضائية، محضر النيابة العامة، وقرار الإحالة الصادر عن قاضي التحقيق وما راج من مناقشات شفاهية وحضورية بالجلسة العلنية للمحاكمة. ككل يوم من أيام الاسبوع من الاثنين الى الجمعة، تكون القاعتان 7 و8 بمحكمة الاستئناف بالدارالبيضاء غاصتين بالعموم من عائلات الضحايا والمتهمين المقدمين المحاكمة أمام غرف الجنايات، بالإضافة الى الشهود وبعض المتعودين على حضور الجلسات لغرض في نفوسهم. ذلك الاثنين بلغ عدد الملفات المدرجة أمام الهيئة ثلاثة وخمسين (53) ملفا، تمكنت المحكمة من اعتبار أحد عشر منها جاهزا للمناقشة وإصدار الاحكام، كان من بينها الملف الجنائي الذي توبع فيه أخ قتل أخاه دفاعا عن أمه( 19 و20 سنة). عند مناداة الرئيس على المتهم، قام من بين المعتقلين الجالسين بالمقاعد الموجودة على يسار القاعة، المحروسين من طرف بعض رجال الأمن والمحاطين بسياج صغير يسهل تخطيه والهروب منه، مما يستدعي مؤازرة أولئك الحراس الأمناء بفريق آخر نظرا لكثرة السجناء. أول ما أثارني هو أن المتهم يمشي بطريقة غير عادية كما لو أن به إعاقة في إحدى رجليه، وبعد التدقيق في كيفية وقوفه داخل قفص الاتهام تبين لي أنه يعاني من عطب في رجله اليسرى، وهو ما سيتأكد لي من خلال مرافعة الاستاذة جميعة حداد محامية بهيئة الدارالبيضاء التي تؤدي خدمات جليلة بتطوعها، الى جانب الاستاذ مصطفى دجيخي لمؤازرة الاظناء الذين لا يمكنهم تنصيب محام للدفاع عنهم التي عينها رئيس الهيئة في إطار المساعدة القضائية حيث أوضحت ان المتهم ليس فقط أصغر من أخيه الهالك بسنة (20 و19 عاما) ولكنه كذلك مصاب بإعاقة في رجله اليسرى. الرئيس بعد أن تأكد من هوية المتهم الشاب، وذكره بفصل المتابعة المتمثل في الفصل 392 من القانون الجنائي، المحدد لجريمة القتل وعقوبتها المتراوحة بين السجن مدى الحياة والإعدام، حاول استيضاح الأمر في ما حصل. ٭ الطيبوبة السلبية لبعض الأمهات: كان المتهم واقفا ويداه ممسكتان بقفص الاتهام كما لو أنه لا يقوى على الوقوف، وكان يتكلم ببطء وحزن ظاهر وهو يجيب عن أسئلة الرئيس، مؤكدا أنه لا سوابق له إذ لم يتم إيقافه حتى ولو على مخالفة وأنه لا يدخن ولا يتناول المخدرات «ولا يشرب الشراب» عكس أخيه المرحوم الذي بعد مغادرته المدرسة أصبح يقضي نهاره وليله خارج المنزل ورافق أصدقاء السوء الى أن أصبح مدمنا عن المخدرات. إدمانه هذا ساعدته عليه الطيبوبة السلبية لأمه التي كانت تمده من يوم لآخر ببعض الدراهم رغم قلتها «حتى لا يلجأ للسرقة» من الدار أو من خارجها. هذه الدراهم كان يشتري بها السجائر وبعدها الحشيش الى درجة أنه أصبح يصرخ في وجه أمه إذا ما امتنعت عن إعطائه ما يريد. أمام الوقوع تحت تأثير الإدمان أصبح المرحوم يقوم بتصرفات غريبة داخل بيت الأسرة التي كانت فيه الكلمة للأم التي همشت زوجها و«بَعْرَرَتْ» ابنها الاكبر الى درجة سقوطه في الجنوح. ٭ السب والسرقة وضرب الأم. دخول الضحية مرحلة الإدمان جعله يصبح فاقدا السيطرة على تصرفاته ليس فقط خارج الدار مع الجيران الذين كانوا كثيري التشكي منه، الشيء الذي كان يحرج أمه التي كانت كلما عاتبته إلا وانهال عليها سبا ليتحول الى ضرب، سواء أكان والده بالدار أو لم يكن. وكلما رفضت أمه إعطاءه بعض الدراهم، لجأ الى سرقة بعض الأثاث المنزلي وباعه بأي مبلغ ليشتري به جرعته اليومية. كان المتهم يعيش كل هذه الظروف ويعاني من سوء تصرفات أخيه الذي وجده يوم الحادث يستعمل عبارة نابية تجاه أمه ليقدم على ضربها فحاول نهيه، لكنه لم يتوقف وبما أنه يعرف أنه أقل منه قوة لإعاقته حمل سكينا ليهدده به دون نية قتله، فتعاركا معا ليسقط الأخ الأكبر على «جنب الحائط» فيرتطم رأسه به وتسيل دماؤه. أمام هذه الوضعية، وخوفا من قيامه والاعتداء عليه، أعاد السكين للمطبخ وأغلق بابه وهرع لطلب النجدة لأخيه، لكن الله سبق وقدر ما حصل. ممثل النيابة العامة التمس تطبيق القانون، فيما المحامية اعتبرت ان التشريح الطبي يتحدث عن جرح صغير بالسكين بالجبهة قرب العين للضحية وأن السبب المباشر للوفاة كان هو النزيف الحاد من الجرح الذي أصيب به الهالك في رأسه أثناء سقوطه. المحامية تحدثت كذلك عن التدخل الإيجابي للمتهم لفض الاعتداء على أمه من طرف أخيه الأكبر، والذي هو في نفس الوقت أقوى منه. زيادة على كونه رفض الانصياع له لكونه كان تحت تأثير المخدرات. فحاول الاعتداء عليه مما جعل المتهم يحمل سكينا صغيرا كان فوق الطاولة ليهدد به ويصده عن إلحاق الضرر به وبأمهما. ٭ مأساة اجتماعية المحامية أكدت في مرافعتها، عكس ما يفعله بعض المحامين الآخرين المعينين في إطار المساعدة القضائية، إذ يكتفون بكلمة واحدة تتلخص في «التماس تمتيع المتهم بأوسع ظروف التخفيف» على النقط التالية: انعدام نية القتل. الموت نتيجة ارتطام مؤخرة الرأس مع جنب الجدار وحدوث نزيف دموي حاد. تأكيد التشريح الطبي على عدم إصابة باطنية بالسكين لا في القلب ولا في الرئتين ولا في المعدة. التكييف الى ضرب وجرح بسلاح نتج عنه موت دون نية. اعتباره كان في حالة استفزاز ودفاع عن النفس وعن الغير (أمه). تمتيعه بأقصى ظروف التخفيف. وختمت الأستاذة جميعة حداد مرافعتها ملتمسة الرأفة بهذا الابن وأمه التي بقيت الآن وحيدة بعد انتحار زوجها.