بث القسم العربي لتلفزيون «الدوتشه فيله» الألماني مقابلة مع وزير الخارجية الأسبق هانس ديتر غينشر الذي كان يرأس الديبلوماسية الألمانية أثناء انهيار الجدار... هنا محاورها الكبرى.. - سيد غينشر، كيف عايشتم يوم التاسع من نونبر عام 1989؟ - يجب هنا أن أجيب عن سؤالين: كيف وأين. كنت في وارسو تحديداً، لمرافقة المستشار هيلموت كول في زيارة رسمية. وخلال حفل العشاء سمعنا خبر سقوط الجدار. ويمكنكم أن تتصوروا أن المأدبة الرسمية للحكومة البولندية استمرت لوقت قصير، كي نجلس معاً ونناقش ما جرى. فقد رأينا أنه يتعين علينا الإسراع بالعودة إلى برلين. لم أتمكن من النوم طيلة الليل، فبعد كل ما حدث من فتح للحدود في المجر وللسفارة في براغ ، يتحقق الآن ما حلمنا به دائما، والسؤال الذي كان مطروحا هو كيف سنتعامل مع هذا الحدث؟ ولهذا السبب كان يوما لا ينسى بالنسبة لي. - كان ذلك إذن حدثا لا ينسى؟ أعني الحدث السياسي عموماً. - أجل، إذا ما تركت جانباً المساء المؤثر في السفارة التشيكية والذي أثر في كثيراً، فإن ذلك، دون شك الحدث الأكبر. وهو ما شعرنا به في اليوم التالي أمام بلدية شونيبرغ في برلين. فقد أدركت حينها أنني إذا تكلمت، فلن أخاطب الناس المجتمعين أمامي، بل كل الألمان والعالم بأسره. قلت يومها إنه حين كانت ألمانيا تنعم بالحرية، لم يبدر منها شر البتة. وتحدثت عن ألمانياالجديدة التي بدأت بالتشكل. لقد كانت رسالة سلام في يوم تغمره السعادة. بعضهم قال إنها ستكون أياما لتبادل الزيارات فقط، مثل عمدة برلين يومها فالتر مومبر. - هل أدركتم يوم العاشر من نونبر بأنه ليس هناك من بديل عن تحقيق الوحدة الألمانية؟ - أجل كنت مقتنعا بذلك. فلما سقط الجدار، كان واضحا أننا سنشهد أحداثاً متسارعة. هناك تطورات يمكن مراكمتها لزمن طويل. وفي ما يتعلق ببناء الجدار، فقد كانت قيادة ألمانياالشرقية من اتخذت قرار بنائه. فالشرق، أعني النظام الاشتراكي، خسر المنافسة، وبدأ الشعب يفر منه طلباً للخلاص، ولهذا عمدوا إلى حصاره. هذا ما يعنيه يوم الثالث عشر من غشت عام 1961 . وسقوط الجدار، يعني أن الشعب اختار طريقه، ليس عبر الهروب فحسب، ولكن عبر التغيير. لكن أحداً لم يكن يعرف بأي سرعة ستمضي الأحداث وأن الوحدة ستتحقق بعد عام واحد.ومن يدعي معرفة ذلك مسبقا، فإنه يبالغ قليلا؟ - لقد كانت أسابيع وأشهرا مثيرة آنذاك. وربما كانت البداية بتأسيس الحزب الاشتراكي الديمقراطي في «شفانته». وفي شتنبر كانت هناك المحاولات المشهورة للخروج من ألمانياالشرقية، حينها تمكن أكثر من أربعة آلاف شخص من الخروج عبر سفارة ألمانيا الاتحادية في براغ. وقد ساهمت في ذلك مساهمة كبيرة، كما كانت هناك مظاهرة أكتوبر أيضا؟ - نعم، ولا بد من لفت الانتباه بشكل خاص إلى التاسع من أكتوبر في مدينة لايبزيغ. اليوم الذي تحدد فيه ما إذا كانت ستكون ثورة سلمية من أجل الحرية، خالية من العنف. وهي الثورة التي انطلقت شرارتها من الكنيسة وامتدت إلى المدينة. وكان لها تأثير على من لم يكن لهم علاقة بالكنيسة وعلى أولئك الذين كانوا يريدون وقف هذا التطور. هذا ما جعل تلك الثورة سلمية. وعلينا ألا ننسى أنها كانت على عكس ما حدث في السابع عشر من يونيو عام ثلاثة وخمسين عندما تمرد الثوريون الألمان لأول مرة في منطقة النفوذ السوفيتي، وتلتها انتفاضة المجر عام ستة وخمسين وانتفاضة تشيكوسلوفاكيا عام ثمانية وستين. لقد كانت ثورة أوروبية من أجل الحرية، وهذا ما ميز عام تسعة وثمانين. - إذن، لم يكن ذلك في نظرك تحولا سياسيا، بل ثورة ألمانية ناجحة؟ - نعم، كانت ثورة ألمانية ناجحة وكانت لها أهمية كبيرة داخل الاتحاد الأوروبي، ولمكانة ألمانيا في العالم وفي التاريخ. فللمرة الأولى كان الألمان في الجانب الصحيح عندما كانت أوروبا تناضل من أجل الحرية. الألمان في الغرب ينهضون متضامنين مع إخوانهم في المنطقة السوفيتية للمطالبة سلميا بالحرية والديمقراطية. مما ساهم في إثرائنا أخلاقيا، نحن الألمان في الغرب، وجعل سمعتنا تتحسن. - في عام تسعة وثمانين، كان قد مضى على توليك منصب وزير الخارجية أكثر من خمسة عشر عاماً، اكتسبت خلالها خبرات كثيرة وكان لك دور هام في العديد من المحادثات الأوروبية. ما مدى الصعوبات التي واجهتك عام تسعة وثمانين في اقناع الحلفاء بالوحدة الألمانية؟ - كان هناك دعم هائل ... وكون سقوط الجدار كان من الناحية الشرقية ونتيجة ثورة سلمية للمواطنين، ليس في ألمانيا فحسب، بل وفي المجر وبولندا وتشيكوسلوفاكيا، وكذلك بفضل الثورة في موسكو، كل ذلك جعل الأمور أسهل بكثير. ولا يسعني سوى أن أقول إن القبول الواسع من قبل جيراننا الأوروبيين للوحدة الألمانية كان أيضا ثمرة جهود كبيرة لإدماج ألمانيا في الكتلة الغربية، وبفضل دورنا النشط في تحقيق الوحدة الأوروبية. وإبرام عقود الشراكة مع دول أوروبا الشرقية، مما ساهم في تغيير العلاقات مع شرق أوروبا، ونزع فتيل العداء. هذه السياسات أثارت جدلاً حاداً في ألمانيا، سواء سياسة الاندماج في الغرب أو السياسة تجاه شرق أوروبا. حينها انحاز الكثيرون في ألمانيا لأوروبا موحدة. يجب أن نذكر ذلك، وقد لعبت ألمانيا دورا بارزاً في هذا المجال. فالألمان الغربيون والشرقيون كانوا متوحدين بالفعل على المستوى الشعبي، وليس الحكومة، بل الشعب الذي أيد الاندماج مع الغرب، والتقارب مع الشرق، سواء مواطني شرق ألمانيا أو غالبية مواطني ألمانياالغربية. - سيد غينشر، لقد ولدت في مدينة هاله شرق ألمانيا، واضطررت لمغادرتها عام اثنين وخمسين. وخلال عامي تسعة وثمانين وتسعين تكررت زيارتك للمدينة، وبعدها أيضاً. فكيف ترى الوحدة الألمانية؟ - لقد تطورت أكثر مما يعتقد البعض ... بالتأكيد هناك قلة قليلة تربط نعمة الحرية بأشياء من الماضي. لكن الحرية شيء أكبر من ذلك. ما يسعدني هو نشوء جيل يعي أن أباءهم عاصروا الانفصال، وعاشوا في «ألمانيتين» مختلفتين، لكن هذا الجيل الجديد يعي أيضا أن مستقبلهم مشترك، وقد قبلوا هذا التحدي. وهذا يؤدي إلى توحد أكثر من أن يحاول البعض ذلك عبر التذمر والامتعاض. - سيد غينشر، في الختام أود أن أطرح هذا السؤال، لقد كنت طوال حياتك متخصصا في السياسة الخارجية، برأيك، ما الدور الذي ستلعبه ألمانيا في العالم مستقبلا؟ - أتمنى أن تلعب دورا كجزء من الاتحاد الأوروبي، إذ ليس لدينا مستقبل آخر. فلولا الوحدة الأوروبية لما توحدت ألمانيا. وعليه، فإن أوروبا هي مستقبلنا وليس لدينا مستقبل آخر. لذا أتمنى أن تؤدي ألمانيا دورا هاما في إطار الاتحاد الأوروبي بما يعزز الاندماج، لأن اوروبا صاحبة رسالة في هذا العالم. فالمرء يمكنه أن يتعلم من التاريخ ومن خلال التعاون المشترك يمكن تحقيق الكثير وتجاوز ما يؤدي إلى الفرقة. ومن يعطي ظهره للآخرين لا يستطيع إقناعهم بشيء. ومن أجل ذلك، يجب على المرء النظر للآخر حتى لو كانت آراؤه مخالفة لرأيه الشخصي...