تخلى الألمانيون عن ألمانيتهم والمغاربة عن عربيتهم ليتحدثوا باللغة الفرنسية في ندوة الإرهاب في عين الإعلام، التي نظمتها السفارة الألمانية ووكالة المغرب العربي للأنباء، بتعاون مع مؤسسات سياسية ألمانية. واتفق المشاركون في الندوة، التي انعقدت بمقر وكالة المغرب العربي للأنباء، أول أمس الاثنين، على أن الإسلام بعيد عن الإرهاب وبريء منه، وأن الدول الغربية ارتكبت كثيرا من الأخطاء في إدماج الجاليات المسلمة ضمن المجتمعات الغربية، وأن كثيرا من العمل ما زال مطلوبا للقيام بذلك. شارك في افتتاح هذه الندوة، التي جرت في جلستين، كل من نبيل بن عبدالله وزير الاتصال والناطق الرسمي باسم الحكومة ورولاند ماوخ، السفير الألماني بالمغرب، وأنتجيه فولمر، نائبة رئيس البرلمان الألماني. وترأست الجلسة الأولى نادية صلاح، رئيسة تحرير يومية ليكونوميست المغربية، في حين ترأس الجلسة الثانية يورغن تيريس، الممثل الجهوي لمؤسسة هانس شيدل. وقال نبيل بن عبدالله إن الإرهاب لا يفسر بأسباب اقتصادية واجتماعية، ولكن بأسباب فكرية، وإنه ليس خاصا بالإسلام، ولكنه يوجد في كل الديانات والثقافات، وإذا ما وجد في البيئات الإسلامية، فإنما هو انحراف عن الإسلام. وأضاف وزير الاتصال أنه لا بد من التحلي بالموضوعية القصوى في النظر إلى هذه الآفة، فالشعور بالظلم والإهانة لدى الشعوب الإسلامية من أهم أسباب الانزلاق والانفلات نحو العنف والإرهاب، وما دامت الأسباب قائمة فستظل الأعمال الإرهابية موجودة. وأكد الوزير أن الديمقراطية والانفتاح واحترام الحريات من أهم سبل العلاج، وأنه لا بد من مراجعة البنيات الاقتصادية والاجتماعية للدخول في التقدم والتحديث. واختتم بن عبدالله كلمته بتحديد دور الإعلام في الإخبار والتحليل والتعليق، رغم صعوبة الحصول على الخبر في الغالب. أما السفير الألماني، رولاند ماوخ، فقد أشار إلى الخلاف الحاصل حول تعريف الإرهاب، وهو ما تواطأ عليه كل المشاركين، وذكر الدكتور محمد العيادي أن هناك حوالي 109 تعريفات منذ ,1980 وأكد أن التناول التجزيئي للأحداث لا يختلف في شيء عن الرقابة، وأن الموضوعية صعبة التحقق ما دامت الاختلافات قائمة بين الناس، ووافق السفير الألماني الرأي القائل إن المنع غير ذي جدوى في العمل الإعلامي وتناول قضايا الأحداث الإرهابية، وأن أحسن وسيلة لحماية المجتمعات هي نظام ديمقراطي متين وبناء دولة القانون. وذهب السفير الألماني إلى أن تحليل الظاهرة الإرهابية في منابر الإعلام ينبغي أن يتطرق إلى أسئلة رآها السفير جوهرية تنحو منحى التفسير وليس الوصف، ومنها كيف يصبح الفرد إرهابيا؟ وما هي الدوافع التي تجعل مجموعة من الأفراد تختار تفجير نفسها في مكان ما؟ وكيف يتحول عدة مسلمين الظاهر اندماجهم في المجتمعات المصنعة إلى مجرمين ومرشحين للانتحار باسم ما يعتقدونه دينا لهم؟ وهل الأمر يتعلق بشعور بالنقص يتحول إلى عدوان وعدوان على الذات في بيئة لا تفهمهم ولا يفهمونها؟ وسرد السفير عدة أسئلة أخرى حول سلوك مسلمي الغرب تجاه الأزواج والأولاد والانحرافات الأخلاقية، مختتما سلسلة الأسئلة بتوجيه أهم سؤال في نظره إلى الصحافة عامة، والصحافة الألمانية خاصة، وهو متى يفتح النقاش الحقيقي حول فشل إدماج المسلمين في الغرب وأسباب سوء الفهم تجاهم؟ ضاربا المثل في ذلك اليوم بصحيفة ديرشبيغل، التي كانت أول من تجرأ على فتح النقاش على خلفية اغتيال المخرج الهولندي فان غوخ وتداعياته. الفشل في إدماج المسلمين بالغرب، أكد عليه بيتير فيليب، كبير المراسلين في الإذاعة الألمانية دوتشي فيلي. وعلى المنوال والإيقاع نفسه، أجابت نائبة رئيس البرلمان الألماني عن كيفية تحقيق معادلة تناول الأحداث الإرهابية وتجنب التحول إلى منبر إعلامي للمنظمات الإرهابية لبث إيديولوجيا الكراهية والحقد وصناعة هستيريا جماعية. وأمام وضع كهذا، استشهدت المتحدثة بعبارات مختصرة للرئيس الألماني الأسبق م. راو، هي قوله: >الصحافيون مراقبون وليسوا فاعلين، ويجب عليهم أن يصفوا الحقيقة، وهم مسؤولون على ما يفعلون<. واختتمت نائبة رئيس البرلمان الألماني مداخلتها بالقول >إن الاستراتيجية الإعلامية الفعالة ضد الإرهاب يجب أن تضمن أن الحريات التي تريد الدول الديمقراطية الدفاع عنها، وخاصة حرية الصحافة، لن تهدم بسبب الجهود المبذولة ضد الإرهاب<. وفي مشاركة الباحث محمد العيادي الوجيزة، تناول الفروق بين التناول الإعلامي والتناول العلمي لظاهرة الإرهاب، وذكر على رأسها السرعة والعجلة لدى الإعلاميين، والتأني والتثبت لدى الخبراء المتخصصين، وأشار العيادي إلى أن الغرب وجد نفسه مجبرا، غداة انحسار الاستشراق وانسداده، مجبرا على صناعة أشباه الخبراء. ومضى العيادي إلى القول إن الإرهاب ظاهرة معقدة لا يفهمها كثير من الصحافيين، لأنها تفسر حسب كل حالة، فالحالات الفردية تفسر بما هو فردي والحالات الجماعية بما هو جماعي، وحسب سياق كل واحدة. يذكر أن هذه الندوة شارك فيها عدة أساتذة وخبراء وإعلاميون مغاربة وألمانيون، لكن المشاركة المغربية اقتصرت على الصحافة الفرنكوفونية دون العربية، كما أن اللغة الفرنسية المستعملة دفعت بعض المتدخلين إلى أخذ الكلمة باللغة العربية، وذلك ما فعله ممثل قناة الجزيرة وممثل جريدة التجديد وأستاذة من الجمهور. وحسب بعض الملاحظين، لو أن الندوة أشركت فعاليات أخرى واستعملت اللغة العربية لكان لها صدى أوسع وأثر أكبر. حسن صابر