قال خالد الحريري، الذي أشرف على إعداد تقرير المهمة الاستطلاعية التي أنجزتها خلية منبثقة عن لجنة المالية بالبرلمان، إن تفعيل التوصيات التي خرج بها هذا التقرير لايحتاج إلى وقت طويل، لأن معظمها يدخل ضمن نطاق عمل الحكومة. وأضاف الحريري في حديث خص به جريدة «الاتحاد الاشتراكي» أنه إذا ما توفرت للحكومة الشجاعة السياسية لمعالجة هذا الملف، فإن الأمر لن يتطلب كثيرا من الوقت، فجل التوصيات هي من اختصاص الحكومة ولا تتطلب تعديلات مسطرية . وعن أهم التوصيات التي أوردها التقرير، والتي ستتحول قريبا إلى ورش هام للاشتغال بين الحكومة والبرلمان وكافة المتدخلين في القطاع الصيدلي، قال الحريري إنه من باب الاستعجال وضع مسطرة جديدة لتحديد أسعار الدواء لتشكل قطيعة مع سابقتها، وأن يتم الأخذ بعين الاعتبار عند وضع هذه المسطرة، خصوصية القدرة الشرائية للمغاربة وذلك بعدم الاعتماد على ثمن الدواء في البلد الأصلي، وألا تكون كلفة التصنيع والاستيراد التي يتحجج بها المصنعون هي المعيار في تحديد السعر ، أما على مستوى الأدوية المكلفة فإنه ليس من الصعب تطبيق مبدأ «الرخصة الاجبارية» على الأدوية التي مازالت تحت حماية براءة الاختراع ، مادام أن هذا المبدأ لا يتعارض مع الاتفاقيات التي تربط المغرب بشركائه الدوليين. ولهذا السبب، يضيف الحريري، أوصى التقرير بضرورة وضع لائحة استعجالية للأدوية المكلفة وتطبيق مسطرة الرخصة الإجبارية على العديد من أنواع الأدوية المكلفة كأدوية علاج السرطان والتهاب الكبد. ويجب أن تشمل هذه اللائحة في غضون السنة القادمة أكثر من 10 أدوية. كما أن تفعيل هذه المسطرة يمكن أن ينطلق خلال الثلاثة أشهر القادمة. وأكد عضو الفريق الاشتراكي بالبرلمان أن هذه توصيات ذات طابع استعجالي، يمكن تفعيلها في ظرف وجيز كما هو الشأن بالنسبة لإعادة النظر في المسطرة المعتمدة لتحديد الأثمان، والتي يمكن أن تنبثق عنها مسطرة جديدة في أقل من ثلاثة أشهر، كما أن مراجعة أثمنة الأدوية الأكثر استهلاكا لا تحتاج إلى أكثر من سنة على أبعد تقدير . من جهة أخرى ، وحول سؤال عن مدى حاجة الأدوية إلى تخفيض ضريبي ، قال الحريري إن التقرير وقف على حقيقة مفادها أن الضرائب ليست هي السبب في ارتفاع ثمن الأدوية، فالكثير من الأدوية وخصوصا الباهظة الثمن هي في الأصل معفية من الضريبة على القيمة المضافة ، ولا تؤدى عنها سوى رسوم جمركية هزيلة. كما أن الضريبة في حد ذاتها لاتمثل نسبة هامة في تركيبة سعر الدواء، وإن كان هناك إجماع من طرف جميع الفاعلين على ضرورة إعفائها تماما من الضرائب والرسوم، غير أن ذلك لن يضمن ، يقول الحريري، نزول أثمنتها في الصيدليات ما لم تتخذ جميع التوصيات الأخرى الأساسية بعين الاعتبار، وإلا فإن هامش الاعفاء الضريبي والجمركي سيذهب إلى جيوب المصنعين.. وعن دور الدولة في إعمال سلطتها التفاوضية للحصول على أسعار مناسبة عند شراء الأدوية من الأسواق العالمية، قال الحريري إنه من الضروري أن يكون هناك تنسيق تام بين جميع مستوردي الأدوية للتكلم بصوت واحد أمام المصنع بهدف الحصول على أثمنة مناسبة، يستفيد منها جميع المغاربة وليس فقط المنخرطون في الصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي، وذلك طبعا في انتظار مراجعة المساطر المتبعة لتحديد أثمنة الدواء. أما بالنسبة لدور التغطية الصحية في معالجة هذه الإشكالية، فيرى خالد الحريري أن أثمان التعويض تحتسب على أساس أغلى دواء جنيس، وإذا ما أردنا الدفع في اتجاه تخفيض الأثمان، فإن أنظمة التغطية الصحية ينبغي أن تحتسب التعويض على أساس أرخص دواء جنيس ، وذلك للتشجيع على استعمال الأدوية الجنيسة التي لها في الكثير من الأحيان نفس جودة الدواء الأصلي. ومن شأن سياسة تحسيسية أن تدفع الأطباء الى الاعتياد على وصف هذه الأدوية الجنيسة الرخيصة الثمن بدل الأصلية التي غالبا ما تكون أغلى . وعند هذه النقطة توقف الحريري ليشرح مفارقة كبرى يعيشها واقع الأدوية بالمغرب، فقد تبين من خلال التقرير، الذي كان من بين المشرفين على إعداده، أن المغاربة يستهلكون بشكل غير مبرر الأدوية الأصلية المرتفعة الثمن بنسبة 76% في حين أن الأدوية الجنيسة لا تمثل في المغرب سوى 24% والحال أن القدرة الشرائية لمعظم المغاربة كانت تقتضي مبدئيا عكس هذه القاعدة، وليس هناك ما يبرر تخوف الأطباء المغاربة من وصف الأدوية الجنيسة إذا كانت الولاياتالمتحدة الأمركية بقدرتها الشرائية العالية تستهلك الأدوية الجنيسة بنسبة 62% مقابل 38% فقط للأدوية الأصلية، ونفس الأمر ينطبق على البريطانيين والألمان الذين تمثل الأدوية الجنيسة نسبة تفوق 52% من مجموع أدويتهم.. وعما إذا كان تخفيض أسعار الدواء بالمغرب سيلقى مقاومة شديدة من قبل التكتلات المهنية للدفاع عن مصالحها، استبعد الحريري هذا الأمر، معتبرا أن تخفيض ثمن الدواء سيستفيد منه المرضى بالدرجة الأولى، كما ستستفيد منه مؤسسات التغطية الصحية التي ستتمكن من توسيع قاعدة منخرطيها، وسيستفيد منه أيضا الصيادلة بحكم أن تخفيض الأثمان سيشجع على رفع الاستهلاك، و هو ما سيعم على المصنعين بالنفع إذا ما قبلوا بهوامش ربح معقولة..