لم يعد وصف «الباعة الجائلين» ينطبق على الذين يحتلون الملك العمومي عارضين بضائعهم الموسمية ، وإنما الواقع المعيش أصبح يتطلب البحث عن مصطلحات تصف الوضع الراهن بالحقيقة الناطقة المكشوفة، لأن البائع الجائل هو ذاك الذي يتجول من مكان لآخر، ومن موقع لموقع عبر عربته المجرورة أو المدفوعة أو عبر وسيلة نقل يعرض بها بضاعته. إنما اليوم الكل يلاحظ ويلمس وبالعين المجردة أن هناك «عربات» و«طابلات» لا مجرورة ولا مدفوعة، وإنما قارة وجامدة في مكانها! بل أكثر من ذلك، هناك العديد من هذه العربات من «صنع» بها صاحبها سريراً للنوم والقيلولة بأسفلها، حيث لا يظهر للعيان، لأنه «مستور» إما بثوب قديم أو «بمانطة» مستعملة، أو توضع به بعض الصناديق الفارغة. ويبقى اللافت في هذا الوضع الجديد هو وجود عربات من هذا النوع «الجامد بمكانه» لبيع أنواع من السلع والبضائع، كان إلى حدود الأمس القريب ينحصر بيعها في أسواق خاصة، لما تعرفه من مخلفات وبقايا تستلزم مرافق ضرورية لها، حتى لا تتسبب في تلوث بيئي أو ضرر صحي.. هذا «المتغير» ينطبق على زنقة القاهرة والزنقة 29 من درب بوشنتوف وبعض أزقة درب الفقراء بمقاطعتي الفداء ومرس السلطان، والتي تحولت إلى «أسواق» لبيع الدجاج وترياشه، وانتشرت الرياشات ببعض الأزقة المجاورة في خرق سافر للقانون، باعتبار أن هذه المناطق أصبحت معرضة لتلوث بيئي خطير، ولمخاطر صحية الجميع في غنى عنها في الوقت الراهن! ويتساءل بعض المتضررين عن دور السلطات المحلية والأمنية والمنتخبة في العمل على «حماية سلامة وصحة المواطنين القاطنين بمحيط هذه الفوضى التي يتسبب فيها هؤلاء الباعة الجامدون في أمكنتهم والمستقرون؟» . بعض المنتمين للقطاع الصحي بهذه العمالة، أكدوا على خطورة هذا الوضع، خصوصا وأن الحاويات وقمامات الأزبال التي تضم مخلفات وبقايا الدجاج التي تجمع الأمعاء والرؤوس والأرجل منتشرة في كل أجزاء هذه المناطق، إضافة الى أن بعضهم يقوم بعملية الترياش مباشرة أمام الملأ وسط تلك العربات، مما يترك سائلا ممزوجا بكل أنواع هذه البقايا يُنقل عبر عملية الرفس إلى البيوت حاملا جميع مُسببات التلوث والبكتيريا ... هذا الوضع الفوضوي يزداد قتامة نتيجة قدوم شاحنات وسيارات البضائع الى هذه العربات بهذه الأزقة وسط الدروب لإفراغ كميات كبيرة من الدجاج عبر صناديق مملوءة. وأخرى مضمومة في مجموعات، وبذلك تصبح هذه الأزقة «مراكز» حقيقية لبيع وذبح وترياش الدجاج... هذا ويشير المتضررون من هذه الوضعية غير السليمة، إلى أنه كان على السلطات المحلية والمنتخبة البحث عن أسواق نموذجية لحل هذه المعضلة الآخذة في الاتساع بكل سلبياتها البيئية والصحية و... بدل ترك السكان يعانون الأمرين مع «واقع» فُرض عليهم عُنوة!