على مسافة11 ألفا و800 هكتار، تمتد الكثبان الرملية لمدينة الصويرة مشكلة محيطا غابويا تمكن خلال القرن الأخير من ضمان حماية مدينة الرياح، وتأمين الطرق والمعابر التي تربطها بمدينة مراكش وأسفي، كما تحولت إلى محمية طبيعية مصنفة عالميا . هذه التلال الرملية التي يعتبرها الخضر وعلماء النباتات تحفة تاريخية أصبحت منذ سنوات عرضة لعملية زعزعة وتدمير ونهب مستمرة تجسدت مؤخرا في الزحف العشوائي واللامعقلن للاسمنت من خلال مجموعة من المشاريع العمرانية والسياحية التي لا يوجد الهاجس الايكولوجي على لائحة أولوياتها. خطر حقيقي بات يهدد التوازن الايكولوجي على طول الشريط الساحلي لمدينة الصويرة التي أصبحت تحت رحمة مجموعة من الاختلالات التي تلامس تدبير المحيط الايكولوجي والثروات الطبيعية المتنوعة للمدينة، والتي خولتها أن تصنف كموقع طبيعي ذي أهمية بيولوجية وايكولوجية ، وبالتالي تحولت التلال الرملية بالإضافة إلى أرخبيل موكادور، إلى تراث عالمي على اثر تسجيلها على لائحة رامسار للمناطق الرطبة. مجموعة من العوامل المدمرة تهدد في الوقت الراهن مواقع التلال الرملية لمدينة الصويرة بشكل أكثر بشاعة من مظاهر الرعي الجائر والقطع غير المرخص للأخشاب الذي ساد بداية القرن العشرين ولا يزال، إنها آلة الاسمنت الجهنمية تجرف الأخضر واليابس على اثر رفع الحماية عن مئات الهكتارات من التلال الرملية وتفويتها لفائدة مشاريع عقارية وسياحية غيرت ملامح مواقع طبيعية هشة عمل أجيال من اطر وعمال المياه والغابات على تشييدها منذ بدايات القرن الفائت. منذ تشييدها سنة 1760 على امتداد المحيط الاطلنتي، كانت مدينة الصويرة خاضعة لحركة رياح منتظمة ومتفاوتة القوة، وعملية تعرية بحرية للصخور الهشة راكمت كميات هائلة من الرمال على شاطئ المدينة. كما كانت المدينة محاطة بغابة كثيفة تمتد على 14 ألف هكتار تجد امتداداتها في أشجار العرعار والأركان الممتدة شرقا وجنوبا على مسافة 300 ألف هكتار. مع حركة توسع وتمدن موكادور عرف المجال الغابوي عملية استنزاف كبيرة بسبب استغلال بشع وغير معقلن للأخشاب بسبب أنشطة الرعي الجائر، استعمال الخشب لبناء المنازل، واستعماله للتدفئة، مما أضر بالدور الحيوي الذي كان يلعبه المجال الغابوي الذي يحمي المدينة من الحركة المستمرة للتلال الرملية بفعل تأثير الرياح الشمالية التي تهب 291 يوما في السنة. بعد قرن ونصف من تشييد مدينة الصويرة، كان قطر من ثمانية إلى خمسة عشر كيلومترا من المجال الغابوي قد اختفى نهائيا. " تشييد المدينة التي ستتحول فيما بعد إلى احد أهم الموانئ بالمغرب، تطلب احتياجات كبيرة من خشب البناء، وقد شكلت الغابة المجاورة المتواجدة على أبواب المدينة مصدرها الأساسي.غير أن استغلال المجال الغابوي لم يخضع لأية ضوابط تنسجم ومتطلبات الحفاظ على توازن واستدامة الثروات الغابوية للمدينة، ففي مقابل قطع الأشجار الكبيرة لصناعة دعامات المنازل والأسقف، استعملت الأشجار الصغيرة في إنتاج الفحم الذي كان يستعمله سكان المدينة في الطهي ، كما تم تصديره عن طريق الميناء فيما بعد. بالإضافة إلى هذا الاستغلال غير المعقلن، يضاف الرعي الجائر، حيث لجأ سكان المدينة الأوائل إلى تربية قطعان البقر والخرفان وتعليفهم بالمجال الغابوي لتأمين احتياجات سكان المدينة من اللحوم » كتب س. سيلزلي المهندس الرئيسي السابق بمصلحة المياه والغابات بالمغرب في إحدى المقالات سنة 1962 . على إثر اجتثات مساحة كبيرة من المجال الغابوي المحيط بمدينة الصويرة، لم يعد هنالك أي حاجز أمام حركة الكثبان الرملية التي تتنقل تحت تأثير قوة الرياح ، تراكمت الرمال فوق الطرق والمعابر الرابطة بين المدينة وبين المدن والمناطق المجاورة فأصبح لزاما الترجل من السيارات للوصول إلى المدينة، ودفنت منازل الأحياء الشرقية تحت أطنان الرمال الزاحفة، وأصبح المشهد صحراويا بامتياز، أتت حركة التصحر على مجموعة من الزراعات والحدائق، وأصبح بالتالي مستقبل المدينة مهددا . سنة 1918 ، وتحت تهديد الكثبان الرملية المتحركة، عرفت عملية تثبيت وتعريش التلال الرملية دفعة قوية من خلال تعبئة أكثر من 700 عامل وأعداد مهمة من الجمال لأجل إنجاح عملية واسعة ومستمرة لتثبيت مئات الهكتارات من التلال الرملية. وقد تم اللجوء إلى عدة طرق في هذه العملية، من خلال التثبيت بالوسائل الفيزيائية في مرحلة أولى، عبر نشر أجسام ثقيلة فوق الكثبان الرملية لتثبيتها اعتبارا للدمار الكبير الذي لحق الغابة وأصبح من المستحيل الحصول على أغصان أشجار للقيام بعملية التعريش، وهو ما استدعى اللجوء إلى غابات العرعار التي تتواجد على مسافة 15 كيلومترا من مدينة الصويرة، حيث كانت تحمل أغصانها على ظهور الجمال ثم تثبت على سطح الكثبان الرملية لمنعها من الحركة بمعدل 16 طنا من الأغصان للهكتار الواحد، حيث اخذ في الحسبان قدرة خشب العرعار على التحمل مما يمنح مصلحة المياه والغابات مهلة ثلاث سنوات لإيجاد حل للتثبيت النهائي للكثبان الرملية. التقنية الثانية تتجسد في زرع نباتات مثبتة سريعة قادرة على تحمل فترات طويلة من جفاف المناخ وكذا التغلغل سريعا عميقا وأفقيا داخل الكثبان الرملية بشكل يضمن تثبيت المساحات الرملية المزروعة، هذه التقنية مكنت في وقت قريب من الحصول على غطاء نباتي مهم وفعال. على إثر نجاح تقنية التثبيت بواسطة النباتات أصبح طموح أطر مصلحة المياه والغابات أكبر من البداية، وبدؤوا يفكرون في إعادة الحياة إلى المجال الغابوي المتضرر من خلال زراعة عشرات الهكتارات من الأشجار في محيط المدينة، خلق مناطق غابوية كثيفة على عدة هكتارات. ورغم انتهاء عملية إعادة تثبيت وإنبات الكثبان الرملية لمدينة الصويرة منذ سنة 1986 ، إلا أنها تحتاج إلى مجهودات مستمرة ومنتظمة لتكثيفها وصيانتها قصد تفادي اهتزازها وإضعافها مع مرور الوقت، وتضافر العوامل الطبيعية والبشرية المزعزعة لاستقرارها (90% من الكثبان الرملية توجد على تراب بلدية الصويرة ، و 10% على تراب جماعتي سيدي كاوكي جنوبا ومولاي بوزرقطون وأوناغة شمالا)، فقد مكنت مجهودات أجيال متوالية من أطر وعمال مصلحة المياه والغابات من تحويل التلال الرملية من خطر يهدد مستقبل مدينة الصويرة، إلى مصدر ثراء وغنى وتنوع إيكولوجي، يزخر يتنوع نباتي، وحيواني، و يشكل قبلة لمجموعة من الطيور المعششة والمهاجرة. « لم يكن المناخ هو الحاجز الوحيد أمام المجهودات المبذولة من طرف مصالح المياه والغابات لتثبيت الكثبان الرملية والحفاظ على استقرارها، فبعد سنوات قليلة من بدء عملية زراعة وتكثيف الغطاء النباتي المثبت للرمال، أصبح هذا الأخير يشكل مساحات غنية وذات جودة عالية بالنسبة لأنشطة الرعي، مما جعلها قبلة لقطعان المواشي التي يربيها سكان المدينة والمناطق المحيطة.الأغصان المستعملة للتثبيت تحولت بعد سنتين من نشرها على سطح الكثبان الرملية، إلى حطب تدفئة جاف من النوع الجيد، صالح للجمع، خفيف الوزن يسهل نقله، ويمكن بيعه بيسر وبأثمنة مجزية لمستعمليه من ملاك المقاهي والأفران والحمامات الذين يفضلونه لجودته وتكلفته المنخفضة. كما أصبحت الكثبان الرملية المتواجدة على أبواب المدينة قبلة للنزهة من طرف أعداد كبيرة من السكان والزوار، مما أدى إلى إتلاف أعداد كبيرة من النباتات الهشة والحديثة الزراعة. إن نسبة كبيرة من الكثبان الرملية التي تم تثبيتها في وقت سابق ، لم تعد تضم سوى غطاء نباتي ضعيف بفعل التدمير الممنهج الذي تسببت فيه السلوكات التي سبق التطرق إليها،الانتهاكات التي مورست على الكثبان الرملية ليست وليدة اليوم، فمنذ نصف قرن من الآن، اضطر« ديبوي» العريف الرئيس بمصلحة المياه والغابات إلى مكافحة هذه السلوكات مباشرة بعد وصوله إلى مدينة الصويرة سنة 1914 ، فمن خلال قراءة سجله اليومي يتبين تواجد أعداد من قطعان المواشي في المجال المحمي، والتي كان يقوم بوضعها في المحجز كلما أمكنه ذلك، غير أن الغريب في الأمر هو عدم تعرض مرتكبي المخالفات المستفيدين من حماية السلطة آنذاك لأية عقوبة. بل يبين نفس السجل كيف توصل " ديبوي" بأمر من المصالح البلدية للصويرة بعدم القيام بجولات مراقبة في منطقة شيشت تفاديا للمشاكل ( الصفحة 6 بتاريخ 29 نونبر 1914) » يورد س.سيلزلي في مقالته دائما. بعد مرور قرابة قرن على هذه الوقائع التاريخية التي تؤرخ لمسار طويل مطبوع بصراع قاس مع قوى الطبيعة وعوامل التدمير البشرية قصد حماية الكثبان الرملية التي تحولت من مصدر قلق وأخطار بالنسبة لمستقبل مدينة الصويرة، إلى محمية طبيعية غنية بتنوعها البيولوجي ومجالها الحيوي الخاص، يوجد النظام الايكولوجي من جديد في مواجهة أخطار أكبر بسبب المد العمراني الأهوج المدفوع باعتبارات اقتصادية وربحية صرفة لم تأخذ في حسابها الجانب الايكولوجي ولم تعط أية قيمة للمسار الطويل من الكفاح الذي قطعته أجيال من موظفي المياه والغابات بصبر وأناة لأجل تحويل الكثبان الرملية المتحركة إلى تحفة طبيعية تاريخية مصنفة تراثا إنسانيا طبيعيا ذا أهمية بيولوجية وايكولوجية. رمال الصويرة تتعرض لعملية استنزاف ونهب وسرقة يومية من طرف عشرات الشاحنات التي تقطع مداخل إقليمالصويرة ومعابرها ذهابا وإيابا محملة بأطنان الرمال المهربة على مرأى ومسمع من الجميع، مع العلم أن مدينة الصويرة لا تحتوي على أي مقلع رمال مرخص. الخطير في الأمر أن هذه الجرائم الايكولوجية قد تم ترسيمها وشرعنتها من خلال تفويت مئات الهكتارات لفائدة مشاريع عمرانية وسياحية ، آلاف الأطنان من الرمال البحرية والشاطئية يتم تحميلها ونقلها يوميا إلى وجهات مجهولة لتضخ أموالها في أرصدة أشخاص بعينهم إلا خزينة الدولة وبلدية المدينة. للأسف، لم تعد الكثبان الرملية تأتمر بحركة الرياح الشمالية، بل أصبحت تحت رحمة مخططات مجموعة من المنتفعين اكتشفوا المزايا المالية الضخمة للرمال المتحركة لمدينة الرياح. والخوف كل الخوف، أن نستفيق ذات يوم على خبر بيع رمال الصويرة لتأثيت الشواطئ المتحجرة لبلد أوربي، أو إفريقي.